وجهات نظر

"لوزان".. مؤتمر أخذ أكثر من حجمه

فراس عزيز ديب


الإعلام تايم- الوطن

 

في أول لقاءٍ له بعد تعيينهِ أميناً عاماً للأمم المتحدة، وفي معرضِ حديثهِ عن الوضعِ في سورية، قال "أنطونيو غوتيريس" كلاماً مهماً يمكننا تسميته بـ"المبشِّر"، لكونه الكلام الأول لأمينٍ عام للأمم المتحدة يُنصِف سورية والسوريين، تحديداً عندما تحدث عن "كرمِ الشعب السوري" الذي ما كان ليبخل باستضافة كل الهاربين من هولِ الحروب في دول الجوار.

 

لكن كلامهُ يمكننا اعتباره نصفَ الحقيقة، فالحقيقة الكاملة التي كان على السيد "غوتيريس" أن يعترفَ بها أن هذا الكرمَ الشعبي على المستوى الإنساني في القضايا الإقليمية الكبرى كاحتلال العراق أو فلسطين، ما كان ليتجسَّد واقعياً لولا وجود ما يسمونه "نظاماً سياسياً" يعرِف تماماً التزاماتِه الإنسانية والأخلاقية التي هي في النهاية انعكاساً للإرادة الشعبية لتي يمثلها. كلام "غوتيريس" لا يمكننا اعتباره نقطةً إيجابية تُسجَّل للشعب السوري لأنه شعبٌ لا ينتظر الإطراء من أحد، لكنه حُكماً نقطةٌ إيجابيةٌ تُسجل لنهج القيادة السورية التي لم تتاجر يوماً بقضية اللاجئين كما يفعل اليوم تُجار المواقف في الدول "المستضيفة"، والنقطة الأهم التي على "غوتيريس" أن يعِيها قبل الولوج في مهامه رسمياً:

 

كيف لحكومةٍ أو قيادةٍ سياسية أن تعي مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية تجاه الهاربين من دول الجوار، بينما هناك من يتهمها ليلَ نهار بـ"اللاإنسانية" تجاه شعبها؟! مفارقةٌ غريبة لم يشأ "غوتيريس" الخوض بها، لكن لامانعَ أن نذكّر فيها المصابين بفقدانِ الذاكرة.

 

مما لا شك فيه أن كلام الأمين العام الجديد للأمم المتحدة الذي سيباشر مهامه مع وصول الإدارة الأميركية الجديدة للبيت الأبيض يبدو نوعاً ما "دبلوماسياً" وتصالحياً، وربما لا يعكس الحالة المتردية والتوتر المتصاعد ليس في المنطقة فحسب، لكن على المستوى الدولي، حتى الكلام البريطاني عن تقديم مشروعٍ لمجلس الأمن يوقف الحرب على اليمن يبدو فيما يبدو وكأنه استمرارٌ لسياسة التكاذب التي يمارسها الغرب العجوز، فكيف ذلك؟

منذ الفيتو الروسي الذي عطَّل المشروع الفرنسي، شعرَ الغرب عموماً والفرنسيون والبريطانيون تحديداً بنوعٍ من كسرِ الهيبة؛ هروبهم من أمام السفير السوري في مجلس الأمن عند بدء كلمته كان أحد تجليات هذا الانكسار، فالقوي الصادق يواجِه، والضعيف الكاذب ينسل من بين جدران الحقيقة حتى لا يسمع صداها.

 

لم يقِف الأمر عند هذا الحد، بل أطلقوا العنان لإعلامهم لتركِ مساحاتٍ كبيرةٍ للمقالات أو البرامج التي تستهدف الروس قيادةً وشعباً؛ الإعلام الفرنسي مثلاً بدأ يُبَشر بوتين بما أسماه "ثورةً شعبيةً" تطيحُ به. أما البقية وبعيداً عن الاتهامات الموجهة للروس بما يتعلق بـ"جرائم الحرب" فحاولت الزرع في ذهن المتلقي أن الروس سيجرّون العالم نحو حربٍ نووية. من هنا تأتي الدعوة البريطانية لطرح مشروع قرار في مجلس الأمن يوقف الحرب على اليمن ضمن هذا السياق من التكاذب الإعلامي الذي يروِّج له الغرب للتغطيةِ على إخفاقه بفرض إرادته هنا، أو تورطهِ بكل هذه الدماء البريئة هناك، والمثال واضِحٌ أمامنا:
كيف لدولةٍ تريدُ وقف الهجمة الهمجية لـ"آل سعود" ومرتزقتهم على اليمن وبذات الوقت تعلن شركة "بي أي إي سيستمز" البريطانية عن صفقةٍ بقيمةِ 20 مليار دولار، أنقذتها من أزمتها المالية، وقعتها مع "آل سعود" لتسليمهم 48 مقاتلة من طراز "يوروفايتر تايفون"؟ هي أيضاً مفارقةٌ غريبة حاول البريطانيون الهروب منها ببياناتٍ مكررةٍ لاتسمن ولا تُغني عن جوعٍ لمجلس العموم البريطاني يتحدث فيها عن "الخوف من استخدام الأسلحة البريطانية في الانتهاكات الإنسانية"، أو كلام وزير الخارجية عن طمأنات تلقاها من "آل سعود" بأن السلاح البريطاني سيُستخدم "وفق القانون الدولي". مُضحكةٌ هذه العبارة عندما يتحدث القَتَلة والمجرمون عن آلياتِ قتل الشعوب "وفق القانون الدولي"، هكذا يزرعون بتفكيرِ شعوبهم أنهم عُتاة الإنسانية والسلام والآخرون هم دعاةَ قتلٍ وتدمير، وفي الحقيقة هم يفعلون ما يشاؤون من قتلٍ وإجرامٍ من دون رادع… هذا مثالُ اليمن… لكن ماذا عن سورية؟

