وجهات نظر

خروج بني عثمان من دولة بني حمدان .. الثعالب في القفص واستسلام الجولاني

نارام سرجون


الاعلام تايم_صحافة
لعل أقسى ما في الكلام انه مهما شرب من كأس الحقيقة فانه لن يضاهي الحقيقة التي تسقيه من كأسها .. وأن الحبر مهما كان غزيرا فانه لا يروي فم مدينة ظمأى لطعم الحرية كما ترويها فوهة بندقية تسكب النار .. واليوم يدرك الكلام في زمن حلب انه كان يلهو ويلعب بالحروف معنا كالصبيان لعبة الحرب والنصر وأن الحقيقة لاتضاهيها الحروف التي تخطها البنادق ..

ولعل ماهو أجمل من بناء المدن هو تحريرها لأن بناء المدن يشبه ميلاد البشر أما تحرير المدن فإنه يشبه الزفاف الصاخب بين العاشقين وشتان مابين آلام الميلاد وبهجة الزفاف ... والبنادق في حلب كانت في حفل زفاف صاخب وكانت هذه البنادق أزاميل صنعت لنا من لحم الحجر وجه امرأة حرة جميلة كما لو أن النحاتين نفخوا فيه روحا ..

إن معركة حلب اليوم تبدأ رحلة النهاية للمشروع التركي في ولاية حلب وشمال سورية .. لأن تركيا صارت أمام معادلة قاسية جدا وهي اما ان تتخلى عن حلب أو ان تتخلى عن تركيا .. البقاء في حلب لم يعد ممكنا اذا ماأراد الأتراك الحفاظ على تركيا لأن الأمم التي تعاني أزمات داخلية وتصر على أن تحارب في الخارج تنتهي الى التفكك والانهيار من الداخل .. والأمثلة على ذلك كثيرة فعندما كانت روسيا القيصرية تحارب في الحرب العالمية الأولى وتجاهلت أزماتها الداخلية المتفاقمة وجدت نفسها وجها لوجه أمام الثورة البلشفية وأمام فلاديمير ايليتش لينين الذي عصف بالقياصرة وحكمهم الذي أراد كسب الحرب الخارجية لكنه خسر روسيا .. وكذلك فإن تركيا نفسها ذاقت من ذات الكأس في نفس الحرب لأنها دخلت حروبا خارجية للحفاظ على الإمبراطورية ولم تنتبه الى المتفجرات القومية الناهضة وغضب القوميات وآلام الفقراء .. فانتهت الى هزيمة منكرة كلفتها كل الإمبراطورية حتى وصلت جيوش الفاتحين الى العاصمة ..
وتركيا التي خرجت من حدودها الى حلب وشمال سورية لإحياء حلم الإمبراطورية القديمة وجدت نفسها فجأة أمام أزمات عاصفة في الداخل .. قوميات تتفجر ومذاهب تأكل من لحوم بعضها وعسكر يريدون دفن اللحى ولحى تريد قضم العسكر .. ولذلك كان لابد من الانكفاء للعق الجراح لأن الإمبراطورية الثانية الجديدة تكاد تأخذ بانهيارها مابقي من ثمالات السلطنة القديمة وفتاتها الأناضولي .. وهنا كانت عين الجيش السوري ترصد الانكفاء العثماني وتبرمه من الرهان على مشروع لن يعيش وذعره من كابوس البقاء في حلب للانتصار فيها فيما تركيا تتفجر .. وصار واضحا أن تركيا لم يعد بإمكانها أن تنقذ حلم حلب وأن تخسر تركيا كلها .. وأن الثورجيين صاروا بلا ظهير وقد تم التخلي عنهم حيث قرر اردوغان الخروج من دونهم من المعركة وتركهم لقدرهم وهو الذي أطعمهم وعودا وكلاما وسقاهم بكأس المهاجرين والأنصار وأسبغ عليهم نعمه الإسلامية .. فاذا بهم يستيقظون اليوم ليجدوا أن لا أثر له بينهم .. لاصوت ولاصورة .. ولاجيش انكشاري .. ولاسيف سلجوقي .. ولاسيف خشبي ..

مايلفت النظر في معركة حلب هو مقدار الصمت التركي العميق .. أين صوت اردوغان؟ .. وأين معادلات اوغلو؟ .. وأين الجيش التركي الذي كان آخر ظهور له عاريا يضرب بالسياط في شوارع تركيا؟؟ الكل يقف متفرجا عاجزا .. وما يلفت النظر أيضا مقدار الصمت في معسكر الناتو وعواصم الفيتو الغربية .. اين جيوش الناتو والخطوط الحمر الدولية؟؟ ..من الواضح ان هناك شعورا دوليا بالارهاق من الإصرار السوري على استرداد حلب حتى لو أدى الأمر الى حرب عالمية كما قالت احدى الرسائل السورية الى وفد غربي أمني جاء لينقل تحذيرات ديبلوماسية ونصائح ناتوية .. القيادة السورية أرسلت في صندوق بريد حلب ردها على النصائح الغربية لتؤكد للعواصم أن الحكومة السورية تعني ماتقول بأنها مع روسيا وبدونها ماضية في التحرير حتى وان وصلت الى حافة حرب عالمية .. فأرغمت العواصم الكبرى على اتخاذ قرار برفع اليد لأنها استنتجت أن الإصرار على منع تحرير حلب بأنها قد تكون مثل تلك المعارك التي تنتهي فيها حسابات الامبراطوريات الخاطئة بشكل كارثي .. ولذلك فان الرسائل التي وصلت الى القيادة السورية سرا بعد ساعات من حسم معركة بني زيد المفاجئة كلها تريد ان تقول بأن حلب شأن سوري ولكنها تتمنى أن يكون الانتقام في حدوده الدنيا .. وأكثر الرسائل التي طلبت الرأفة بالمعارضة كانت من تركيا .. فالأتراك لايمكن ان يتصوروا أي نصر من دون انتقام .. كما فعل المعارضون الذين شربوا الدماء عندما اقتحموا حلب .. وكما هو معمول به في تاريخ العثمانيين الذين اقترنت فتوحاتهم بالفظائع .. وآخر مارأى العالم من العقلية العثمانية هو مجزرة حكم العدالة والتنمية عقب الانقلاب الفاشل بكل شرائح الشعب التركي الذين لايميلون الى حكم الإسلاميين والذين تم سحقهم حتى لمجرد الظن انهم فرحوا بالانقلاب ..

