وجهات نظر

قرع أميركي متأخر لطبول حرب؟

محمد بلوط


الإعلام تايم - السفير

 

اجتماع مجلس الأمن القومي الأميركي يصل متأخراً إلى حلب وسورية لأحداث أي تغيير كاسر للتوازن، بعد استكمال الروس نشر نظام "اس 300" المضادة للصواريخ البعيدة المدى وحماية الطيران السوري وخطوط الهجوم الأولى في حلب أو المطارات السورية من أي ضربات أميركية محتملة. الرسالة الروسية يمكن قراءتها أيضاً بأن أي حظر جوي أو منطقة آمنة أميركية أو تركية في سورية، أمر ساقط..

 

الكفة العسكرية والميدانية باتت تميل لمصلحة التحالف الروسي السوري. الخارجية الأميركية أعلنت "أنها تدرس اتخاذ إجراءات عسكرية ودبلوماسية، بما فيها اجراءات أحادية الجانب ضد سورية". صقور "البنتاغون" ووكالات الاستخبارات يجتمعون أيضاً في البيت الأبيض، للبحث في الخيارات العسكرية والاقتصادية والسياسية في سورية. كائناً ما كانت هذه الخيارات الا أن القطار قد فات الأميركيين، لإحداث تغييرات جوهرية في مسيرة العمليات الروسية السورية، وكيفما اتجهت خيارات المجتمعين في البيت الأبيض، الا أنها تقود جميعاً الى إشعال حرب واسعة مع الروس في سورية، خصوصاً أن القواعد الروسية بدأت تستقبل المزيد من الطائرات المقاتلة، فيما تقترب حاملة الطائرات الأميرال "كوزنتسوف" من السواحل السورية، وتزداد الحشود البرية الروسية في حميميم، وكويرس، وتدمر، والسفيرة في ريف حلب الشرقي تمهيداً لعملية أخرى نحو مدينة الباب.

 

المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست اعتبر في رد له على سؤال حول ما إذا كان اعتبار خيار توجيه ضربات أميركية ضد الجيش السوري يشكل حلاً، "هناك مخاطرة مرتبطة بضربة كهذه. وهذه هي مخاطـرة... وأن القـوات المســلحة الأميركية والروسية ستكون أقرب إلى المواجهة، وهذا ليس في مصلحة أي من الطرفين".

 

المجتمعون في البيت الأبيض يحتفظون مع ذلك بهامشين: هامش للتراجع أولاً وكسب الوقت بتحريك مهمة الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي لعب هذا الدور منذ عامين، وإلهاء الروس بهدنة ومفاوضات فاشلة مسبقة، لأن تمثيل "المعارضة" لا يزال بيد السعودية و "الائتلافيين"، ولأن الروس والدولة السورية لن يقبلا بحل لا يأخذ بالاعتبار التغييرات الجوهرية التي طرأت على ميزان القوى، والذي لا يمكن أن تبنى أي تسوية إلا وفق قوانينه، وليس وفق رغبات القوى الإقليمية التي تنحدر تدريجياً نحو هزيمتها.

 

وهامش آخر ممكن للمشاغبة بفرض عقوبات إضافية على سورية، كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست، فضلاً عن خيار رفع وتيرة ونوعية الأسلحة الصاروخية المدفعية أو المضادة للطائرات، وهي قد لا تغير شيئاً في المدى المنظور، خصوصاً في حلب التي فات الأوان، بعد حصارها، لمنع اسقاطها بيد الجيش السوري والروس. المبادرة تسترضي مع ذلك، الموتورين في "البنتاغون" والاستخبارات ممن أسقط في أيديهم بعد فقدان السيطرة نسبياً على قلب الساحة السورية، وعلى خطوط الإمداد نحو المجموعات المسلحة في حلب، وتراجع القدرة على توجيه أي ضربة عسكرية للجيش السوري. التلويح باجتماع حاسم يفترض الرد على التحدي الروسي بإسقاط حلب وكسر الإرادة الأميركية في الشمال السوري، لن يكون له أي أثر على مجرى العمليات في حلب.

 

وإذا كان الهدف نجدة المجموعات المحاصرة في حلب، فالطيران الروسي، الذي لن يفكر الأميركيون في مواجهته، هو من ينفذ عمليات الإسناد الجوي والقصف بالقنابل الارتجاجية، وليس الجيش السوري الذي لا يزال يقوم ببعض المناوشات على محاور حلب ويستكمل دفع المسلحين من تخوم المدينة والمناطق الريفية المفتوحة لخطوط دفاعها الأخيرة، إلى داخل الأحياء السكنية، التي يعمل على تقسيمها الى مربعات، وعزلها عن بعضها البعض قبل اطلاق عملية برية واسعة، على محاور عدة لاختراقها. كما أن خدعة الإغارة خطآ على مواقع الجيش السوري كما في دير الزور، لا يمكن استخدامها مرتين، من دون المخاطرة بمواجهة كبيرة مع الروس في سورية.

 

"الصقور" في مجلس الأمن القومي يجتمعون من دون أن يكون الإجماع الأميركي نفسه قد تحقق حول أي خطوة عسكرية تحديداً في سورية، خصوصاً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يبدو مستعداً للذهاب في مغامرة غير محسوبة ضد الروس في سورية، وهو ما قاله وزير الخارجية جون كيري وكرره على الدوام أن سياسة الإدارة الحالية لا تتضمن إرسال أي قوات برية الى سورية أو أي خيار عسكري.

 

الحرب الأميركية الروسية في سورية بدأت باستعراض صاروخي لتجنب الذهاب الى صدام حقيقي، الاجتماع الأمني الأميركي يبدو منتهياً قبل أن يبدأ، حيث تتدفق الى سورية منظومات الدفاع الجوي الروسي . فبعد الـ "اس 400" في حميميم الذي يحمي الساحل والقاعدة الجوية في مدى 300 كلم، والـ "اس 200" في مطار كويرس في ريف حلب الشرقي، ومطار خلخلة في السويداء، يستكمل الروس إغلاق السماء السورية بوجه أي مبادرة أميركية لفرض حظر جوي على السوريين، وتحدي الأميركيين في سورية في المطلب الأميركي بمنع الطيران السوري من التحليق في أجوائه، فيما كانت سموات البر الشامي تنفتح لأسراب من كل فج عميق، أميركية وتركية وخليجية بحجة مواجهة "داعش". الأنظمة الجديدة تنضم إلى بطاريتين من الـ "إس 300 " و192 صاروخاً يبلغ مداها 300 كلم.


الاس "300 في4" النسخة الأحدث من الصواريخ الروسية والمخصصة تفترض إمكانيات حصول مواجهة مع الصواريخ العابرة للقارات، من "كروز" و "توما هوك" نزلت قبل أيام في قاعدة طرطوس الروسية. الصواريخ الروسية تتمتع بنظام تحكم ورادار يبلغ مداه 200 كلم قادرة على ملاحقة الصواريخ، قبل الطائرات حتى 150 كيلومتراً. الجيش الروسي كان قد تعاقد العام الماضي على شراء 4 فرق منها. ومتأخرة أيضاً الأجواء التي ينشرها صقور الإدارة الأميركية، لتتشابه مع أجواء آب العام 2013، واعتبار حصار حلب مدخلاً مشابهاً لأزمة الكيماوي، وحجة للاعتداء على سورية. السماء السورية شبه مقفلة بقرار روسي سوري.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=39944