وجهات نظر

بين همرشولد، وبان كي مون- هَزُلَتْ!!!

د. بسام أبو عبد الله


الإعلام تايم - الوطن السورية

 

كلنا يعرف أن منصب الأمين العام للأمم المتحدة هو منصب رفيع دولياً، ويفترض به أن يكون مؤتمناً على ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئه السامية، وأن يتمتع بالحيادية، والشجاعة، وقوة الشخصية، ولكن عصر الأحادية القطبية أنتج لنا شخصية هزيلة- سخيفة، وضعيفة مثل الأمين العام الحالي "بان كي مون" ليس لأنه انتقد الدولة السورية، بل لأنه تحول إلى طرف داعم للإرهاب، وساكت عن ممارساته إذ تلفظ بعبارات مثل إن "حلب هي أسوأ من المسلخ بكثير- حتى المسلخ أكثر إنسانية" على حد زعمه، ونسي أن موفده الخاص إلى سورية ستافان دي ميستورا كان قد تحدث عن أربعة آلاف إرهابي من جبهة النصرة في حلب، ليَعدِّلَ رقمه لاحقاً ويكتفي بتسعمئة إرهابي!!! ثم عاد "بان كي مون" ليهاجم الرئيس بشار الأسد شخصياً خارج إطار اللباقة الدبلوماسية، ودوره كأمين عام للأمم المتحدة في مخالفة أيضاً لقرارات أممية، وكأننا أمام موظف سعودي في البلاط الملكي، أو شخص لا يتمتع بأدنى درجات الحكمة، والمسؤولية مثل "عادل الجبير- أو حمد بن جاسم"…

 

بغض النظر عن تفنيد ما قاله "بان كي مون" الذي تولت الرد عليه وزارة الخارجية السورية بقوة، وحزم، فإن مقالي سوف يتناول قضية مهمة أننا فعلاً في عصر يمكن القول به إنه "هَزُلَتْ" ذلك أني استعراضاً لسيرة الأمناء العامين السابقين للأمم المتحدة توصلك إلى موقفٍ يُذكر بكل منهم في تاريخ المنظمة، والعلاقات الدولية، مع إدراكنا أن تعيين الأمين العام يخضع لإرادة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ولتوازنات المصالح بينها، وأحياناً لارتباطاته الشخصية بتاريخ معين، أو دور معين، أو رضا أوساط كثيرة عنه، ومع كل ذلك فإنك عندما تعود للسيرة الذاتية لكل هؤلاء تجد أن هناك شيئاً ما تذكره به، أو موقفاً سياسياً مشهوداً له، باستثناء "بان كي مون" الذي وصفته مجلة "الايكونوميست" البريطانية بأنه الأكثر سوءاً بين كل الأمناء العامين للأمم المتحدة في مقال نشر في 21/5/2016 تحت عنوان: "رُبانٌ، أم ربة منزل، أم فأر!!" وقالت إنه: "باهت، متبلد الإحساس، وبليد"، كما يفتقد للتلقائية، والعمق، وخلال سنواته التسع كأمين عام للأمم المتحدة كان لديه ميل واضح للبطء، وهو ضعيف، ولا يمتلك الحد الأدنى من صفات المقام، والموقع.

 

وتسرد "الايكونوميست" بأن الجهاز الإداري في الأمم المتحدة تعثر كثيراً في عهده، حتى اضطر الأمر بـ"أنطوني بان بيري" وهو مسؤول أممي أمريكي خدم فترة طويلة في المنظمة "أن يبق البحصة" في حديث له في النيويورك تايمز عندما تحدث عن المصيبة التي تعيشها الأمم المتحدة التي أوصلته على حد قوله لمرحلة "القرف- والاشمئزاز" حيث أشار لسوء الإدارة الكبير في موازنات حفظ السلام، وبعثات أخرى، والتي كانت توضع بإهمال، وبإشراف ضعيف، كما انتقد بشدة نظام التوظيف المعقد- والمتصلب في الأمم المتحدة إذ قال: إن تعيين شخص واحد يحتاج إلى 213 يوماً على الأقل..

