وجهات نظر

في انتظار القرض...

وائل عبد الفتاح


الإعلام تايم - السفير

أفكارنا البلهاء تسقط.. وبلاهة العالم تزداد توحشاً.
هذا ما تقوله مشاهد قمة العشرين. كلام عن "أيديولوجية خلاص" اسمها التجارة الحرة، بينما ثمة دول لم تعد تصلح أسواقاً ولا هي دول من الأساس.
مؤسسات الكلاسيكية الرأسمالية (على رأسها صندوق النقد الدولي) تحاول إنقاذ دول توشك على الانهيار (الاقتصادي...) وعلى رأسها مصر، لتستمر صلاحيتها كأسواق... ولكي تعيش وتستمر "التجارة الحرة" أيديولوجية الخلاص في عصر "النيوليبرالية".
ومن قبل، حاولت ايديولوجيات الخلاص التي قدمتها الستالينية في الخمسينيات، إنقاذ دولها بتحويلها إلى كبسولات أو فقاعات كان من السهل أن تنفجر قبل بداية تسعينيات القرن الماضي.
أوباما يطالب باقتصاد "أكثر عدلا.." و "اتساع التجارة الحرة"، والرئيس الصيني شي جينبينغ يحدد أكثر: "نريد سوقاً مفتوحة.." فالاقتصاد العالمي يمر بمنعطف آخر.. وهو يضمر بأن هناك تحولاً لا بد أن يحدث ليعترف العالم بالعملاق الصيني، بعد سنوات من التعامل معه على أنه خطر يهدد المستقبل. لم تعد الصين مجرد تهديد عابر، لكنها الآن تستعد لشراكة (لم تكن وراثة في نظر بعض المتطرفين) مع موقع الولايات المتحدة العملاق الحالي، الذي يريد مزيداً من السيطرة بينما العملاق الذي ظل خفياً (الصين) يسعى إلى إزالة الحواجز.. ليعاد تقسيم مناطق النفوذ على قواعد جديدة..
إنه العالم كما ترسمه "التجارة الحرة".
ـ 2 ـ
مصر في هذا العالم كانت ضيف "قمة العشرين".
الصين (الدولة المضيفة)، وجهت إلى مصر الدعوة مع "تشاد والسنغال" في اشارة الى ان "أفريقيا.." ستكون محور "الهجوم الصيني" في مرحلة ما بعد تفتت "الشرق الأوسط..".
رئيس مصر السيسي، بعد سنتين من حكمه، أمام أزمة اقتصادية، تهدد استقراره كنظام إحياء "دولة.." أو "شبه دولة" على حد تعبيره.
السيسي يجني ثمار الإعجاب المفرط بمسار بوتين، الذي جمع اقتصاد روسيا تحت قبضة أجهزته وتايكونات مالية، استطاعات أن تمنحه "قوة اقتصادية" مكّنته من استعادة نفوذ سياسي تائه.
السيسي نسخ تجربة بوتين، ووضع النسبة الكبيرة من اقتصاد مصر تحت تصرف المؤسسة العسكرية والمرتبطين بنشاطها في المجالات المدنية، لكن النتيجة لم تكن في القاهرة طبق الأصل الروسي.
بل إن قمة العشرين شهدت انتقال مصر (واقعياً) إلى قائمة دول تحتاج مساعدة العالم، لتستمر في موقعها سوقاً، لا دولة تبحث عن "طريق للتنمية.."، هكذا تتصارع المؤسسات الحاكمة في مصر على احتكار "استيراد السلع" بينما تنهار الصناعات الاستراتيجية بتسارع مرعب.

كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي، الفرنسية، وجهت نداء لمساعدة مصر في تحصيل " مليارات دولار" هي شرط الصندوق لاستكمال القرض، الذي تقدمه طبول البروباغندا على أنه "حبل الإنقاذ.." و "علامة الثقة..".
لاغارد المولودة في سنة العدوان الثلاثي، هي "رسولة" الرأسمالية العالمية في عملية "الإنقاذ" تقول:".. حقيقة أن مصر توصلت الآن إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي هي دلالة على أن الصندوق يأخذ إعادة هيكلة اقتصاد مصر وأهدافها الاقتصادية بجدية، ومن المنتظر أن يشجع ذلك دولا مجاورة صديقة أو شركاء ثنائيين آخرين للمشاركة فعليا في التمويل".
وأضافت لاغارد: "يرجح أن يشمل ذلك دولا شرق أوسطية وخليجية داعمة لمصر تاريخياً، إلا أنه قد يتضمن أيضاً دولاً أخرى مستعدة للمشاركة في مساعدة مصر لاستغلال إمكاناتها الاقتصادية الكبيرة"..
أي أن مستقبل مصر، ومن وجهة نظر الطيبين لا الأشرار، رهن "استغلال" إمكاناتها من قبل "مؤسسات العالم.." ...وهو ما يكشف عن الوضع الذي وصلت إليه دولة أكلتها شهوة التسلط..
ـ 3 ـ
تنشغل "السوشيال ميديا" بالتفاصيل المثيرة لعلاقات الرؤساء في "الاستعراض العالمي".. كيف صافح بوتين أردوغان؟ وكيف نظر إليهما السيسي؟ هل تلكأ أوباما في مصافحة السيسي؟ وكيف عبّر حضور رئيس وزراء الهند عن مكانة بلاده الهاربة من الفقر مقارنة بمصر التي كانت في وضع أقوى اقتصاديا في زمن "عدم الانحياز"؟ في مثل هذه المناسبات تترتب المواقع والعلاقات وإيقاعات "العولمة"... إنه استعراض المسار الواحد/ الأحادي/ حيث "المركز" عشرون دولة بعدما كان ثمانياً، والعالم يتسابق ليلتحق بها...
أما محنة بقعة كالتي تعيش فيها، فتتحول كسابقاتها في أفريقيا إلى "مدفن نفايات.." الناجي منها غير معروف...


ونسأل: ماذا سيتبقى منا بعد المحنة؟
هي أكبر من محنة. والروشتات كلها لا يمكن أن تمنح طريقاً لإعادة البناء، لأننا في مرحلة اكتشاف ما جنته علينا مرحلة السلطوية الوطنية؟
الاكتشاف صعب ومرارته لن تذهب سريعاً. فالملايين من الضحايا لم يشبع بعد القتلة المحترفين باسم ما يسمونه "أهدافاً نبيلة" أو "مشاريع خلاص.." أو "عمليات إنقاذ"!
المجرمون يتصورون أنفسهم أبطالاً.. برغم أنهم قادوا دولهم إلى ذلك "الفشل" الرهيب الذي جعلهم يذهبون سريعاً إلى "المطاحن" التي هربوا منها أو عاشوا سنوات كفاح للهروب منها.. وها هم يعودون إليها بعدما تحولت إلى "استعراض" لا يخلو من إثارة..

وكما يقال في هذه المناسبات ربما تكون "الرأسمالية في أزمة... لكن وحوشها المجنّحة قادرون على الاستفادة من الأزمات...".
لكن غالباً "الأزمة الحالية ليست مثل سابقتها.." لا على الوحوش ولا على ضحاياها الذي يسيرون في مؤخرة طابور الاستعراض، يتسوّلون نظرة أو نداء عطف.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=39129