 

حساب الحقل "الأوبامي" لم يطابق حساب "البيدر الروسي"، هذا ما يمكننا باختصار قوله عن حالةِ التراجع التي أبداها البيت الأبيض عن التهديد بتوجيهِ ضرباتٍ عسكريةٍ لمواقع الجيش العربي السوري بعد المشاورات التي أجراها أوباما مع مستشاريهِ ومساعديه. لكن في المقابل، إن كلام البيت الأبيض عن "التواصل مع كل الأطراف" للتوصل لحل سياسي لما أسماه "الحرب الأهلية في سورية" قد لا تكون نوعاً من التراجع عن التهديدات، لكنها قد تكون إعطاء فرصةٍ للقاء "لوزان" للخروج ليس بسورية فحسب، ولكن بالعالم أجمع من عنق الزجاجة بعد أن أصبح الجميع يترقب النتائج، فهل يمكننا حقاً إعطاء مفاوضات "لوزان" هذا الصخب لكونها الحدّ الفاصِل بين الحرب أو اللاحرب، أم إنها لا تعدو كونها لقاء من سلسلة لقاءاتٍ وتفاهماتٍ كان عنوانها الفشل؟

 

قبل أن نعطي النتيجة لا بد من النظر للمعطيات. قد تبدو مشاركة إيران والعراق ومصر في الاجتماع نقطةً مضاعفةً يمكِن البناء عليها، تحديداً إن مصر مثلاً بموقفها المتطور تبدو مشاركتها ضرورية. في الوقت ذاته لا بد من التذكير أن الموقف المصري ناتجٌ عن اتضاح الرؤية بالنسبة لمصر بأن الروس والسوريين ماضون في خياراتهم، وليس ناتجاً عن "إستراتيجيةٍ مصرية" يمكن البناء عليها. كذلك الأمر لا يبدو أن هناك عوامل ومتغيراتٍ ستساعد على تحقيقِ خرقٍ ما؛ إذ لايمكن لاجتماعٍ يبدأ بكلام البيت الأبيض عن "عدم التفاؤل بالنتائج"، أو نكتة التحذير من نية الجيش السوري "احتلال حلب" البناء عليه! حتى الورقة التي قدمها المبعوث الأميركي إلى سورية "دي ميستورا" ـ والذي نصر أنه لم يعد مبعوثاً أممياً – تدعم هذه الفرضية؛ من قرأ الورقة التي قدمها "دي ميستورا" لربما كان سيتمنى لو مرَّ مشروع القرار الفرنسي، فكلاهما وجهان لعملةٍ واحدة، وهدفهما واحد ويؤديان لتساؤلٍ أساسي:
لماذا هذه الاستماتة الغربية على ما يسمونه "حلب الشرقية" والتي جعلتها تحرق كل أوراقها؟ استماتةٌ تذكرنا بالمثل القائل: يكاد المريب أن يقول خذوني.

ثم ما الضمانات التي تستطيع الأطراف المقابلة تقديمها عن التزام المسلحين وتحديداً "جبهة النصرة"؟ وكيف لهم المطالبة بالمحافظة على "الإدارة الذاتية" إذا كانت هذه الإدارة أساساً بمعظمها تُدار من "النصرة" التي من المفترض أنها ستُغادر، مع العلم أن الأطراف ذاتها رفضت دعوة "دي ميستورا" لهم لمرافقتهم إلى خارج حلب؟ لكن ماذا ينتظرنا؟

 

"لوزان" عبارة عن مؤتمرٍ أخذَ أكبر من حجمه، فلا هو حدٌّ فاصل بين حربٍ عالميةٍ أو سلامٍ دولي، ولا هو عصا الخلاص للأبرياء في هذا العالم، والسبب واضحٌ: كل الاتفاقات السابقة لم يستطع أحد أن يُلزم الولايات المتحدة الالتزام بها، فهل هطلت على البيت الأبيض أمطار التعقُّل مؤخراً؟ في الحقيقة لا، تحديداً إن الكلام عن تسليح ما يسمونه المعارضة المعتدلة سيستمر بغض النظر عن نتائج الاجتماع وتطبيقها، ففصل الخلاص للشعب السوري لن تكتبه دواة الحبر في اجتماعاتٍ مكررةٍ ومقرراتٍ لا يلتزم بها الكبير قبل الصغير بذريعةِ "قانونهم الدولي"، فصل الخلاص لن يكتبه إلا شجعان هذا العصر.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40289