الإعلام تايم- السفير أقصر القمم العربية وأكثرها بعداً جغرافياً. وكأن التاريخ يعيد نفسه. كلما اجتمعوا انتكسنا. وكلما أصدروا بيانا أو تبنوا إعلانا من عاصمة عربية، انهالت على أمتنا الويلات. وكلما قالوا بتحرير فلسطين، كلما بادروا إلى معاهدات صلح وتفاوض. وكلما قالوا اجنح إلى السلم، كلما ابتلع العدو المزيد من أرضنا وحقوقنا.
وهكذا وصلت القمم العربية إلى حضيضها السياسي والشعبي المطلق. من مؤتمر قمة انشاص في العام 1946 في محاولة اولى لإنقاذ فلسطين، ثم في بيروت في العام 1956 بعد العدوان الثلاثي، وصولاً إلى قمة القاهرة في العام 1964 التي قررت تكليف أحمد الشقيري إعداد الشعب الفلسطيني لمواجهة الاحتلال، ثم قمة الاسكندرية من بعدها لتحرير فلسطين عاجلاً أو آجلا وتأييد تأسييس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني ومؤتمر "لاءات الخرطوم" في العام 1967. وما تلى هذه القمم لم يكن أحسن حالاً، فمن انهيار إلى آخر، ومن مساومة إلى تنازل، وإلى مبادرات عربية متتالية تقابلها إسرائيل بمزيد من الدم والاحتلال. وصرنا الآن "ننفتح" على العدو بالتنسيق الأمني والسياسي والأكاديمي ونأمل استضافتهم في عواصمنا .. وآخرها الرياض!
مشكورة موريتانيا أن بادرت إلى تلقف المهمة المفاجئة التي ألقيت على عاتقها لاستضافة القمة، وهي بالتأكيد، كما استشعرت طويلاً غياب العرب عنها، استشعرت بفداحة النيران التي تلتهم المشهد العربي في صورته الواسعة، ولا تلام بالتالي على هزالة الاجتماع ولا مقرراته البائسة، وغالبية الدول العربية ساقطة في متاهات الأمن والانقسام والعوز.. أو العمالة، حتى لتبدو قمة انشاص قبل 70 سنة صورة زاهية عن حال العرب وقوتهم!
ولهذا، ربما تكون القمة العربية الأولى والأخيرة التي تستضيفها موريتانيا التي لم يمض على انضمامها للجامعة العربية أكثر من ثلاثة وأربعين عاماً.
وبمعزل عن بيان ختامي كتبه أهل الخليج في ديوانياتهم، قبل وصولهم الى موريتانيا، و "إعلان" صار شبه تقليد ليس بمضمونه المكرر بل في عدم اقتران القول بالفعل عربياً، وبمعزل عن خطابات بدت مملة وممجوجة، فإن القمة بدت وكأنها مسروقة، شكلاً ومضموناً، بدليل أن من حضر من قادة العرب، كأميري قطر والكويت، وغيرهما من ممثلي الدول، أعطوا الأوامر بعدم إطفاء محركات طائراتهم، فكان أن ألقوا كلماتهم وشاركوا في التقاط الصورة الرسمية وعادوا من خيمة القمة الى المطار مباشرة.
وهكذا، لم يكن منتظراً إلا أن تكون النتائج هزيلة لقمة الساعات السبع المبتورة الحضور والمناقشات برغم الجهد الجبار الذي بذلته موريتانيا لعقد القمة العربية السابعة والعشرين على أراضيها، بعد اعتذار المغاربة لأنهم لا يريدون أن يكونوا شهود زور "على توصيات عادية وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن العربي"!
شارك في القمة سبعة زعماء ورؤساء (الكويت وقطر واليمن وموريتانيا والسودان وجيبوتي وجزر القمر) وستة من رؤساء الحكومات ونواب الرؤساء، فيما تمثل باقي الدول بوزراء الخارجية، وانعقدت في خيمة بلاستيكية كبيرة قرب قصر المؤتمرات الذي لم ينته العمل به بعد، وفي ظروف بالغة التعبير كانقطاع الكهرباء والانترنت وتعذر الاتصالات وانقطاعها، فيما كانت البلاد تشهد مطراً صيفياً وحوادث معبرة على هامش القمة مثل إصابة أحد الوزراء العرب بنوبة قلبية مفاجئة.
