وجهات نظر

هل يتجاوز "خيار الضرورة" الأميركي مطبات الإرهاب!؟

عبد السلام حجاب


الإعلام تايم- الوطن
 

عدا تشويش مقصود أطلقه الوزير الأميركي كيري بوصف المبادرة الإنسانية الروسية في حلب بأنها خديعة سياسية، ورفض نائب وزير الخارجية الروسية ريا بكوف التشكيك بطبيعتها الإنسانية الحصرية التي تتم بالتنسيق مع الحكومة السورية تلبية لاحتياجات المواطنين السوريين بعد تحرير مناطقهم من إرهاب داعش والنصرة والزنكي وغير ذلك من أسماء لتنظيمات إرهابية، (اختلف الممول والمشغل فيها ولم تختلف الوسائل والهدف).

 

فإن أحداً لا يجادل، بأن أحلاماً إرهابية تبددت ومشاريع إمبراطورية سقطت عند أعتاب حلب، على امتدادها الجغرافي الوطني، وإيقاع التطورات اللاحقة سياسياً وعسكرياً.


وإذا كانت صدمة انتصار الجيش السوري والقوى الرديفة بدعم جوي روسي شرعي، أربكت مواقع وحسابات الأنظمة الداعمة والمشغلة للإرهاب في السعودية وقطر وتركيا فضلاً عن فرنسا وبريطانيا القابعتين على ضفاف أحلام استعمارية قديمة، فإنه من غير المرجح أن تكون تداعيات الصدمة فرصة لحرف خيار الضرورة الأميركي باتجاه الوقوع في خطأ التجريب من جديد في مطبات الإرهاب الدامية فيتحول إلى عبء كارثي وليس إلى ورقة فحسب، وذلك في وقت لم يعد التغاضي عن التعاون الروسي الأميركي ممكناً، ولا التقليل من شأن الاتفاقات بين القوتين العظميين جائزاً.

 

على الرغم من ذلك فإن الرهانات لا تزال قائمة ويمكن قراءة مؤشراتها ومن بينها:


1- ما يشي به الخلاف العلني بين الإدارتين السياسية والعسكرية الذي كشف عنه وزير الدفاع الأميركي كارتر، بإعلانه إمكانية ما سماه محاربة "داعش" الإرهابي في الجنوب السوري- ما يعني تأمين حماية لتسلل الإرهابيين من ضربات الجيش السوري والطيران الحربي الروسي والحيلولة دون منع إرهابيي جبهة النصرة والمجموعات الإرهابية الأخرى من توفير غلاف أمني للكيان الإسرائيلي يمكن التعويل عليه لاحقاً في الأجندة الأميركية والإسرائيلية المشتركة سياسياً وعسكرياً.


2- تتيح تصريحات الوزير كارتر إمكانية خلط الأوراق، وتكريس انطباع بأن المباحثات الروسية الأميركية تجاه التعاون العسكري في سورية ومحاربة الإرهاب ليست سوى محاولة كسب سياسي للوقت لتحقيق أهداف لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب، فتصبح بالتالي محادثات الوفدين الروسي والأميركي المكثفة في جنيف بلا سقف زمني ولا جدوى سياسية أو عسكرية، على الرغم من أن الوزير كيري أعرب عن أمله بأن يتم الإعلان عن "خطتنا الجديدة مع موسكو للتنسيق العسكري في سورية في أوائل آب الحالي، وتأكيد الخارجية الأميركية "أن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي بمسماه الجديد لا يزال هدفاً للقوات الأميركية والروسية".


3- بدا موقف المبعوث الأممي مثيراً للاستغراب، بحيث كان متفائلاً باستئناف جولة المحادثات بين السوريين في جنيف مع شهر آب الحالي، لكنه عاد للمنطقة الرمادية متماهياً مع ضغوط الأطراف الداعمة للإرهابيين بعد أن أعلن الجيش العربي السوري بالتنسيق بين روسيا والحكومة السورية عن خطة تأمين حلب إنسانياً وعسكرياً.


فأعرب عن قلقه من الممرات الإنسانية التي تم فتحها لتسهيل حياة وحركة المدنيين، وطالب روسيا بأن تترك الممرات الإنسانية للأمم المتحدة وكأنه يريد انتزاع أو التشكيك بشرعية وواجب الدولة السورية تجاه مواطنيها مفضلاً تركهم دروعاً بشرية يتحكم بمصيرهم الإرهابيون والأطراف الداعمة والمشغلة لهم، ولا يريد أن يدرك أن الدولة الوطنية السورية معنية بجميع أبنائها بمن فيهم الذين تم تضليلهم وحملوا السلاح ضد وطنهم ما عدا الغرباء والمرتزقة الإرهابيين.