ولكن المراقبين فاجأهم الانتقام السوري الذي تجلى بمرسوم رئاسي للعفو ولم توجد خطة للانتقام ولاللثأر .. بالمقارنة مع انتقام اردوغان الإسلامي من أبناء شعبه المسلم الذين خالفوه فعرّاهم في الطرقات وجلدهم وأذلّهم وفصلهم من أعمالهم وضربهم ضرب غرائب الابل ولم يتكرّم بالعفو عنهم بل وعدهم بالويل والثبور وعواقب الأمور .. وعلى الفور ظهر السياسي السوري المحنك الذي عفا عن أولئك الذين حملوا السلاح وتمثل قول نبي المسلمين الذي قال لأهل مكة الذين حاربوه حتى آخر لحظة وكانوا في مقاييس هذا الزمان معارضة دموية تقتل كل من لايوافقها على تشددها .. وقال لهم: ماتظنون أني فاعل بكم؟؟ اذهبوا فأنتم الطلقاء ..

ومما يدل على أن الغرب بدأ يفقد الأمل بصمود المسلحين عسكريا وانهم مقبلون على هزائم متتالية عسكريا بفتح معركة حلب مما جعل الغرب يجتهد ويسمح بفك العلاقة بين القاعدة والنصرة .. لأن هناك بحثا جديا في معسكر الغرب عن بدائل للنصر غير الرهان على المسلحين الذين يتآكلون ولاأمل لهم بالنصر .. وتجلى ذلك بالكشف المفاجئ عن شخصية (أبو محمد الجولاني) في توقيت غريب يراد فيه القول بأن التنظيم الإرهابي الرهيب لم يعد مخيفا بعد أن بدأت عملية تأديبه في حلب ولاداعي لاستئصال من كشف عن وجهه كمن يستسلم ويريد ان يتحول الى فريق ديبلوماسي معارض تاب وهجر البندقية .. البعض رأى في وجه الجولاني تحديا ولكنه في الحقيقة يشبه الاستسلام وعرض الصلح من أجل التفاوض ..

ان معركة بني زيد هي رسالة مزدوجة فيهما حقيقتان صادمتان .. واحدة للمعارضة التي فوجئت انها بلاظهير بعد وعود العالم كله انه معها .. فوجدت أنها ستموت ولن يدافع عنها خط أحمر ولا قرمزي ولا وردي .. ورسالة أخرى للغرب ومعسكر الشر تقول بأن المعارضة أضعف مما يظن الجميع وأن قلعة بني زيد التي كانت محصنة ومرتفعة لتكون أقسى واصعب معركة في الحرب السورية تم تحطيمها في ساعات أذهلت العالم .. وكانت الاختبار الحقيقي لقدرة العالم على ان يتحدى القرار السوري وقرار حلفائه ..

العالم كله قال كلمته الجوابية في معركة بني زيد عندما تجاهل كل تعهداته للمسلحين وتهديداته للجيش السوري والحكومة السورية .. وعنوان الرسالة الجوابية الصامتة هو أن العالم لم تكن لديه خطوط حمر بل سينسحب من الأزمة السورية دون ضجيج الى الحدود الديبلوماسية .. وأن المعركة اليوم هي بين مسلحين تركوا كالأيتام وبين جيش يريد أرضه حتى آخر شبر .. وأنه سيجتث الإرهاب حتى آخر قاتل ..
ما تنبئ به معركة بني زيد التي توقعنا جميعا منذ أيام قليلة انها ستلقى مصير بابا عمرو ولكن دون تلك الضجة التي لقيها سقوط بابا عمرو .. تنبئ أن الانهيارات القادمة ستكون صادمة أكثر وأن هناك مدنا رفعت فيها رايات التمرد صارت على موعد مع رايات وطنية سورية دون أدنى شك والتي ستزدحم بها السماء .. والمعلومات المتدفقة تقول بأن على طاولة الجيش مفاجآت سيسمع بها السوريون الذين طال انتظارهم ..

حلب اليوم تخبرنا أنه لم يعد هناك داع لأن نقرأ الكتب والتحليلات كي نعرف كم تغيرت الدنيا وكم استيقظت أمم من أحلامها .. وكيف صارت تركيا وكيف صارت اميريكا.. وكيف صارت فرنسا وبريطانيا ..فالمكتوب معروف من عنوانه في حلب .. ومن أراد أن يعرف متى ستنتهي الحرب فان عليه ان يقرأ ماذا حدث في حلب .. التي انتظرنا فيها صيد الثعالب والأرانب .. فاذا بنا في مشهد نرى فيه آلاف الثعالب والأرانب التي كانت طليقة وقد تزاحمت وحشرت في قفص حلب الكبير .. وحملة صنع الفراء من جلود الثعالب ستبدأ قريبا .. وعلى كل ثعلب حريص على فرائه أن يهرول الى معابر حلب حيث يقف الجيش السوري يسأل تلك الثعالب: ماتظنون أني فاعل بكم .. ليكون الجواب سريعا: جيش كريم .. وابن جيش كريم ..

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37620