 

حديث "أنطوني بان بيري" حول قرفه مما يجري في الأمم المتحدة ازداد في عهد "بان كي مون" الذي أظهر هزالته، عندما سحب التقرير الخاص بالسعودية حول جرائمها ضد أطفال اليمن مثل الفأر- حسب وصف الايكونوميست، وبلع الأمر بالرغم من أنه كان بإمكانه أن يفعلها باعتبار أنه راحلٌ من منصبه بعد فترة، ولكن "بان كي مون" بشخصيته الضعيفة والمنصاعة، والخاضعة لنائبه الأميركي "جيفري فيلتمان" لم يتجرأ إلا أن يُنفذ التعليمات بالحرف الواحد، ويسجل وصمة عار في جبين منظمة الأمم المتحدة.

لو عدنا مثلاً إلى سيرة "كوفي أنان" الأمين العام السابع للأمم المتحدة 1997- 2006، والذي يقال إن زواجه من يهودية ساعده كثيراً في مسيرته المهنية للوصول إلى هذا المنصب الرفيع، إضافة إلى تبني مؤسسة فورد له في دراسته الجامعية- بغض النظر عن كل هذه الخلفية فإننا نتذكر أنه امتلك الجرأة الأدبية، والأخلاقية ليقول إن "غزو العراق غير شرعي- وإن هذه الحرب ليست حرب الأمم المتحدة"، وهي العبارة التي لم تغفرها له إدارة جورج بوش الابن، ويقول "أنان" في مذكراته التي صدرت بعنوان: "التدخلات: حياة في الحرب، والسلام": "اتخذت الأمم المتحدة الموقف المستقل الذي يتسق مع مبادئها الأساسية، وقد لا يكون لها أهمية كبيرة بالنسبة للعالم ولشعب العراق في الشهور، والسنوات القادمة، ولكن الوضع كان سيصبح أسوأ بكثير لو كانت هذه الحرب قد شُنت على أساس افتراضات كاذبة مصدق عليها من الأمم المتحدة".

 

موقف "أنان" هذا جعل الأمريكان ينبشون له قصة ابنه "كوجو" الذي تبين أنه يتقاضى راتباً من شركة "كوتكنا" حتى عام 2004، برغم توقفه عن العمل فيها منذ عام 1998، وهي إحدى الشركات "من أصل ألفي شركة" مشتركة في برنامج "النفط مقابل الغذاء" الشهير في العراق، كما كلفه ذلك هجوماً شرساً من الإعلام الأميركي، حتى أخبره عضو في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي اسمه "ليس جيلب" أن موقف إدارة بوش- هو التالي: "هم لن يدفعوك، ولو وقعت فلن يتلقفوك!!!" ليتدخل لاحقاً بيل كلينتون مع بوش الابن- ويسأله: "لا أظنك تريد دم كوفي أنان على يديك" فقال له بوش: "إن اليمينيين من حزبي يريدون تدمير الأمم المتحدة- أما أنا فلا!!!"، ثم أرسل جورج بوش المتطرف جون بولتون مندوباً للأمم المتحدة لينغص على أنان آخر سنواته.

 

وحتى في المسألة السورية فإن "أنان" امتلك جرأة أخلاقية أكثر من "الأخضر الإبراهيمي" مثلاً، حينما قال بعد فشل مهمته "لا يمكن لوسيط أن ينجح إذا كان يريد السلام، أكثر مما يريده من أرسلوه في مهمته"- في غمز من قناة إن من أفشله ليس الدولة السورية- إنما الأطراف الدولية التي عينته لهذه المهمة.
أما في ذاكرة الأمم المتحدة فإننا كجيل نتذكر "كورت فالدهايم" النمساوي الذي شغل منصب الأمين العام بين (1972- 1981)، وكان مشهوداً له بدعمه للقضية الفلسطينية ولقضايا الشعوب العادلة حتى وصل الأمر باللوبي الصهيوني بأن اتهمه بأنه كان ضابطاً في الجيش النازي أثناء الحرب العالمية الثانية.

