وجهات نظر

أردوغان والبحث في سورية عن موطئ قدم لـ"الإخوان"

زياد حيدر


الإعلام تايم- السفير


 

في ربيع العام 2011، حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان حينها رئيساً للوزراء، التدخل في سورية، عبر اقتراح تركيبةٍ حكومية جديدة تحمل عناصر من حركة "الإخوان المسلمين"، وذلك مقابل أن تقف تركيا إلى جانب القيادة السورية التي كانت تواجه حملة نزع شرعية دولية وعربية مشتركة.

كان الموقف التركي مدعوماً من الجانب القطري، وشكّل عتبة التهيّب السعودي مما يجري في سورية، حيث كانت المملكة حينها قد حافظت على تحفّظ لافت حتى صيف ذلك العام، حين أعلن الملك السعودي الراحل عبد الله موقفا حاداً من الرئيس السوري بشار الأسد في بيان صادر عن مجلس الوزراء.

ورغم أن محاولة التدخل التركي ماتت في مهدها منذ اللقاءات الأولى بين الأسد ومبعوث أردوغان وقتها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، إلا أن أصواتاً سُمعت وإن خفتت بسرعة في كواليس السياسة السورية، ناقشت إمكانية "بيع أردوغان هذه الورقة" مقابل دعم تركيا لدمشق في ظرف هذا التحول، مع إمكانية "سحب هذه الورقة لاحقاً".

موضوع "الإخوان المسلمين" ظل خطاً أحمر عريضاً في سورية، إلا أن الدولة التي عاشت حرباً امتدت لسنوات مع الحركة في ثمانينيات القرن الماضي، حافظت على علاقات محدودة ولكن ذات ضرورة مع قياداتها في الخارج، عبر وسطاء عدة، بينهم قياديون في حركة "حماس" استقروا في دمشق منذ تسعينيات القرن الماضي حتى بدايات العام 2012 حين أداروا بندقيتهم باتجاه الجيش السوري بإيعاز من الحركة العالمية ربما، أو نتيجة حسابات سياسية متعجلة. كما ساهم "حزب الله" في عملية التواصل بين قيادات الحركة ودمشق، نظراً لموقف الحزب المتعاطف مع الحركات الاسلامية السياسية، والذي هو موقف العاصمة الإيرانية ايضاً.

لكن بالعودة لربيع 2011، اقترح بعض المستشارين والديبلوماسيين السابقين "هذه البيعة" بطرق شبيهة بما يفعله تجار الحميدية وأسواق حلب، استناداً لعقلية "لما لا؟"، بشكل يقضي باقتراح إعطاء أردوغان بعض الوزراء الإخوانيين في حكومة "وحدة وطنية" مقترحة، كان الأتراك يفضلونهم من قيادات "الإخوان" الموجودين في الخارج، من دون أن تتوضح أسماؤهم في تلك الفترة، مقابل الحصول على دعم أنقرة للعملية السياسية التي كان يُعَدّ لانطلاقها كمخرج إقليمي لما شكّل بداية الأزمة في سورية.

وبالطبع لم يصعد الاقتراح أكثر من درجتين في سلم القيادة السورية، وتم دفنه لعوامل عدة، كان من بينها الرفض القاطع لأي تسلل إسلامي سياسي لطبيعة الحكم في دمشق، ناهيك عن كونه اقتراحاً أجنبياً تركياً.

الا أن ما يستوجب ذكره هو ردة فعل العديد من الشخصيات البارزة على المستوى الداخلي السوري، وبينهم شخصيات مقرّبة من القيادة السورية، من الخلفيات الشامية والحلبية التجارية والصناعية والعاملة في مجال الإعلام والتدريس، حين كان يتم طرح الفكرة معهم بطرق أشبه "بالصيد الصحافي للانطباعات"، والتي كانت بمجملها تنفر منه وترفضه، لدرجة قول بعضهم إن "اللحظة التي يطأ الإخوان (المسلمون) بها أرض سورية، سنهاجر".

