وجهات نظر

معركة حلب تستعر: ممر "غير آمن" إلى حين

محمد بلوط


الإعلام تايم- السفير

حلب بانتظار سان بطرسبورغ، وقد تنتظر العمليات العسكرية اللقاء الرئاسي التركي الروسي، قبل ان تحتدم من جديد، أو تتضح وجهة العمليات، والصفقة السياسية. العودة إلى ما قبل محاصرة الجيش السوري حلب الشرقية قد تكون الورقة التي حاول الهجوم التركي، عبر المجموعات المسلحة في حلب الحصول عليها، قبل أن يضع الرئيسان التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غداً في سان بطرسبورغ، نقطة النهاية على مصالحة تنتظر مصافحة، وربما قبلات الختام. ولكي لا يلتقي الرئيس التركي بنظيره الرئيس الروسي، مهزوماً استمات الأتراك، والحزب الاسلامي التركستاني، بالمعنى الحرفي للكلمة، وليس مجازاً، بل وانتحروا بالعشرات عند أسوار كلية المدفعية والتسليح والفنية الجوية جنوب غرب حلب من أجل ممر، غير آمن، يبلغ عرضه ٩٠٠ متر، بطول كيلومترين، ويمتد من أطراف العامرية شرق حلب مخترقاً الراموسة حتى كلية التسليح، حيث التقت أرتال المهاجمين، بالخارجين من حلب الشرقية وحصارها.

 

تحسين شروط اللقاء بين المتصالحين، وإتمام العرس التركي ـ الروسي، قد يكون فرض إعادة تصحيح ميزان القوى نسبياً، بعد أن اختل كلياً لمصلحة الجيش السوري في حلب، مركز الصراع على سورية. الحرب على حلب من أجل التوازن في سان بطرسبورغ أعلن عنه رجب طيب إردوغان، الذي قال أمس الأول أن "النظام حاصر حلب لكن المعارضة أعادت التوازن".

 

وبالعكس مما كان منتظراً بعد الانقلاب التركي الفاشل، لا يملك الرئيس التركي في لحظة احتدام مواجهة حاسمة مع الجناح الآخر للاسلاموية التركية، وتصفية الأتاتوركية، رفاهية التخلي أيضاً عن خمسة أعوام من التدخل في سورية، أو اسقاط ورقة حلب، التي قد تكون آخر أوراق المساومة التي لا يزال قادراً على استخدامها في مواجهة الجميع: الروس والأميركيين والإيرانيين، من أجل إعادة صياغة علاقاته بالجميع على ضوئها، أو استقبال الإدارة الأميركية الجديدة أياً كان القادم الى البيت الابيض، من دون الإمساك بمفاتيح الحرب المقبلة على الإرهاب، التي ستظل لوقت طويل ورقة رابحة للتدخل في ما يتعدى جنوب الأناضول. وفي لحظة تراجع الجيش التركي وانهماكه لسنوات طويلة بعمليات إعادة هيكلة وتطهير مضنية، ستقلص من دوره الداخلي، والخارجي، لا بد من التعويض عن الخسارة الاستراتيجية العسكرية، ومواصلة استخدام الساحة السورية، ساحة تنافس مع القوى الدولية الأخرى، عبر ما تتيحه أجهزة المخابرات التي لا تزال مخلصة للرئيس التركي، والتي لا تحتاج الا للمجموعات الشيشانية والتركستانية، وتحالف عريض ومنظم من الأخوان المسلمين والسلفيين، لمواصلة التدخل في سورية.

 

وليس مؤكدا بأي حال، حتى ولو قرر الأتراك تكتيكياً اعتبار ثغرة حلب، وملحمتها الكبرى مجرد عملية تقتصر مفاعيلها على موازنة لقاء سان بطرسبورغ، الا أنه من المستبعد أن تستدير السياسة التركية ١٨٠ درجة ، وتغير من تحالفاتها الاستراتيجية مع حلف الاطلسي والولايات المتحدة، لبناء تحالف تكتيكي مع إيران والروس. إن المصالحة الروسية التركية كانت لا تحتاج الى صفقة على سورية الى أن بدأ الروس بالانخراط جوياً عبر "عاصفة السوخوي"، ووضع قدم على الأرض السورية.