بطرس بطرس غالي نموذج آخر (1992- 1996)، وكان أول ممثل للقارة الإفريقية، وأول عربي، وبالرغم من معرفتنا أنه كان مهندس كامب ديفيد، والوحيد الذي قبل بالذهاب إلى إسرائيل مع السادات، لكن يُسجل له مثلاً نشره لتقرير مجزرة قانا بالرغم من التحذيرات الأميركية الشديدة، ما كلفه عدم التجديد له فترة ثانية بسبب الفيتو الأميركي.

أما الشخصية الأشهر التي تُذكر في تاريخ الأمم المتحدة فهو السويدي "داغ همرشولد" الذي كان ثاني أمين عام للأمم المتحدة (1953- 1961) وجاء بعد النرويجي "تريغفي لي".

همرشولد قُتل في حادثة سقوط طائرته في 18/9/1961 حيث كان في مهمة سلام في الكونغو للتوسط بين حكومة الكونغو المدعومة من الاتحاد السوفياتي آنذاك، ومويس تشومبي الذي أعلن انفصال إقليم كاتانغا الغني بالمعادن- وذلك بدعم من بلجيكا، وشركات غربية ذات مصالح في تلك المنطقة، ويبدو أن "همرشولد" دفع ثمن مواقفه القوية في أكثر من مناسبة، ومنها موقفه الشهير خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حينما قال في الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن "وهي العبارات التي كان يفترض بـ"بان كي مون" أن يحفظها عن ظهر قلب- قبل دخوله مكتبه" التالي: "إن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أهم بكثير من الأهداف السياسية لأي دولة، وإن هذه المبادئ هي مرجعي الأول، والأخير فيما يحق لي أن أفعله، وليس بإمكان الأمين العام القيام بعمله إلا إذا حافظت كل دولة من الدول الأعضاء على شرف تعهدها باحترام ميثاق الأمم المتحدة…" ليتابع كلامه بالقول: "إن معنى ما قلته واضح للجميع دون حاجة للإسهاب، أو التفصيل، أما إذا كان للدول الأعضاء وجهة نظر أخرى في واجبات الأمين العام فمن حق هذه الدول- كما أن من حق الأمين العام أن يتصرفوا تصرفاً آخر…".

وكان همرشولد يهدد بذلك بالاستقالة… ولهذا فإن الوثائق المكتشفة حديثاً تشير إلى أن "همرشولد" اغتيل اغتيالاً عبر إسقاط طائرته لعدم الرضا عن أخلاقياته وسلوكه الواضح.


ما أود قوله إن منظمة كالأمم المتحدة: أمينها العام شخص هزيل- متبلد الإحساس، بلا أخلاق، وتابع مثل "بان كي مون" وتترأس إسرائيل فيها لجنة القانون الدولي- وهي التي لم تحترم منذ إنشائها أي قرار أممي، والسعودية تقرر في مجلس حقوق الإنسان- وهي التي لا وجود لحقوق الإنسان في قاموسها الوهابي، وقطر تتزعم فيها قضايا التراث والثقافة… أعتقد أننا يمكن أن نقول فعلاً أنها "هَزُلَت"… وأن ندعم عودة التوازن الدولي الذي يمكن أن يُنتج واقعاً أفضل بالرغم من أن الايكونوميست البريطانية محقة عندما تقول: "إن العالم يحتاج إلى أمين عام ذكي- وقوي يدير الأمم المتحدة" لكن ذلك هو الحالة المثالية، ومن المحزن أنه على الأغلب فإن ذلك لن يحدث- حسب رأيها، وإن كُنا نرى أن انتهاء منتجات عصر الأحادية القطبية قد يُعيد بعض البريق لهذه المنظمة الأممية التي سَوَدَ وجهها "بان كي مون" سَوَدَ الله وجهه.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40203