وجهات نظر

بضائع "إسرائيل" ومستوطناتها عند أبواب الفلسطينيين!

هيثم الشريف


الإعلام تايم - السفير

ضاعفت أعداد المراكز التجارية (مولات التسوق العملاقة) القائمة وزادت رقعة انتشارها، بين المحافظات الفلسطينية في المناطق المصنّفة "سي" (أي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة في الأراضي المحتلة في العام 1967) بهدف جذب واستقطاب المستهلكين الفلسطينيين. فهل تمكنت سلطات الاحتلال بذلك من النيل من الاقتصاد الوطني الفلسطيني؟ هذا ما ستحاول "السفير" الإجابة عنه في هذا التقرير.
وبهدف مقاطعة بضائع المستوطنات الاسرائيلية، وتعزيز الاقتصاد الوطني الفلسطيني، كانت السلطة الفلسطينية قررت في العام 2005، حظر دخول السلع المنتجة أو المصنّعة أو المعبّأة في المستوطنات المقامة على الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، لكن حملات المقاطعة والمكافحة تلك برزت في العام2007 واشتدت وتيرتها في العام 2010 عقب تضافر جهود المقاطعة الشعبية والأهلية والحكومية لبضائع المستوطنات.

 

رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني، الأمين العام للجان الشعبية الفلسطينية عزمي الشيوخي، اعتبر أن أبرز تلك "المولات" هي السلسلة الضخمة من متاجر المستوطن رامي ليفي التي يصل عدد أفرعها نحو 26 "مولاً" ومحلاً تجارياً، أربعة منها على الأقل منتشرة بالقرب من مناطق حيوية بين المدن الفلسطينية وعلى مداخل المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، مثل مستوطنات شعر بنيامين وميشور، والمجمع الاستيطاني كفار عتصيون المقامة على أراضي بيت لحم والخليل جنوب الضفة الغربية، ومستوطنة معاليه أدوميم المقامة على أراضي القدس، وقرب قرية جبع حيث تقع مستوطنة معاليه مخماس، ناهيك عن "المولات" والمراكز التجارية المقامة على الحدود المتاخمة لأراضي السلطة (داخل الأراضي المحتلة من العام 1948) في الشمال والوسط والجنوب.

 

ويرى الخبير الاقتصادي جعفر صدقة أن توسط أو قرب تلك المراكز التجارية والمولات من المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية، سهّل الوصول اليها، مضيفاً أن إقامة تلك المراكز التجارية خارج التجمعات الإسرائيلية، يهدف الى تمكين أي شخص فلسطيني عادي من الدخول اليها، حيث لا يتطلب دخولها أي اجراءات أمنية مشددة أو خاصة بعكس الدخول إلى المستوطنات. وأشار الى انه "رغم ما تبدو عليه من كونها مراكز ذات جدوى اقتصادية، الا أنها استخدمت كأداة لكسر مسألة مقاطعة البضائع الاسرائيلية، ولامتصاص أو مقاسمة التاجر والمنتج الفلسطيني للقوة الشرائية التي بيد المستهلك الفلسطيني، ما جعلها إحدى وسائل الإضرار بالنشاط الاقتصادي داخل المدن الفلسطينية، خاصة مع ما امتازت به شموليتها وأسعارها المنافسة والمغرية".

 

وقد ارجع منسق الحملة الشعبية لمقاطعة البضائع الاسرائيلية، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني خالد منصور سبب أسعارها المنافسة والمغرية لتكلفة الاستثمار القليلة فيها، موضحا أن "فاعلية هذه المراكز التجارية ومنافستها الشديدة للمنتجات الفلسطينية، ناجمة عن كونها مدعومة من الحكومة الاسرائيلية بما يتعلق بالكهرباء والماء ونسب الإعفاءات من الضرائب، كحال كل المستوطنات الواقعة في الأراضي المحتلة في العام 1967، ناهيك عن تطبيق مالك الشبكة (رامي ليفي) للنظرية الاقتصادية المعتمدة على البيع الكثير والربح القليل، بالتالي فهو يزعم أنه يبيع بأرخص الأسعار منتجات تتمتع بأعلى مستوى جودة، وهو ما ساهم في جذب المستهلكين بأعداد ضخمة".

