وجهات نظر

خريطة إقليمية جديدة بعد انتصار سورية والعراق

مصطفى السعيد


الإعلام تايم- الأهرام
 


المنطقة على حافة تغييرات مهمة في موازين القوى، سيكون لها نتائجها على الساحتين الإقليمية والدولية، فمعركة حلب الكبرى اقتربت من نهايتها، وباتت سورية على مشارف انتصار كبير على الجماعات المسلحة، رغم الشراسة التي تبديها التنظيمات التي تجمعت لأول مرة، وألقت بكل ثقلها على خطوط دفاع حلب، المدينة التي دفعت ثمن مرور تقاطعات المصالح والأزمات الداخلية والإقليمية والدولية فوق إحداثياتها، لكن سيذكر لها التاريخ أنها كانت أكثر المعارك تأثيرا في مسار الحرب على الإرهاب، مثلما كانت معركة ستالينجراد في الحرب العالمية الثانية.

 

كما لن يمر وقت طويل حتى يحرر الجيش العراقي الموصل، ويطارد فلول "داعش" في الجيوب المتبقية، ويمكن أن تستمر التفجيرات الانتقامية، بل قد تزداد حدتها، لكنها لن تغير من مسار حرب أدمت المنطقة طويلاً، وتركت ندوباً يصعب محوها، لكن الحياة ستستمر، وإن كان كثير من المسارات سوف تتغير، فلا العراق سيعود كما كان، وكذلك سورية، بل كل المنطقة.

 

عندما يتم إعلان انتصار التحالف الروسي السوري الإيراني العراقي الحرب، فهذا يعنى تغييراً مهماً في موازين القوى، والعقلاء هم القادرون على قراءة المتغيرات، والتعامل الواقعي معها، وإن كانت هناك مؤشرات على أن بعض الدول عازمة على السير في نفس الاتجاه الخاطئ، واستكمال معركة ليس من ورائها سوى المزيد من الخسائر.

 

كانت تركيا أول الخاسرين، وأول ضحايا خسارة مخطط الفوضى الخلاقة، وعندما أدرك أردوغان أن الخسارة تلوح في الأفق، توجهت أنظاره إلى الداخل التركي ليعيد ترتيبه، ويحكم القبضة على ما تبقى له، خشية أن يفقد المقعد الأخير، بعد أن كان يحلم بعرش الخلافة، وقرر أن يركز جميع السلطات بين يديه، ويتخلص مبكراً من خصومه، الذين سيتجرؤون عليه، ويشهرون أسلحتهم ضده، عند إعلان خسارته للحرب، وجاءت محاولة الانقلاب الفاشلة لتمنحه الزريعة لتسريع وتيرة انقضاضه على خصومه، وفى مقدمتهم الأتاتوركية الممثلة في الجيش والقضاء، وكذلك بديله الإسلامي، الذى يمكن أن يأتي من جراب مؤسسات فتح الله كولن المترامية الأطراف، والممتدة في آلاف المدارس والكليات والجمعيات الخيرية، وعشرات الصحف والقنوات الفضائية.

 

أما دول الخليج فمازالت مرتبكة، ولا تعرف بأي اتجاه تسير، وإذا كانت هناك بعض الإشارات عن مزيد من تقارب بعضها مع إسرائيل، للاستفادة من قوتها السياسية والعسكرية، بما يعزز من قوتها، لكن لهذا الخيار لن يضيف الكثير من القوة، لأن الطرفين كانا يتحركان في نفس الاتجاه منذ البداية، وإن كان كل منهما يسير منفرداً، في العلن على الأقل، ولن يؤدى الإعلان عن التقارب سوى ظهور الكثير من الأعراض الجانبية، وستنمو معارضات وانتقادات مزعجة، ستصب في مصلحة التحالف الآخر.

 

تتعامل الولايات المتحدة بذكاء ومرونة كبيرة، ولا تأخذ وقتاً طويلاً في تأمل الأحداث، فلديها الكثير من الخيارات والسيناريوهات الموضوعة مسبقاً، لتغطي كل الاحتمالات، ولا يهمها أن تضحى بأي من الأصدقاء أو بعضهم، مادامت هي قادرة على احتواء الأزمة، والتقليل من الخسائر، أو تغيير تكتيكات الحرب، ولهذا ذهبت مبكراً للاتفاق مع موسكو، وضحت بأردوغان، وتحالفت مع الأكراد، ويمكن أن تضحى بالأكراد فيما بعد، ومع ذلك فإن أمريكا لا تترك ساحة القتال بسرعة، أو تعترف بالهزيمة.

 

تكمن المشكلة في العرب، الذين لا يخططون للحرب، وبالتالي يصعب أن يخططوا لما بعدها، أو التعامل مع نتائجها، وربما يأخذهم العناد للاستمرار في نفس المسار المنحدر، حتى لو رأوا الهاوية أمام أعينهم، ويضيعون حتى فرصة التراجع في الوقت المناسب.

 

هل فكرت دول الخليج في الجلوس والتفاهم مع روسيا وإيران وسورية والعراق؟ هذا الاحتمال صعب، والأسهل منه التقارب مع اسرائيل، رغم أن إسرائيل لن تفكر سوى بمصالحها، وستوظف العرب لخدمة هذه المصالح، سواء في الحرب أو التفاوض أو السلم.

 

هل سيدخل العرب في حروب مباشرة بعد هزيمة الجماعات المسلحة في سورية والعراق؟ هذا الاحتمال قائم في ظل الحالة التي تمر بها المنطقة، وإن كان ثمنها سيكون أكثر فداحة، وسيكون من شأنه حرائق ستفنى مناطق واسعة، وخسائر يصعب تعويضها، وهزات لن يتحملها كثيرون.

 

إن الوضع في ليبيا يكشف مدى التخبط العربي، فلا موقف موحد من الحالة الليبية، بل انقسام في ساحة خالية من أي صراعات مذهبية أو عرقية، ولا توجد فيها روسيا أو إيران أو أي من خصومهم، فالليبيون منقسمون بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، والأول يؤيد التدخل الأمريكي، ويرفضه الثاني، بينما الثاني استعان بالتدخل الفرنسي، ويرفضه الأول، والعرب منقسمون بين هذا وذاك، وآخرون يرفضون أي تدخل أجنبي، بينما لم يتوصلوا إلى طريق لحل الصراع، لتظل ليبيا تحت نيران الجماعات المسلحة والتدخل الأجنبي إلى مدى غير معروف.

 

ليس أمام العرب وقت طويل، فالخريطة الجديدة التي تتشكل لن تنتظر أحداً، ومن لن يتمكن من قراءة المتغيرات، ويستطيع التعامل المناسب معها، فلن يكون له مكان داخل الساحة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37891