الإعلام تايم- الوطن
يقول هنري كيسنجر صاحب نظرية احتواء الصين: "إن السياسة الصينية لم تكن مطلقاً صدامية بل دبلوماسية ذكية، وحذرة، وإن ما يهم الصين حقاً هو الحفاظ على النمو، والوصول الآمن، والحر للأسواق الخارجية، أما حين تنفجر المشكلات السياسية فإن الصينيين يفضلون البقاء على الحياد، أو الامتناع عن التصويت، بينما الآخرون يظلون في الأزمة، هم لن يتحركوا إلا إذا كانت لهم مصلحة مباشرة، ولا عيب في ذلك". يبدو أن بكين خالفت هذه القاعدة الكيسنجرية في الحالة السورية فقد شاركت موسكو في ثلاثة فيتوات في مجلس الأمن بشكل فاجأ العالم إذ رفع المندوب الصيني يده بقوة في تشرين الأول عام 2011 ضد مشروع قرار أوروبي بدعم أمريكي يدين ما سماه (القمع) في سورية، وأعاد الكرة مرة أخرى في شباط 2012 ضد مشروع قرار عربي أوروبي يدعم خطة الجامعة العربية لتغيير (النظام السياسي في سورية)!! وفي تموز من العام 2012 رفعت الصين الفيتو للمرة الثالثة ضد مشروع قرار عربي لفرض عقوبات على سورية تحت الفصل السابع، وآنذاك أثارت الصين تساؤلات كثيرة في الغرب حول معنى استخدامها مع روسيا ثلاثة فيتوات حيث اعتبرت نيويورك تايمز أن الدافع الحقيقي لذلك هو الوقوف مع روسيا فيما اعتبرته الدولتان انفراداً أمريكياً وأوروبياً في تقرير مصير بعض الأنظمة في الشرق الأوسط، وخاصة أن الصين كانت تتجنب استخدام الفيتو في حالات كثيرة، وكانت تمتنع عن التصويت في القرارات التي لا تؤيدها، ولم تستخدم الفيتو إلا (8) مرات فقط في قضايا عادة ما تكون ذات أهمية قصوى للمصالح الوطنية الصينية. بالرغم من أهمية العامل الاقتصادي في السياسة الخارجية الصينية باعتبار أن الصين ثاني أقوى اقتصاد في العالم، والتقديرات الأمريكية تقول إنها قد تتجاوز أمريكا خلال السنوات القادمة، إلا أن هذا العامل ليس الأساس في الحالة السورية ذلك أنه على الرغم من الروابط التجارية بين سورية والصين كانت جيدة للغاية، ووقعت اتفاقيات عديدة بين البلدين ووصل حجم التبادل التجاري لحدود 2.2 مليار دولار عام 2010، كان هذا الرقم متواضعاً جداً إذا ما قسناه بحجم التبادل التجاري مع دول الخليج الذي يتجاوز 90 مليار دولار سنوياً، كما أن السعودية مثلاً تعتبر أحد أكبر موردي النفط للصين، ومن هنا فإن العامل الاقتصادي ليس أساسياً هنا.
لكن هناك عوامل أخرى عديدة تقف خلف التطور التدريجي للموقف الصيني تجاه ما يجري في سورية، ومنها:
الموقف الصيني تطور بشكل ملحوظ فقد عينت مبعوثاً خاصاً هو السيد "شي شياويان" مختصاً بالشأن السوري لمتابعة هذا الملف، كما تناقلت وسائل إعلام عديدة عن إرسالها حاملة الطائرات "لياونينغ" إلى ميناء طرطوس في شهر أيلول 2015 كتعبير عن الدعم لسورية في مكافحة الإرهاب، وفي 16/8/2016 أي قبل أيام فقط كشفت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ ستار" عن زيارة مدير مكتب التعاون العسكري الدولي في اللجنة المركزية العسكرية الصينية الأدميرال "قوان يوفي" إلى دمشق، واجتماعه مع وزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج، ومع رئيس مركز المصالحة الروسي في حميميم الجنرال "سيرغي تشفاركوف"، وحسب ما تسرب من أنباء فإن هدف الزيارة مواصلة تعزيز التعاون بين الجيشين، وتقديم فرص تدريب، وخبرة، وقضايا التسليح… ولكن الخبر لم يشر إلى ما إذا كان قد تم بحث تعزيز الوجود العسكري الصيني من أجل محاربة الإرهاب. وعلى الرغم من أن العديد من الخبراء، والمختصين يرون أن الخطوة الصينية لن تكون إلا على مستوى منخفض، ولن تتحول إلى انخراط عسكري مباشر، وإنما ستقتصر على تقديم الدعم التقني، والتدريب والتأهيل، لكن ذلك أمر جيد جداً بالنسبة للصين التي كانت غالباً متحفظة تجاه الانخراط المباشر في النزاعات المعقدة مثل المسألة السورية.
الواضح تماماً: أن الصين بدأت تدرك كغيرها من القوى الصاعدة في العالم، وكدولة ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي أن أهداف الغرب أصبحت مفضوحة، ومكشوفة، وأن انتصار الشعب السوري، والدولة السورية في حربهما على الإرهاب التكفيري هو انتصار لكل شعوب العالم المتحضر ضد الهمجية، والنازية الجديدة التي إن لم تُهزم في سورية فسيعني ذلك انتشار الطاعون في العالم. |
||||||||
|