 

وبدأت تلك المراكز و"المولات" تشهد إقبالاً واسعاً ونشاطاً كبيراً من قبل المستهلكين الفلسطينيين في العام 2010. ويقول عزمي الشيوخي، رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني، إن "أسواق بيت لحم أصبحت تخلو من المتسوقين، ونسبة عالية من أهالي الخليل ذهبت للتسوق من تلك المولات كما في رام الله والأغوار، وتصاعد الإقبال على تلك المولات إلى أن وصل ذروته في العام 2013، ما استدعى مضاعفة الجهود الرسمية والأهلية والشعبية في ما يتعلق بالمقاطعة، وتوعية وتوجيه المستهلك لضرورة إعطاء الأولية وإعادة الاعتبار للمنتج المحلي، في الوقت نفسه قامت المصانع الفلسطينية بحملات موازية ومنافسة في الأسواق الفلسطينية، كما جرى تطبيق قرار المقاطعة على الأرض عبر تحويل عدد كبير من التجار الذين ثبت ترويجهم لبضائع المستوطنات الى القضاء ليحاكموا وفق القانون بعقوبات رادعة، ساند ذلك حراك المقاطعة العالمية لبضائع المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة في العام 1967، ما أدى الى تراجع أعداد المتسوقين الفلسطينيين من تلك المولات بنسبة كبيرة".

 

غير أن خالد منصور، منسق الحملة الشعبية لمقاطعة البضائع الاسرائيلية ما زال يعتقد بأن تلك المولات والمراكز التجارية تعمل بقوة، ويقول "صحيح أن حملات المقاطعة أسهمت في إضعاف تلك المراكز، إلا أن البعض يذهب اليها بالسر لكونها تقع على طرق جانبية غير مرئية، لذلك اعتقد أنها لا تزال تعمل بقوة وإن بتذبذب أحياناً. كما أن من أسباب توجه المستهلك الفلسطيني للمنتجات الاسرائيلية بشكل عام أن بعض المنتجين الفلسطينيين أحيانا لا يساعدونا عبر تحسين الجودة وتخفيض الأسعار رغم إمكانية ذلك، خاصة إذا ما علمنا أن أجور العاملين في المصانع الفلسطينية لا تتعدى ربع أجور العاملين في المصانع الاسرائيلية، ومن هنا لا يكون مفهوم لدينا كيف يتساوى سعر السلعة الاسرائيلية مع الفلسطينية أحيانا!".

 

وأضاف منصور أن بعض أهم الشركات الفلسطينية، لا توصل منتجاتها الى كل مساحة الوطن أوتُهمل ذلك، بينما وكلاء البضائع الاسرائيلية يوصلون المنتجات الاسرائيلية لكل المناطق بما فيها المناطق النائية كالأغوار مثلا، ويُقدمون للتاجر الفلسطيني العروض والاغراءات التي تدفعه لأخذها طمعاً بالأرباح. كما أن بعض التجار بكل أسف استغلوا حملات المقاطعة ليخفضوا من كمية ونوعية جودة المنتج الفلسطيني".

 

ورافق ذلك قيام بعض المصانع الناشئة الجديدة الهادفة لدخول السوق بشكل سريع، كبعض مصانع العصائر والألبان ومنتجات أخرى، بتخفيض جودة المنتج من أجل أن تنافس في السعر، وأظهر استطلاع متخصص بالقطاع الخاص الفلسطيني (ثلثا المستطلعة آراؤهم من اقتصاديين وممثلين عن القطاع الخاص) أصدره "معهد العالم العربي للبحوث والتنمية" "أوراد" في حزيران الماضي، أن حوالي 84 في المئة من المجتمع الفلسطيني يرون ان المنتج الفلسطيني ليس بالجودة المناسبة التي تجعلهم يتوجهون له، وأن حوالي 82 في المئة من الناس غير راضين عن مدى رعاية السلطة للاقتصاد، ومن أن البيئة التنظيمية والقانونية غير ملائمة لتحقيق نمو اقتصادي.

 

وقال خالد منصور إن "هناك ارتباكاً صريحاً في موضوع المقاطعة رغم توفر البيئة القانونية، إذ لا توجد آليات تنفيذية رادعة لتنفيذ القرار بشكل يحول دون ادخال منتجات المستوطنات، ومن هنا فإننا نرى أن لا جدية من قبل الحكومة في التعامل مع قضية المقاطعة".

