الإعلام تايم - الوطن
في الإطار العام فإنه في مثل حالات التوتر الواقعة حالياً على الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، والتي أَشعلها الكيان الصهيوني بدعمهِ المباشر للجماعات الإرهابية ومن بينها "جبهة النصرة"، فإن الدلائل على تحقيقِ نقاطٍ لطرفٍ على آخر تكون أشبهَ بورقةٍ قويةٍ بيدِ من يمتلكها، لا يمكن له التفريط بها بسهولة. في هذا السياق لنتذكر المفاوضات التي جرت بين الكيان الصهيوني و"حزب اللـه" لتبادل الأسرى بعد عدوان تموز 2006، هل أفصحَ الحزب طوال فترةِ المفاوضات عن مصير الجنود الصهاينة؟ هو فاوضَ وحرَّر كل من تبقى له من أسرى، من دون أن يعرف الطرف الآخر هل إن جنوده أحياءٌ أم قتلى؟
قبل أمس، وجدت واشنطن طريقاً جديداً للهروب من التزاماتها، فأُلغيَت جلسة لمجلس الأمن التي كان من المقرر أن تعطي الصبغة الأممية ولو من باب الاطِّلاع لما سمي الاتفاق (الروسي- الأميركي). لا أحد يستطيع أن يدعَم ما لا يعلم، وواشنطن لا تريد لأحد أن يعلم، إذاً لماذا هذا الإصرار الأميركي على التكتم، وبمعنى آخر: لماذا لا يقوم الروس بنشر بنود الاتفاق بدلاً من تكرار الدعوة لواشنطن لنشره؟
أما لماذا لا يريد الأميركيون نشر بنود الاتفاق؟ بعيداً عن مراوغتهم وتذرعهم بالأمور الأمنية تارةً وضمان وصول المساعدات تارةً أخرى، فإن القراءة العادية قد تقودنا لفرضياتٍ عدة منها: إن نشرَ بنود الاتفاق سيُظهر للعالم أن الأميركيين لا يلتزمون بوعودهم، وسيكشف حقيقة من يدعم الإرهاب، وإن الأميركي لا يستطيع أن يمارس نفوذه على كامل الجماعات الإرهابية والدول الداعمة لها. هذا الأمر أثبتته الوقائع الحالية، تحديداً أن "النصرة" الآن في أحياء حلب الشرقية تشترط أن تستلم المساعدات لضمان دخولها، بل هناك اقتتالٌ حصل في بعض المناطق كـ"بستان القصر" بين المسلحين حول أحقية توزيع المساعدات، فلماذا لم تتدخل واشنطن لحله؟
لكن من باب المنطق، متى كانت الولايات المتحدة تهتم لهذه الأمور وتعير اهتماماً لما يقوله الآخرون عنها أو يتهمونها به؟ ألم تدافع علناً عن "النصرة" وهي فرع تنظيم القاعدة في سورية، بل أيضاً طالبت بالحوار معها، إذاً ما الذي يريده الأميركي؟
القضية واضحةٌ، وهي الرغبة الأميركية في المزيد من الاستثمار في الإرهاب والفوضى لا أكثر، وإعادة تشكيل المنطقة حسب مفهومهم يتطلب المزيد من الفوضى التي لن تتوقف، لا بالهدنة في سورية ولا بالاتفاقات ولا بأي شيءٍ آخر، حتى الصعوبات التي يرى البعض أنها تواجهها نتيجة عدم القدرة على الفصل بين التنظيمات الإرهابية والمعارضة المعتدلة هو كلامٌ ليس واقعياً، لأن الولايات المتحدة أساساً لا تملك إرادة الفصل، وهي عندما أرادت ذلك لم توفر حتى "آل سعود" من إشهار سلاح الملاحقة القضائية وجعلهم يعوضون ضحايا اعتداء أيلول 2001. أكثر من ذلك، إن التقديرات المالية لحجم التعويضات المطلوبة ستعني أن "آل سعود" سيدفعون حتى ثمن المياه التي استخدمها عمال النظافة في تنظيف الشوارع بعد الاعتداء، لكن يا تُرى كم من المياه سيحتاجون ليمسحوا الدماء عن أنياب من يدعم الإرهاب ومن يغطيه، ربما الكثير. أما وعود "أوباما" المجانية بمنع استصدار القانون عبر "الفيتو الرئاسي"، فقابلها كلامٌ واضح بأن الكونغرس سيضمن الأغلبية التي ستعطل الفيتو الرئاسي، لكن ماذا ينتظرنا؟
في الإطار العام فإن التزام الجانبين السوري والروسي ببنود الاتفاق وضعَ الأميركي في زاويةٍ أكثر ضيقاً، لكنه للأسف يجيد اللعب حتى في المساحات الضيقة، ولو بالانقلاب كاملاً على بنود الاتفاق، وهو ما سيحدث تحت أي ذريعة، والسعي للفوضى الكاملة في الإقليم لا يزال مستمراً، أي إننا مازلنا في مواجهة تلك الأنياب، لكننا لن نكون ضحية لها، ومن يظن أننا ساذجون لدرجة الثقة بأن الأميركي صادقٌ هو ذاته من يظن بأننا ساذجون لدرجة التفكير بأن تدخل الكيان في دعم إرهابيي الجنوب منفصلٌ عن الرغبة الأميركية في وأد الاتفاق في مهده… ربما هي مسألة أيام لا أكثر. |
||||||||
|