وجهات نظر

باختصار: نداء إلى أهل الأرض

زهير ماجد


الاعلام تايم_الوطن العمانية


شامخة قلعة حلب، متحدية كعادتها، قوية الحضور رغم همجية الإرهاب الذي لا يريد لها أثراً. ما نقتله المحطات من صور للقلعة زاد من تخوفي عليها .. هؤلاء الأوباش من الإرهابيين لا يعنيهم التاريخ لأنهم ولدوا البارحة وشقوا طريقهم إلى الحياة اليوم، فهم بالتالي صنعوا من غبار الصحراء إلى حين تلاشيه .


سأظل أذكرها تلك القلعة التي لا شبيه لها في العالم، ربما، فهي بالتالي من أصل المدينة، بل هي حلب الأولى، تكوين فريد للإنسان الذي عاش طوال عمره وما زال يبحث عن الأمان والطمأنينة. عندما دخلتها مرات وجلت في أرجائها، تعرفت إلى حلب أكثر، لا بد أن العقل الذي بناها هو الذي تمدد خارجها مع الزمان، فإذا قربها تماما يبدأ أطول سوق مغطى في العالم طوله 16 كيلومترا، وفيه كل ما يحلو للشاري أو لمن يبحث عن عبق عميق التجذر في تربة الأرض .


لكنها الحرب، وليست أي حرب، صراع برابرة ضد المدنية والحضارة والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد والشرف والإنسانية و… قتل للروح المتجسدة في طهارة إنسان يسعى لعيش هادئ وكريم. إنها باختصار لعبة الصهيوني في إفناء كل ما هو طيب وإنساني .. لا شك أننا مع التغيير حين يكون مطابقا لمواصفات تجديدية، إنما أن يقتلعنا بربري حتى لباسه يدل عليه، ووجهه الذي يعيش تحت كل شعرة فيه ألف حقد وهيام بالقتل والذبح والانتقام .


قلعة حلب رسولة عاشقة للعالم كانت، وينبغي بهذا العالم أن يهب للدفاع عنها، أن يمنع الأيدي الآثمة من الوصول إليها، أن يحميها من هذا السوء الذي رماها في أحد الأيام ببعض القذائف، وإذا ما وصلها فلن يبقي منها حجرا على حجر. فمن هنا أوجه نداء إلى أبناء الأرض بأن أجمل مكان عليها قد تهرسه أقدام المغول الجدد، وقد لا يبقى منها شاهد، فهؤلاء مغرمون بقتل التاريخ، وأكل أحجاره .


العالم يهتم بالتراث الذي لا يتكرر أو يصعب تكراره، هنالك في مكان جميل من الكرة الأرضية قلعة شامخة تتحدث عن نفسها وعن علاقتها ليس بالمكان فقط بل بعمر الأرض ودورة تاريخها، تتحصن لرد الغزاة الجدد الذين كعادة أسلافهم يقتلون الإنسان والحجر، ويدمرون كل نضارة إنسانية، فأغيثوها إن استطعتم .


أذكر أني مرة من مرات زيارتي إليها جلست في أحد المقاهي القريبة منها، كانت الشمس تتسلل بين أطلالها الغنية، انتابني شعور الخائف على الجمال، بعض البشر يكرهون تلك الهبة الإلهية التي اسمها الجمال، وحين ودعت المكان، وذهبت إلى المسجد الأموي القريب منها وهو الذي تعرض أيضا لأبشع عملية تخريب أدت إلى إسقاط الأثر المدل على تاريخيته، كانت القلعة ما زالت كالأم الحنون تحتضن المدينة من كل أطرافها رغم أنها في أعلى مرتفع منها .


معركة حلب هي أُم المعارك المصيرية في الحرب على سورية، كل طرف في تلك الحرب له مآلاته الخاصة، لكن الذي يفترض الاتفاق عليه هو قلعتها الشامخة التي تخص الإنسانية كلها، وتخص شعوب تلك الأطراف التي تدعي الوفاء للإنسان فإذا بها تدع قاتليه .

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40039