ألم نقل يوماً أنه زمنٌ سقطت فيه كل المحرمات… مجموعةٌ من المعارضين السوريين "المعتدلين" كما يصنّفهم داعموهم، يتباهون بقطعِ رأس طفلٍ كانت آخر أمنياته "شربة مي"… لكن ليس سكين الديمقراطية (السعو- عثمانية) فقط هي التي كانت أسرع من أمنياته، بل إن سكاكين التسويغ والتصدي للدفاع عن هؤلاء المجرمين بعناوين مختلفة كانت أسرع. أما داعية القتل الوهابية "محمد العريفي"- الذي دُعي يوماً ليُلقي محاضرةً في "جامعة حلب"- ذهب أبعد من التسويغ، إذ طلب من إخوانه المجاهدين عدم تصويرِ هكذا إعدامات. لكي لا يُساء فهمهم.. أي اقتلوا باسم الديمقراطية كما تشاؤون لكن إياكم والنشر!!
جريمةُ هؤلاء على فظاعتِها لا تساوي شيئاً أمام الجريمة البشعة التي ارتكبها سلاح الطيران الفرنسي في "ريف منبج"، تلك الجريمة التي ذهب ضحيتها مئات الأطفال والنساء بين شهيدٍ وجريح، والتسويغ جاهزٌ دائماً، إنها الحرب على "داعش". ما يُسمى بتحالف واشنطن حاول تسويغ الجريمة بادعاء الشعور بالأسف لسقوط الضحايا، وهو شعورٌ مشابه لمشاعر "توني بلير" الذي تسبب بمقتل مئات الآلاف في العراق. هولاند الذي لا يمر أسبوع إلا ويطلق تصريحاً يصبح من خلاله مثار سخرية للناطقين بالفرنسية تحديداً في "السوشيال ميديا"، لم ينجح فقط بإخفاء الجريمة عن الرأي العام الفرنسي، بل بدا واضحاً أن حكومة اليسار سعت عبر عناوين مبطَّنة للقول: إن من سقطوا هم عائلات الإرهابيين، وبالتأكيد فإن الرأي العام الفرنسي وبهذه الأجواء المشحونة سيتقبل أي أمرٍ مادام يحمل نكهة الثأر لضحاياه. هذا الرأي العام المشحون الذي بدا واضحاً أنه منفصل عن الواقع أكثر بكثير مما هي حالُ قيادته، فهل هذا الأمر بات شائعاً في الحالة الأوروبية عامةً أم إنه فقط يتركز في فرنسا التي ترى بنفسها خزاناً مختلطاً قابلاً للانفجار بأي لحظة؟
لكي نجيب على هذا السؤال، علينا عملياً انتظار ما ستقوم به حكومة "ميركل" لمواجهة تداعيات حادث ميونخ المأساوي، فالحكومة الألمانية تبدو اليوم في أسوأ أيامها، وهذا يعني أن التحديات القادمة في قضية اللاجئين وغيرها لن تكون سهلةً، تحديداً أن المعارضة الألمانية كانت أكثر حزماً من مثيلاتها في فرنسا بما يتعلق بقضية اللاجئين، وتحميل ميركل مسؤولية تشريع باب ألمانيا للمهاجرين، وبكل الأحوال فإن (اثنين من المهاجمين) فقط، دفعوا بميونخ لتصبح مدينة أشباح، والشرطة لإعلان حال الطوارئ. بالتأكيد هذا الأمر مسموحٌ في دولٍ تدّعي ولا يزال هناك من يصدقها بأنها تحمل راية الحرية وحقوق الإنسان في العالم، لكن في دولةٍ كسورية مثلاً فإن خروج الجيش للحرب على الإرهاب يصبح حسب شريعتهم الوضيعة انتهاكاً لحق إبداء الرأي. في كل الأحوال وبمعزلٍ إن كانت حكومة ميركل على غرار حكومة هولاند ستحمي ألمانيا بقصف المدنيين في سورية والعراق، أو بإعلان دعم المعارضة المعتدلة بمن فيهم ذابحو الطفل السوري، لكن هناك أسئلة لابد من الوقوف عندها:
من المسؤول عن كل هذا، هل حقاً أن لأردوغان مصلحة في ضرب العمق الأوروبي عبر تسهيل دخول الجهاديين تحت مسمى "لاجئين"، تحديداً إن جميع العمليات حتى الآن ليس فيها متورطٌ واحد من الذين هاجروا في الأعوام الأخيرة، فهل إن دور الإرهابيين الذين مروا لأوروبا هو التجنيد والتخطيط نظراً للخبرة التي اكتسبوها في سورية والعراق، أم إن هذه العمليات تبدو بأهدافٍ أبعد بكثير مما يتم الترويج لها، لعل أولها تفجير أوروبا من الداخل؟!
هذه الأسئلة تبدو بجوابٍ واضح:
هذه المقاربة توحي لنا بأن أفق الحل بالتفاهم بين الروس والأمريكيين لا يزال بعيداً، وكل التفاهمات التي سيتم الإعلان عنها ستكون صورةً عن الاتفاقيات والتفاهمات السابقة، فلا السوريون ومن خلفهم الحلفاء سيقبلون بصيغٍ تُشرعن الإرهاب أو تقوننه، ولا الولايات المتحدة مضطرة للتنازل قيد أنملةٍ ولا التراجع ما دامت لا تخسر، حتى في تركيا فهي سارعت لحماية أردوغان من السقوط، بل إن "جو بايدن" ذهب أبعد من ذلك عندما دافع عن أردوغان متحدثاً عن ضرورة حماية القيم الديمقراطية من خلال زج الآلاف في السجون وقتل وسحل عناصر الجيش التركي وطرد عشرات الآلاف من عملهم، كل ذلك في سبيل حماية القيم الديمقراطية. لكن علينا هنا أن نتذكر أن الأمريكيين ساروا على نهج الفرنسيين في تركيا عندما حذروا رعاياهم من هجماتٍ محتملةٍ في مملكة القهر، ترى ماذا يخطط الأمريكيون، وهل إن وقع انقلابٌ في المملكة وتم سحقه فسيقول "بايدن" أيضاً علينا الدفاع عن القيم الديمقراطية في المملكة! ربما، فمن يتبنَّ "النصرة" يدافع عن "آل سعود"، فلا فرق والنتيجة واحدة: إن قالوا في السابق: إن "المتغطي بالأمريكان عريان"، فاليوم نقول إن من يثق بالأمريكيين أو برغبتهم في الحل… سينتظر طويلاً… |
||||||||
|