 

وقد وافقه على ذلك جعفر صدقة، الخبير الاقتصادي، قائلا إن "الحكومة لم تكن جدية بموضوع المقاطعة لا بالتوجهات النظرية ولا العملية، وإذا كانت جدية فهي غير قادرة على تطبيقه". وأضاف "يجب أن لا نغفل أن هناك مصلحة مادية للسلطة من التبعية الاقتصادية، فإسرائيل تجبي نيابة عن السلطة ضرائب البضائع المستوردة، كما تدفع للسلطة ضريبة البضائع الاسرائيلية التي تدخل أراضي السلطة، بالتالي فالمنتج المحلي لا يجلب لها مثل هذه الايرادات، رغم ما يوفره دعم المنتج المحلي من فرص عمل وتقليل نسب البطالة، عليه اعتقد أن أولوية السلطة هي في زيادة الايرادات حتى لو كان ذلك على حساب المنتج الوطني".

 

لكن المدير العام للإدارة العامة للسياسات والدراسات في وزارة الاقتصاد الوطني والناطق باسمها عزمي عبد الرحمن رفض ذلك وفسّر اسباب التبعية الاقتصادية لإسرائيل، بالقول إن "المشكلة بالاحتلال وهذا واقع وليس شماعة، فإسرائيل تسيطر على أكثر من 62 في المئة من الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وعلى 85 في المئة من الموارد المائية، والموارد الاقتصادية وموارد البحر الميت، وتسيطر على المعابر والحدود والنوافذ الاقتصادية كافة، فيما نحن ليس لدينا أي حدود أو معابر أو مطار أو ميناء، ما أدى لأن تكون (اسرائيل) مصدرنا الوحيد للاستيراد".

 

وأوضح عبد الرحمن أن "النسبة التراكمية لوارداتنا من اسرائيل بين (70%-80%)، وهذه النسبة ليست وليدة اللحظة، وإنما هي نتيجة سياسات اسرائيلية تراكمية من اليوم الأول للاحتلال، إذ وضعت اسرائيل هدفاً عاماً وهو جعل السوق الفلسطيني سوقاً استهلاكياً لا سوق منتج، وسوق تابع للسوق الاسرائيلي، وسخّرت كافة السبل لتحقيق هذا الهدف، وبحكم سيطرتها على كل المجريات فقد ألحقت اقتصادنا باقتصادها، ونجحت بتحقيق أهدافها الاقتصادية بأن جعلت الاقتصاد الفلسطيني تابعاً للاقتصاد الاسرائيلي، بدليل أن الاقتصاد الفلسطيني مطوّق ومحاصر وضعيف، وحتى التقارير الدولية قالت إن خسارتنا 3.5 مليار دولار نتيجة عدم استغلال مواردنا الاقتصادية، لذلك أيعقل في الوقت الذي تقول فيه التقارير الدولية والبنك الدولي أن اساس المعضلة الاقتصادية هو الاحتلال أن نقول لا جدية لدى السلطة؟ علينا توخي لغة العقل والمنطق أفضل من الافتراءات ".

 

وخلص عبد الرحمن الى القول إن "التوجه لمنتجات المستوطنات المقامة على أراضينا التي تنهب الأرض والإنسان والموارد الاقتصادية والمائية منافٍ للدين والأخلاق والوطن، لذلك نتوجه الى المستهلك الفلسطيني بأن يكون لديه وازع وطني وديني واخلاقي، ومن أن ينصبّ توجهه نحو المنتج الوطني، أو المستورد من الخارج في حال عدم وجود منتج وطني عوضاً عن بضائع المستوطنات حتى وإن كانت أقل ثمناً، أما بالنسبة للتجار فإن استهلاك بضائع المستوطنات مخالف لقانون حظر ومكافحة منتجات المستوطنات الفلسطيني، بالتالي وأي بضائع مستوطنات يتم توريدها أو إيصالها للسوق الفلسطيني تعد مخالفة للقوانين المعمول بها، وسيتم معاقبة كل تاجر يتم ضبطه وهو يتاجر أو يسهل دخول هذه البضائع إلى السوق الفلسطيني".

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37730