الإعلام تايم -السفير مشروع هو السؤال، اليوم، وفي ضوء مجريات الحدث التركي: هل يكون الانقلاب الفاشل في تركيا آخر المغامرات الانقلابية في منطقة المشرق التي يحكم العسكر بعض أهم عواصمها، لا سيما العربية منها؟
وصحيح أن رجب طيب أردوغان ليس النموذج الأفضل للحاكم الديموقراطي، لكن الانقلابيين المرتبكين ـ بعد انكشاف حركتهم واضطرارهم إلى تقديم ساعة التحرك إلى التاسعة والنصف ليلاً وبينما الشوارع والساحات تغصّ بالساهرين، مواطنين وسياحاً - قد منحوه الفرصة الذهبية للانقضاض عليهم واعتقال رؤوسهم... تمهيداً لأن يحول تركيا جميعاً، في الأيام التالية، إلى معتقل مفتوح لكل معارضيه في الماضي والحاضر والمستقبل!
إنه أول انقلاب فاشل في تركيا التي حكمها العسكر أكثر من نصف قرن، قبل أن ينجح أردوغان وحزبه "الإخواني" في إنهاء عصر الانقلابات العسكرية الذي بدأ ـ في منطقتنا ـ مع أول انقلاب في سورية قاده الزعيم حسني الزعيم في ربيع العام 1949، بذريعة الرد على الهزيمة العسكرية في مواجهة "العصابات الإسرائيلية" التي استكملت احتلال فلسطين.. والذي تكشف في ما بعد أن شركة "التابلاين" كانت خلفه. ولقد توالت الانقلابات العسكرية للاستيلاء على السلطة في دمشق على امتداد عشر سنوات، حتى إقامة دولة الوحدة بين مصر وسورية. وساد في تلك الفترة تعبير "تصبح على انقلاب" للسخرية من العمليات الانقلابية التي لا تتطلب الواحدة منها أكثر من السيطرة على رئاسة الأركان والقصر الجمهوري والإذاعة الرسمية، التي لم يكن هناك غيرها كوسيلة إعلام عمومية. لقد أعطت المحاولة الانقلابية البائسة في تركيا شرعية إضافية لنظام أردوغان الذي تبين أن خصومه أقوياء في الجيش كما في القضاء وهيئات التدريس والطلاب، في الجامعات كما في المدارس. ما يعني أن الملياردير المعارض المنفي (في الولايات المتحدة) له حزبه المنظم، هو الآخر، والمنتشر في مختلف أنحاء تركيا ومختلف المؤسسات العسكرية والمدنية.
على هذا يمكن القول إن هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة قد وضعت نقطة النهاية لأسطورة الجيش المنقذ، خصوصاً أن تاريخ الانقلابات العسكرية في تركيا قد أوصلها إلى حافة الإفلاس وافتقاد الدور في المنطقة، كما على المستوى الدولي.
في المقابل، فإن التسرع والارتجال في وسائل الإعلام المصرية، وخروج الصحف جميعاً ـ بعد التلفزة ـ تبشر بنجاح الانقلاب كان سقطة شنيعة، خصوصاً أن أجهزة أردوغان الأمنية كانت قد اعتقلت الرؤوس المدبرة واندفعت في طول البلاد وعرضها تطارد وتعتقل ـ وبطريقة فظة وشرسة ـ القضاة وكبار الضباط والأساتذة الجامعيين والمسؤولين عن الجمعيات الخيرية والمدارس التابعة لغولين، الذي تلح أنقره على السلطات الأميركية بضرورة تسليمه لها.
باختصار: لقد كشف مشروع الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا الأوضاع العامة في دول المنطقة جميعاً، ولا سيما علاقة أنظمتها بشعوبها، واستطراداً موقفها من الديموقراطية... ومن الشعار الديني.
من الصعب الافتراض أن تأييد العديد من الأنظمة العربية، لا سيما في دول النفط، حكم أردوغان في تركيا هو تأييد لـ "الإخوان المسلمينط الذين تطاردهم معظم دول الخليج العربي (باستثناء قطر، لأسباب تخصّ حاكمها).
لافت أن يبلغ هذا "التعاطف العربي" مــع تركيا ذروتــه متزامناً مع "المصالحة" التي اندفعت إليها حكومة أردوغان مع إسرائيل، متجاوزة مذبحة السفينة "مرمرة" التي كانت تنقل مساعدات إنسانية (أدوية وأطباء وممرضات وبعض المؤن) لأهالي غزة التي كانت (وما تزال) تحاصرها قوات الاحتلال الإسرائيلي براً وبحراً وجواً.
ألا يستحق هذا القبول الرسمي العربي، ومعه القبول الرسمي الإسرائيلي، وكلاهما يقارب التحالف مع حكم أردوغان "الإخواني" في تركيا، التــوقف أمـــامــه ـ ولو قليلاً ـ لمحاولة تفسيره، بكل الملابسات التي يطرحها؟
ما الذي يجمع بين حاكم تركيا "الإخواني" وحكام السعودية الوهابيين (المعادين لـ "الإخوان") وشيوخ إمارات الخليج المعادين لأي حزب أو تحزّب، لا سيما مَن كان شعاره إسلامياً يتضمن طعناً بإسلامية الدول الأخرى، حتى تلك التي تزعم أنها تحــكم بالشرع الإسلامي والتبعية للغرب الأميركي خاصة، وإسقاط العداوة عن إسرائيل؟
ثمّ إن فشل هذا الانقلاب قد منح أردوغان الفرصة التي كان يسعى إليها ليحكم بلاد الأناضول منفرداً، فيحل قيادات الجيوش ويتخلص من خصومه جميعاً بعنوان غولين ومؤسساته المدنية واختراقاته في القضاء والتعليم والجيش والطيران خاصة، ثمّ مدارسه المنتشرة في معظم أرجاء تركيا.
لقد كان رجب طيب أردوغان "سلطاناً" من قبل الانقلاب الفاشل، وها هو يقدم نفسه الآن على أنه المنقذ ومتمم رسالة أتاتورك وحامي ديار المسلمين، وصولاً إلى الديار المقدسة، ولسوف تأتيه الهبات والشرهات والإعانات والتسهيلات التي يمكنها أن تحمي الاقتصاد التركي من الانهيار بغير طلب.
لكن السؤال الذي سيبقى معلقاً حتى إشعار آخر هو: أي تركيا ستكون بعد الانقلاب الدموي على الانقلاب الفاشل، وأي دور سيكون لها ولأردوغان في المنطقة بعد هذه الانتكاسة التي ربما أظهرته قوياً، في حين أنها أضعفت تركيا كثيراً وكشفت قمعية النظام فيها، أكثر مما لو نجح الانقلاب الفاشل! |
||||||||
|