وبالطبع لم تكن ردود الفعل مفاجئة، ولا كان سبر آراء نخبويين على المستوى الإعلامي سيغير في شيء، فالحركة التي كان السوريون يعلنون العداء لها ولاسرائيل معاً في هتاف واحد صباح كل يوم مدرسي، كانت حفرت في بنيان الجسد السوري أثراً وحشياً، كما تركت ندوباً توحي بوجود انقسام داخلي تجلّى في تمرد الحركة ومن ثم طريقة وأد تمردها.

والتشبيه الأسوأ الذي يمكن أن يتعرض له شخص في سورية على المستوى العام هي في كونه "إخونجي"، علماً أن الدولة على النقيض عملت على الفصل بين تكوّن تيار ديني معتدل يخضع لرقابة الدولة، وبين حركة "الإخوان" كإسلام سياسي، وحرّضت على التعليم الديني "تحت الرقابة الدينية والأمنية"، وأنشأت مساجد بأعداد كبيرة كانت تثير حفيظة العلمانيين فيها، كما أسست مدارس كثيرة لتحفيظ القرآن حملت اسم رئيس سورية الراحل حافظ الأسد، في إيحاء رمزي هو الآخر.

ونجح حزب البعث على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وجهت اليه باعتباره يشرف على العملية التعليمية والتربوية في سورية في تشكيل نخبة رافضة لكل أشكال التسييس الديني، رغم أن اختراقات كانت تحصل، وشكاوى كانت تسمع عن قياديين في الحزب في بدايات القرن الحالي، كانوا أقرب ميلاً للتدين منه للعلمانية، لدرجة أن بعضهم كان يحضر مجالس دينية مغلقة.

لكن الشرخ رغم ذلك، بقي على مستوى شعبوي أكثر منه نخبوي، على الأقل في ما يخص هذه النقطة، وكأنما ثمة توافق موثق بين طوائف البلد وأثنياته في غالبيتها الشعبية ضد أي خروقات مذهبية الطابع، لا سيما أن تجارب العراق ولبنان في هذا السياق كانت ماثلة أمام الجميع. لذا فإن الاستعانة باسم ابراهيم يوسف مرتكب مجزرة المدفعية (1979) في معركة حلب الاخيرة يذكّر مجددا بجذور صراع لم يحسم، وربما لن يحسم ابداً.

فمجزرة المدفعية أدخلت سورية في طور صراع دامٍ استمر أغلب الثمانينيات، وحظي بدعم أميركي عراقي (للمفارقة كان من نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين)، وذهب ضحيته عشرات الآلاف، فحفر طويلاً وعميقاً في الشخصية السورية، كما خلف آثاراً سلبية كبيرة، اقتصادية واجتماعية وسياسية.

وكما أن القيادة السورية لم تنس تلك الهزّة، ظل "حزب العدالة والتنمية" ذو الأصول الإخوانية متذكراً هو الآخر، محاولاً عبر صداقة قياداته التي استمرت لسنوات مع نظرائهم السوريين إعادة هذه الحركة إلى سورية بشكل أو بآخر.

وقبل أن يجرب أردوغان الحرب، جرّب أمراً آخر. ففي لقاء خاص في العام 2007، طلب الرئيس التركي الحالي من شخصية سورية رفيعة المستوى، "خدمة" تتمثل بالسماح لمليونير سوري متجنّس تركياً، بالعودة إلى سورية للاستثمار فيها وزيارة مقر ولادته في حماة.

كانت الشخصية وفقاً لما سُرّب، أحد أولاد قائد في حركة "الطليعة"، الذراع العسكرية التابعة للإخوان المسلمين. كان الجواب الأولي إيجابياً ولطيفاً، وطلب من صاحب العلاقة زيارة القنصلية السورية في اسطنبول للإعداد لعودته. لاحقاً، وبعد أن تأنق المليونير ولبّى موعداً في القنصلية، وبعدما استقبل بودّ واضح، قيل له بأدب بأن سورية ترحب به، ولكن سيكون عليه أولا أن يلبّي طلبات أفرع أمنية عدة "لفنجان قهوة والتعارف". وفهم المليونير "الإخواني" أن دمشق غير مستعدة لهذا "الانقلاب"، لكن ماذا استخلص أردوغان.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=38041