كان الروس والأتراك والإيرانيون أيضاً، قد بنوا نموذجاً فريداً من العلاقات البراغماتية التي نجحت، مع بعض التوتر، في إرساء فصل كامل بين الملف السوري والحرب بالوكالة بينهم في سورية من جهة، وبين الوصول الى اتفاقات اقتصادية وتجارية كبيرة من جهة ثانية. وهكذا سارت اتفاقية السيل الجنوبي الروسية التركية، وإنشاء مفاعلات نووية روسية في تركيا التي عقدها الرئيسان بوتين واردوغان، على وقع المواجهة في سورية، وتعايش الروس والإيرانيون مع دور تركي كبير في الحرب على سورية. إردوغان سيذهب في لحظة التوازن الجديدة كما يعتقد إلى استنباط حل مشترك أو صفقة إقليمية بقوله أنه "سيدعو الى مؤتمر إقليمي من أجل الحل في سورية".

 

إن استمرار هذا النموذج من العلاقات البراغماتية، قد لا يكون ممكناً اليوم بعد انخراط الروس مباشرة في سورية والذين أصبحت حدودهم المباشرة مع حلف شمال الاطلسي وتركيا، كما أن هزيمتهم في سورية، لو كانت ممنوعة فعلاً، قد لا تسمح بهذا النوع من العلاقات مع تركيا، التي تشكل رأس الحربة في القتال ضد مصالحهم ومصالح حلفائهم في سورية، وهو ما ينبغي أن يجيب عليه لقاء سان بطرسبورغ. ورسمياً لا تقع سورية على أجندة اللقاء الذي سيقتصر رسمياً، على تفعيل الاتفاقات التجارية، وإحياء مشروع السيل الجنوبي، لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا.

وجلي اليوم أن الثغرة التي أحدثت في الراموسة، ليست وليدة رد الفعل من فصائل حلب على محاصرتها في شرق المدينة، كما روجت لذلك عناوين الحملة الاعلامية، والطرق الإعلامي السعودي والقطري الذي رافق الهجوم على المدينة، بل هي عملية عسكرية، خاض فيها الجيش السوري معارك مع جيش كلاسيكي، يملك أسلحة دبابات ومدرعات، وراجمات صواريخ، وطائرات استطلاع، وأجهزة استخبارات ومعلومات وفرتها طلعات طائرة "اواكس" تركية لم تتوقف عن التحليق في المنطقة منذ شهر ونصف الشهر. وتقول المعلومات أن ٣٠٠ آلية، من بينها ٥٠ دبابة هاجمت مواقع الجيش السوري على جبهة تنقص عن ٨ كيلومترات، بالإضافة الى عشرات الانتحاريين.

 

فمنذ ان بدأت العملية الروسية في حلب نهاية أيار الماضي، وانطلاق التمهيد الناري لها حتى العاشر من حزيران، قبل أن تتقدم الوحدات السورية نحو مزارع الملاح، وتبدأ بإقفال طريق الكاستيلو، كان الأتراك يعدون على الفور، غرفة عمليات إضافية في أنطاليا، خصصت بعد أنطاكيا، لمراقبة تقدم العملية الروسية في حلب. وفي مطلع تموز بدأ الأتراك نقل مدرعات، نحو كفر حمرة شمال حلب، تم تعديل أبراجها في مشاغل الجيش التركي، لتسليح "فرقة الحمزة"، و "أحرار الشام". وعندما اكتمل الطوق على حلب، في السابع والعشرين من تموز الماضي، فور احتدام المعارك حول حلب، وفي إطار الإعداد لاختراق جنوب المدينة، عبرت الحدود التركية من باب الهوى، إلى إعزاز أرتال مؤلفة من مئة شاحنة متوسطة وسريعة، جاءت من إدلب الى تركيا عبر باب السلامة، وحملت ألف رجل من دون أسلحتهم، وعبرت حواجز وحدات حماية الشعب التركية، في منطقة عفرين، واتجهت الى دار عزة قرب حلب، حيث تلقت أسلحتها. وفي مطلع الشهر، نقل الأتراك مجموعات ضمت أكثر من ٨٠٠ مقاتل من "احرار الشام"، كانت تتمركز في إعزاز منذ ثلاثة اشهر، وتشكل جزءً من رتل جاء به الأتراك من إدلب، لتدعيم خطوط المجموعات المعارضة، ومنع تقدم القوات الكردية نحو منطقة باب السلامة انطلاقاً من تل رفعت.

 

وبعد ٢٤ ساعة من القتال المتواصل يومي الخميس والجمعة، وموجتين من الهجمات، لم تكن هناك مؤشرات على احتمال إحداث أي ثغرة في الحصار المفروض على حلب الشرقية. وكانت الموجة الأولى من المهاجمين قد انطلقت من قرية المشرفة غرب المدينة، نحو أسوار كلية التسليح ومدرسة المدفعية والفنية الجوية. ودارت المعارك من الساعة الثالثة والنصف من بعد الظهر، حتى الواحدة والنصف ليلاً من دون أن ينجح جيش من ستة آلاف مقاتل على امتداد الجبهة من اختراق مواقع الجيش السوري. وانتهى الهجوم الثاني مساء الجمعة، بعد انطلاقه منتصف الليل، باسترجاع كافة المواقع التي انسحب منها الجيش السوري، وصد الهجمات عند الراموسة.