4- لم يكن مفاجئاً موقف حكومتي فرنسا وبريطانيا، إذ اعتبرتا أن إنجاز الجيش السوري في تخليص حلب من الإرهابيين، يهدد الهدنة، في تجاهل مشبوه ومخادع بأن الهدنة جاءت لكبح إرهاب "داعش والنصرة" والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تلتحق بهما من ارتكاب المجازر في حلب وغيرها من المناطق والبلدات السورية، وهو حق كفله الاتفاق الروسي الأميركي وقرار مجلس الأمن الدولي 2268، لكن مشكلة الدول الاستعمارية أنها لا تريد الاعتراف بأن جدية محاربة الإرهاب تستوجب التنسيق مع الحكومة السورية وجيشها الذي يحارب الإرهاب في كل شبر من الأرض السورية، وليس انتهاك الشرعية الوطنية والدولية والتسلل بالجنود والطائرات الحربية لارتكاب مجازر بحق المدنيين السوريين كما يحدث في قرى الشمال السوري أو لاستثمار الإرهاب على حساب الشعب السوري.

 

يمكن القول إن خيار الضرورة الأميركي بشقيه العسكري والسياسي مع الجانب الروسي تجاوز واقعياً إمكانية المناورة والحسابات الساذجة، ولا سيما في مجال محاربة إرهاب "داعش والنصرة" ومشتقاتهما القاعدية الأخرى بلا هوادة، أو في مجال العملية السياسية لحوار السوريين في جنيف لتقرير مستقبلهم وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 من دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة وإلزام الأطراف الداعمة والمشغلة للإرهاب بتنفيذ القرار الدولي 2253 وذلك لسببين رئيسين:


1- عدم وجود خيارات أميركية بديلة ممكنة في عالم جديد من القوى المتعددة الأقطاب ولذلك هو خيار الضرورة بين قوتين عظميين بحيث لا إشعال لحرب كبرى ولا تهميش لدور أحد في معادلات الأمن والاستقرار في العالم.


2- فشل محاولات الاستقطاب الدولي والاستثمار بالإرهاب وتحولها إلى أعباء إضافية يجب التخلص منها، نظراً لانعكاساتها السلبية والتدميرية على مصالح العالم الاقتصادية والاجتماعية وما تنذر به من مخاطر لاحقة، على حين يؤكد السوريون قدرتهم على القضاء على الإرهاب والنهوض سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على أرضية الانتصارات العسكرية وإغلاق نوافذ المكر السياسي التي تضمنتها مقترحات أميركية في محادثات جنيف الروسية الأميركية عبر إعلانات هدنة قدمت فرصاً للإرهابيين لتجميع قواهم وشن هجمات جديدة.

 

لكن السؤال: هل يمنع ذلك السياسة الأميركية المزدوجة المعايير من الوقوع في مطبات الإرهاب وبينها الانتقائية في محاربة الإرهاب والدخول في لعبة سياسية جديدة في الوقت الضائع تحاول من خلالها تعويض خسائرها والتخفيف من مفاعيل ما أصاب حلفاءها بالسعي لتحقيق مكاسب سياسية بعد أن فشلت بانتزاعها عبر حرب كونية بواسطة الإرهاب؟

 

لقد أوضح الرئيس بشار الأسد لوفد مجلس السلام الأميركي بأن سياسة الإدارة الأميركية في منطقتنا تتناقض مع مصالح الشعب الأميركي وقيمه. وهي تميل أكثر فأكثر باتجاه العنف على حساب المنطق والعقلانية، مشيراً إلى أن دور الولايات المتحدة كقوة عظمى يجب أن يكون إيجابياً وقائماً على نشر العلم والتقانة والتكنولوجيا عوضاً من نشر الفوضى وتدمير البلدان ومحاصرتها.

 

فإذا كان عدم خضوع سورية العامل الرئيسي وراء الأزمة فهل ينجح الوفد الأميركي والوفود الأوروبية الأخرى بتصحيح الأخطاء الفادحة والاعتراف بالقرار الوطني للسوريين.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37694