وجهات نظر

عكاز الإرهاب الأميركي بطبعته التركية

علي قاسم


الإعلام تايم- الثورة


يمسح الانتهاك التركي- مهما تكن ذرائعه أو درجة الخداع فيه- كل ما انسكب من حبر في الكتابة عن تغيير أو تعديل مقاربة علاقة النظام التركي بالإرهاب، وتُمثل في الحد الأدنى عودة إلى الخندق ذاته، الذي تتمترس فيه انطلاقاً من الإرث ومن العقل العدواني الذي استثمر في الإرهاب،ويميط اللثام عن العلاقة المتأصلة التي تربطه بالتنظيمات الإرهابية، بل وتوثق بالأدلة والقرائن كل ما نفاه سابقاً وما قد يقدم عليه لاحقاً، حتى لو كان العنوان مكافحة "داعش"..!!‏

 

فمحاربة التنظيم الإرهابي لا يمكن أن تكون بدعم تنظيم إرهابي آخر، ولا يمكن أن تكون بالاستعانة بجملة من التنظيمات التي اشتقت وجودها وحضورها من الرحم ذاته، والموقع نفسه والمشهد عينه، حيث إن ما ارتكبته تلك التنظيمات من جرائم إرهابية وحشية موثقة يضاهي ما يفعله "داعش" ذاته، وربما تفوقت عليه في بعض المراحل، فكانت السبّاقة إلى ابتداع تلك الجرائم الوحشية التي يقدم عليها "داعش" تقليداً لما سبقه أو اعتماداً على إرث الإرهاب الإجرامي الذي خلفته تلك التنظيمات الإرهابية، وهي تتوارى تحت شعارات “فانتازيا الاعتدال” الأميركية الشهيرة.‏

 

الأدهى.. أن أنقرة لم تكن في حرج، وهي تدفع بحشود الإرهابيين من داخل أراضيها، بعد أن عملت على تحشيدهم بالسلاح والتمهيد لهم بقصفها المدفعي المسبق، وصولاً إلى الشراكة الكاملة معهم بممارسة عدوان موصوف على الأراضي السورية وتحت أعين الجميع بمن فيهم التحالفات الكبرى في المنطقة وخارجها، كما هو أمام نظر الأمم المتحدة، وهو الذي يقتضي بالضرورة التعامل معه كما يتم التعامل مع أي عدوان ومن أي جهة كانت.‏

 

الأخطر من هذا وذاك أن يكون تحت رعاية التحالف الأميركي، الذي اعتاد على ممارسة انتهاكاته تحت الذريعة ذاتها.. في وقت يتضح للعالم أجمع بأن الإرهاب تمدد بعد إنشاء هذا التحالف، وأن التنظيمات الإرهابية ازدادت حضوراً بعد المشاركة الأميركية، والأمر ذاته سيتكرر حين تكون أميركا شريكاً إضافياً أو مظلة تحتمي بها حكومة أردوغان لممارسة انتهاكها هذا، بل تؤشر المعطيات إلى أنه جاء من أجل إنعاش تنظيمات إرهابية بدأت بالأفول، ومحاولة يائسة لعودتها إلى الوجود تحت شعار مكافحة داعش، وبما يحول دون المزيد من الحرج الأميركي بعد الفشل في تحديد "الإرهابيين المعتدلين".‏

 

المعضلة الحقيقية أن العكاز الأميركي في استخدام الإرهاب المتلون، يستمر بالتنقل وسط جبهات مفتوحة، حالها في ذلك حال المزاج الأميركي المسيطر على كثير من تفاصيل العلاقة التي تنسجها في تحالفاتها وخصوماتها المؤقتة، فلا تثبت على حال ولا تستقر على موضع، حيث نقل بندقيتها في حروب الوكالة التي تعهّدها لأدواتها في المنطقة لا يشكل حرجاً، ولا يؤخذ في المصداقية التي تآكلت بفعل تشرذم الخيارات، فتبيت على غير ما تصبح، وتفتح على غير ما أغلقت.‏

 

من الجبهة التي أوعزت لبعض مرتزقتها بإشعالها في الحسكة.. إلى معركة جرابلس، التي أعادت عِبَرها تحالفها مع التركي، إلى العلن بعد أشهر من التباين أو الاختلاف، إلى حدود التناقض في الأجندات المرحلية، كما هو الحال في الاستراتيجية، وصولاً إلى بقايا ما تشعله من جبهات متنقلة ومتحركة حسب الحاجة ووفق ما تقتضيه ظروف النفاق الأميركي، يبقى الإرهاب عاملاً اساسياً وميداناً متفقاً عليه في سياق أي مقاربة أميركية.‏

 

ما يجمع الجبهات الأميركية المتنقلة يبقى ذاته المعوّل عليه في سياق الاستخدام لهذا الطرف أو ذاك، أو لفصيل دون الآخر على قاعدة أن الأجندات الأميركية التي بعثرتها تعرجات الخيبة المرتسمة على مختلف جوانب المشروع الأميركي المحمول على أذرع الإرهاب- جديده وقديمه- باتت تقتضي في كثير من الأحيان إحداث تحالفات المتناقضين، وحين عجزت عن جمعهم في معركة واحدة بالمعنى الجغرافي كانت البدائل الجاهزة بجملة من المعارك المتباينة زمانياً ومكانياً، والمختلفة في أهدافها واجنداتها إلى حد التناقض في بعضها.‏

 

فالأميركي الذي يتحالف اليوم مع التركي ويقدم له الدعم، هو ذاته المتحالف بالأمس مع خصمه أو عدوه فعلياً في الحسكة وما قبلها، وهو ذاته الذي كان يتقاسم مع داعش المواقع والجغرافيا، وهو عينه الذي يتحالف مع النصرة في السياسة والميدان، والفارق أن تغيير اتجاه البندقية لا يحتاج إلى قصف تمهيدي ولا زيارات سياسية، بقدر ما هو قائم في خطاب أميركي، يجادل حتى اللحظة في إرهاب "معتدل" يحتمي به وآخر متطرف يجّير التحالفات والقوى ليتقاسم معه الحلفاء أو يستعين به ليحدد الخصوم.‏

 

فعكاز الإرهاب الأميركي الذي يطوف على جبهات متحركة ومتنقلة تشتعل فيها المواجهة، ويحتدم الصراع يقدم آخر نسخة منه، ولكن بطبعة جديدة هويتها تركية أو حاملها السياسي نظام أردوغان.. ومضمونها إرهابيون عجزت عن تسويقهم وفشلت في تحديد تموضعهم السياسي، أو على الأصح أخفقت إلى حد الفضيحة في التغطية على حماية إرهابييها، سواء بما اقترحت من هدنٍ لترميم صفوفهم وإعادة تسليحهم، أم من خلال العجز عن فصلهم عمن تورطت أميركا وتسرّعت في تسميتهم إرهابيين قبل أن تنضج طبخة الإرهاب ومساحة الحاجة الفعلية لوجوده داخل أجندات مشروعها بأذرعه المتعددة ونسخه المختلفة.‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=38568