 

وبدأ الخرق في الراموسة، وفي كلية التسليح بحسب غرف العمليات السورية، عند التاسعة من ليل الجمعة، دون أن تكون له مبررات عسكرية أو ميدانية، حيث كان الجيش السوري في الكليات العسكرية، وحلفاؤه من مقاتلي حزب الله والإيرانيين في العامرية، وجنوب الراموسة في معمل الاسمنت، قد ثبتوا خطوط الإسناد، وأوقفوا الموجة الثانية من هجمات يوم الجمعة. واتبع المهاجمون نمط إنهاك القوى المدافعة عن المدينة بإرسال موجات من المهاجمين والدبابات والانتحاريين، مع ميزة القدرة على إرسال قوات جديدة، بعد كل انتكاسة، لتجديد الهجوم، بالإبقاء على أرتال جاهزة في الخطوط الخلفية لمتابعة وتيرة العمليات، فيما لم يستطع الجيش السوري وحلفاؤه تعويض الخسائر، أو إرسال تعزيرات الا بعد الموجة الثانية من الهجمات، حيث وصل لواء القدس، من حندرات، ووحدات من الحرس الجمهوري كانت ترابط في الليرمون شمال المدينة، وقوات خاصة تابعة للعقيد النمر سهيل الحسن. وكانت القوات المدافعة قد أوقعت أكثر من ٧٠٠ قتيل ومئات الجرحى في القوات المهاجمة، بفعل كثافة الغارات الجوية، والقصف المدفعي، وشجاعة المقاتلين الذين كانوا يتقدمون لضرب المفخخات المهاجمة إلى مسافات قريبة بالصواريخ، ومنع وصولها الى أسوار الكليات العسكرية، واستشهد العديد منهم جراء عصف الانفجارات القريبة. وساد الاعتقاد في غرف العمليات أن استنزاف العدو، سيؤدي الى إجباره على التراجع، وهو ما لم يحصل، فضلاً عن عدم اتضاح الأوامر بعد صد الهجمات.

 

ومن أجل ثغرة دبلوماسية لفلاديمير ورجب، أرسلت القيادة التركية أفضل وحداتها. وتقول معلومات التنصت السوري، أن الوحدات التي شاركت في الموجة الثانية من الهجوم تلقت أوامر لمغادرة ساحة العمليات، مع فريقها الإعلامي، والتمركز في شمال حلب. وعند التاسعة وصلت قوات تركستانية صينية الى مسرح العمليات، ضمت عشرات الانتحاريين، الذين تدفقوا من الغرب في وقت واحد مع المدرعات التي تقدمت من الشرق. وأمام كثافة الهجوم، صدرت عند الواحدة والنصف فجر الجمعة أوامر بالانسحاب من الكليات والابتعاد عنها، كي يتسنى للطيران قصف المهاجمين. وخلال الليل كان الطيران السوري، وحده دون الروسي، يقاتل المهاجمين، قبل أن يعاود الروس طلعات كثيفة صباح أمس.

 

وإذ استطاعت المجموعات المسلحة الحصول على ممر ضيق، الا أن الممر يبقى تحت نيران الجيش السوري. اذ إن عرض الممر لا يتجاوز الـ٩٠٠ متر وطبيعة المواقع التي يتحكم بها شمال الممر "حزب الله" والإيرانيون، وجنوباً وحدات العقيد النمر والحرس الجمهوري، لا تسمح بالقول أن الحصار على حلب الشرقية قد سقط. إذ إن الممر لن يكون قادراً على تأمين حركة عبور المدنيين، أو ضمان سيطرة المسلحين عليه من هجمات الجيش. ومن دون التوسع جنوباً وشمالاً، وهو ما سيكون صعباً، من غير المتوقع أن تستمر ثغرة الراموسة لوقت طويل، حيث تستمر عمليات القصف الجوي والمدفعي، لعمليات جديدة، فيما تقول معلومات أن قائد فيلق القدس، قاسم سليماني الذي وصل حلب منذ ستة أيام، للإعداد لهجوم نحو إدلب، سيكون هو أيضاً، في عداد الحملة الجديدة، خصوصاً أن الإيرانيين والعراقيين، استكملوا الاستعدادات لعمليات أوسع.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37943