غاب أكثر الزعماء العرب تأثيراً في سير المناقشات واتخاذ القرارات، بمن فيهم الرئيس السابق للقمة عبد الفتاح السيسي الذي لم يكلف نفسه عناء تسليم الراية لنظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي ألقى كلمة افتتاحية أعلن فيها استنكار بلاده للتدخلات الخارجية في الشؤون العربية. أما حضور الرئيس السوداني وأمير الكويت وأمير قطر والرئيس اليمني المختلف على شرعيته، فقد كان من باب اللياقة ومحاولة إثبات الحضور لا أكثر ولا أقل. أما الغائب الأكبر، فكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مع أن الموضوع الأساس للقمة، هو القضية الفلسطينية!
حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نأى بنفسه عن قضايا العرب وغاب عن القمة التي دُعي إلى حضورها وكلّف ممثله في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد تمثيله وإلقاء كلمة عنه.
وحده أمير الكويت المخضرم أضفى بحضوره على القمة تأثيراً لكنه بدا مشوباً بعجز بلده عن إنجاز المصالحة اليمنية وتقديم مبادرات في باقي الاتجاهات العربية والإقليمية. لكن الجو العربي الضاغط، ووجود أمين عام جديد للجامعة (أحمد أبو الغيط) مكبّل اليدين، لم يؤد إلى ما ينتظره الشارع العربي، برغم أن كلمته في افتتاح أعمال القمة أكدت وجوب التغيير الجذري في بنيان الجامعة العربية.
لبنان: الأولوية لقضية النازحين
وما كان متوقعاً ناله لبنان، وهو التضامن اللفظي في موضوع أزمة النازحين السوريين ومكافحة الارهاب، باعتباره موضوعاً يهم كل العرب وكل العالم، مرفقاً بالدعوة الى استقرار لبنان وانتخاب رئيس للجمهورية. أما الترجمة بالدعم المالي، فقد كان مصيرها "النأي بالنفس" عن موجباتها.
"إعلان نواكشوط"
ولم يتضمن "إعلان نواكشوط"، الصادر عن القمة العربية أي جديد يذكر في المواقف من القضايا المطروحة على جدول أعمال القمم المتتابعة.
ودعا الإعلان إلى "حل سياسي للأزمة السورية، يعتمد على مقومات الحفاظ على وحدة سورية ويصون استقلالها وكرامة شعبها".
كما أكد القادة العرب "دعم العراق في الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه ومساندته في مواجهته للجماعات الإرهابية وتحرير أراضيه من تنظيم داعش الإرهابي".
وأشاروا إلى التزامهم بانتهاج أنجح السبل العملية من أجل التصدي لكل التهديدات والمخاطر التي تواجه الأمن القومي العربي، من خلال تطوير آليات مكافحة الإرهاب أياً كانت صوره وتعزيز الأمن والسلم العربيين بنشر قيم السلام والوسطية والحوار ودرء ثقافة التطرف والغلو ودعايات الفتنة وإثارة الكراهية.
وأعادوا تأكيد "مركزية القضية الفلسطينية في عملنا العربي المشترك والمضي قدماً في دعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي الممنهج وتكريس الجهود كافة في سبيل حل شامل عادل ودائم يستند إلى مبادرة السلام العربية ومبادئ مدريد وقواعد القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة".
وطالبوا المجتمع الدولي بتنفيذ القرارات الدولية القاضية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب من كامل الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان العربي السوري والأراضي المحتلة في جنوب لبنان إلى حدود الرابع من يونيو 1967.
وشدد القادة العرب على ضرورة تجاوز الخلافات القائمة والتأسيس لعمل عربي بنّاء يراعي متغيرات المرحلة وتطلعات الشعب العربي وينطلق من التشبث بالطرق الودية في معالجة الأزمات العربية وبتحقيق المصالحة الوطنية وتسوية الاختلافات المرحلية، سداً لذريعة التدخل الأجنبي والمساس بالشؤون الداخلية للبلاد العربية.
وتحفظت كل من مصر والعراق وتونس عن إدانة "حزب الله" واتهامه بالإرهاب. |
||||||||
|