تحقيقات وتقارير

أصحاب الدخل المحدود في حضرة شهر أيلول


الاعلام تايم - فاطمة فاضل

 

لم يعد لأغنية فيروز "رجع أيلول" الوقع ذاته من الرومنسية، فمنذ 5 سنوات مضت يمر هذا الشهر بمعالم كالحة ليصبغ بلونه وجوها كثيرة..


أبا جهل ناظر مدارسكم، فأيلول قبل الأزمة كان له طعم آخر.. لم تكن القرطاسية المدرسية همُّ بهذا المقدار.. لتتحول الاّن الاّقلام الى شواهد زور.. والدفاتر وكأنها في يوم الحساب يثقل على البعض حملانها.. وما كان اللباس المدرسي هم وسبب رئيس لنكد الأسرة، ولا وزر يثقل كاهل رب الاسرة.


في قديم الزمان فرض لباس موحد في المدارس.. من ناحية جمالية، وللدلالة على كل مرحلة صفية، لكن السبب الرئيس لم يكن ما سبق فقط بل كان لإلغاء التمايز الطبقي، وليستوي الفقير والغني في حضرة العلم.. كان يا ما كان لا تعرف ابن فقير من ابن غني إلا خارج أسوار المدرسة، ومن خلال أنواع السيارات التي كانت بانتظار هذا الطالب أو ذاك.. ورغم ذلك كانت دروب المدارس تعج بالسعادة لخطى الغالبية العظمى من الاطفال التي تسير عليها سعيدة، هي الحرب نعم.. فللحروب ضحايا.. وتجارها، تجار يشترون ويبيعون بهموم الناس وحاجتهم.. وهل هذا مبرر؟ لغياب الرقيب أم أن هناك من كان يعمل لأن تصل الحالة التعليمة في بلدنا لتوضع في مصاف الرفاهية، يتغنى بها أولاد فئة دون اخرى؟؟


الكثير من العمليات الحسابية تجري، والكثير من بطاريات الاّلات الحاسبة تتلف، وشتان ما بين حسابات غني وحسابات فقير، فالمدارس على الأبواب، ومصاريفها تكوي قلوب الأهالي قبل جيوبهم، وتكسر ظهورهم قبل حيلتهم،  ولأن المصائب عادة لا تأتي فراداً، تجتمع لبئس الحظ هذه السنة مناسبتان وجيهتان ثقيلتا الظل على معظم البيوت السورية ، لتذيب ما تبقى من ملامح في وجه الأبوين، زائرتان بتوقيت غير محبب مصاريفهما كبيرة، حيث تلتقي التحضيرات للعام الدراسي الجديد بعيد الأضحى، فكم من عائلة سورية ستكون هي الأضحية هذا العام؟


لم تنته الأزمة هنا.. فمما يزيدها سوءاً قلة اهتمام المدرسين بالطلاب مما يضطر الأهالي للجوء الى الدروس الخاصة لتقوية أولادهم وخاصة بمواد اللغات و المواد العلمية، فنحن بمجتمع تزداد قباحته في الأزمات لينهش أحدهم الاّخر غير مبالٍ بما قد يحدث حوله من كوارث سببها دناءة نفسه. إلّا أن النفس الأدنى في هذه المتاهة التي لا مخرج منها هي "الحكومة" و "تجارها"، فمن منهم لم يستطع ذل المواطن بلقمة عيشه، يتطلّع الى قهره بفلذة كبده، بالعمل على تصعيب مهمة الدراسة عليه لعدم توفر احتياجته الأساسية، فماذا ستفعل الأسرة السورية بدخل لا يتجاوز 35 دولار شهرياً، أي فعلياً بسعر لعبة صغيرة لأحد أطفال المسؤولين، أو فنجان قهوة لأحد أبناء المترفين منهم.


فلا تحزن يا صغيري ربما لم يكتب القدر لمستقبلك أن يزهر بعد!! لأن خاطفي الأحلام يتجولون بيننا في واقعنا وقد ملؤهم الدهاء وانعدام الضمير مشكلين بذلك وصفة سحرية خارج حدود الإنسانية بسنوات ضوئية، كما أصبحت التجارة عملهم في وضح النهار، تراهم في الحانات، في الشوارع وفي الوزارات يتاجرون بدماء الشعب ومستقبله غير اّبهين بأحد.


مشكلات..مشكلات.. أعداد لا نهاية لها.. حيث تعاني العشرات من المدراس المتواجدة تحت الخدمة، حالة من التردي و الإهمال، فبعضها غرق بمياه الصرف الصحي والأخرى دون أسوار، والكثير منها يعاني تصدعات في دعائمها، فكل ذلك ليس بمخططات أصحاب القرار القابلة للتنفيذ.. فما يشغلهم اليوم هو التخطيط للمنتجع المناسب لقضاء إجازة عيد الأضحى به؟؟، في حين أرباب الأسر تعد نقودها المعدنية "الفراطة" كي تسند بهذه البحصة جرّتها العملاقة لعلّها تستقيم.. ولا تقع على أجسادهم الهشة فتمزقها.


أيلول...شهر المتاعب والصعاب والأزمات المالية.. ومع كل ذلك نجد المحلات تستغل هذه المحنة القاسية لتجد ضالتها المنشودة في النصب والاحتيال وامتصاص ما تبقى من قطرات دماء بعروق الأهالي، فيهبّون الى رفع الأسعار دون حسيب أو رقيب، مما يثقل كاهل الأسرة وينهك ميزانيتها المختلّة أصلاً، لذلك يضطر أغلبية الاّباء اّسفين لشراء البضائع الأقل جودة والأكثر رداءة من غيرها، بما يتوافق مع الدخل، ومعظمها لا يصمد أكثر من بضعة أشهر فتصبح غير صالحة للاستهلاك البشري إطلاقاً، عندها يضطر الأبوين لتضميد جراحها بخياطتها عشرات المرات لتمضية بقية شهور السنة البائسة.

فبأي حال إذاً عادت الأعياد والمناسبات والفصول الدراسية وغيرها، فلو بقيتم نياماً كأهل الكهف لكان حال أبناء بلدي أفضل ولو بمثقال ذرة.


لنأمل من الحكومة العتيدة وتجارها الموقّرين.. أن يرأفوا بحال المواطن الفقير المنبوذ، لا لشيء.. فقط لكي لا يقتلوا اّخر شهيق في أحشائه ينتظر من خلاله جلاء قسوة هذه الحال المليئة بالوعود المبهرجة الزائفة.. يقولون القادم أجمل.. شعبنا ينتظر بفارغ الصبر هذا القادم.. وبقلب أكبر من اتساع السماء ليحتسي اّخر رشفات السعادة وينعم بكل ما هو جميل.. والجميل فقط.. فالسوريون صناع حياة وعشاقها، يليق بهم الحب .. يليق بهم الأمل.

 

.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=38556