وجهات نظر

من "الجيش الحر" إلى الحور العين

ربيع بركات


الإعلام تايم- السفير

ما الذي يستحق الدراسة في أي عرض كرونولوجي لتطور الأحداث في حلب؟
فلنوجز ونحاول الاستنتاج:

في مطلع شباط 2012، وُضعت حلب تحت مجهرٍ كاشفٍ لاحتمالات بديلة، بعد أحد عشر شهراً من الهدوء التالي لشرارة الاحتجاجات السورية الأولى في درعا. راحت وسائل إعلام عربية كبرى تبشّر يومذاك بتحول المدينة إلى ساحة معارك وشيكة، توازياً مع قرع طبولٍ مماثلٍ عند أسوار دمشق. في إطار الحرب النفسية جاء التصويب على قطاعات الجيش، فيما راحت الحركة الاحتجاجية بشكلها الأول تتقلّص، ويتغوّل على حسابها تيارٌ يدعو إلى التسلّح. أعلن المتحدث باسم "الجيش الحر" ماهر النعيمي آنذاك أن القوات النظامية المسلحة "قاربت الانهيار"، وأن التحاق المجندين بالخدمة الإلزامية أصبح صفراً.

بعدها بثلاثة أسابيع، أخذت الحركة الاحتجاجية تتسرب إلى بعض أحياء المدينة، في الوقت الذي كانت فيه معركة بابا عمرو في حمص تعجّل من العسكرة الشاملة للأزمة السورية. قال الرئيس الأميركي في 25 شباط إن "ساعة رحيل النظام قد حانت"، وزادت عليه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون كلاماً أكثر تفصيلاً: "نتوقع ازدياد قدرة المعارضة على شن هجمات ضد قوات النظام".

في آذار 2012، شهدت حلب انفجارات أردت عدداً من الضحايا وأضعافهم من الجرحى، فيما ارتفع منسوب التوتر داخل كلياتها الجامعية بين متظاهرين معارضين من جهة، وقوات الأمن وطلاب موالين من جهة أخرى٬ بينما كان نائب قائد "الجيش الحر" مالك الكردي يشدد على "وجوب إسقاط النظام بالقوة".

في الأسبوع الثالث من الشهر الذي تلاه، أُطلق اسم "أبطال جامعة حلب" على تظاهرات الجمعة في أنحاء متفرقة من البلاد. ومذاك راحت لهجة الإعلام العربي المناوئ لدمشق تحتدّ منذرة بقرب وقوع معركة إقصاء السلطة عن عاصمة الشمال.

في حزيران 2012، وفيما رئيس عمليات حفظ السلام الأممية إيرفيه لادسو يقول إن "الصراع في سورية تحوّل إلى حرب أهلية"، كانت الخارجية الأميركية تُموضع الحدث في قالب يشي بقرب تهلكة النظام، محذرة في الوقت عينه من "تقدم قواته لحصار حلب".

ظل الماء في القدر يغلي حتى طاف باندلاع المواجهات بين الجيش السوري وقوات المعارضة التي اخترقت المدينة في الثلث الأخير من تموز، مستفيدة من نمو بيئات حاضنة لها. راج إثر ذاك تقدير مفاده أن الرهان على فرس الحسم بدأ يؤتي ثماره. وفي ذروة الاندفاع، دعا رئيس المجلس العسكري لحلب في "الجيش الحر" عبد الجبار العكيدي الغرب إلى فرض حظر جوي يطال مجال المدينة، متوعداً بأن الأخيرة ستكون "مقبرة لدبابات الجيش النظامي".

بعد أربع سنوات من انقسام المدينة في ظل تعديلات محدودة على خطوط التماس، أطبق الجيش السوري وحلفاؤه على شرقي حلب الذي تحوزه المعارضة.
هكذا٬ في آب 2016، أطلقت المعارضة معركة "كسر الطوق"، وراح قاضي "جيش الفتح" الذي بات يبتلع أكبر تشكيلات المعارضة في الشمال السوري يشحذ همم مقاتليه بالحديث عن مزايا الحوريات اللواتي سيكُنّ من نصيبهم بعد الممات يوم يُبعثون، إذا لم يشهدوا النصر الذي عبره يفرضون أنفسهم على الغير.

في هذه الأثناء، حافظ البعض على توقعاته (ومواقفه) بشأن "المشهد الثوري" ولم يزح عنها قيد أنملة. بل إن حماسة "أكاديميين" أو سياسيين "علمانيين" (أو أصحاب الصفتين معاً)، زادت عن السابق.
من بين كل المعطيات التي يختزنها أي عرض كرونولوجي للحدث، موجزاً كان أم مستفيضاً، يستحق أن يكون هؤلاء الأخيرون موضع دراسة على الأرجح، أكثر من أي شيء آخر.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37765