حوارات ولقاءات

القوة الناعمة لغزو الشعوب.. ماذا نحن فاعلون؟؟


ربى شلهوب - الإعلام تايم 

 

في ظل الانفتاح الكبير الذي يشهده عالمنا اليوم، وفي ظل الثورة التقنية التي جعلت العالم قرية صغيرة نستطيع من خلالها التنقل من مكان إلى أخر دون عناء لنتعرف على حضارات الأُمم وثقافاتهم المتنوعة عبر تقنيات الاتصال الحديثة، وفي ظل إعلام تتحكم فيه قوى خارجية داعمة تهدف  لتشويه تصورات الناس تارة، وتزيين بضاعتها الزائفة تارة أخرى جاءنا غزو جديد بقوة ناعمة  يمكن أن نسميه "الغزو الثقافي"، فكيف يمكن لنا أن نحمي مورثنا الحضاري وتاريخنا من هذا الغزو؟!

 

ما هي "القوة الناعمة"  ؟

 

عرف رئيس قسم العلوم النظرية في المعهد العالي للموسيقا بدمشق الاستاذ حسام الدين بريمو مؤسس فرقة لونا للغناء الجماعي " الغزو الثقافي من مفهومه الذي قد لا ينطبق  مع فهم الآخر " هو أن أحببك بنوع لا ينسجم مع موروثك الفكري والبيئي والاجتماعي والأخلاقي وألغي عندك نوعاً ينسجم مع بيئتك"

وأضاف بريمو في حديث مع موقع  "الإعلام تايم" التبادل الثقافي الذي تم بين شعوب الأرض مؤثر، فأغنية من شعب يحبها شعب أخر هذا شيء مشروع لكن اليوم المستفيدين من هذه الظاهرة يحاولون من خلالها السيطرة على شعوب أخرى فهم يستخدموه مثل الطعم .. فالغزو الثقافي يتم من خلال منظومة موسيقية كاملة توجه لشعب معين من أجل خلق حالة معينة عنده ومع الوقت وبفعل " التراكم الهادئ" يصلون إلى ما اسميناه الغزو الثقافي.

الغزو الثقافي والعسكري

 

أكد بريمو أن كلاً من الغزو الثقافي والعسكري له مخاطره، فالغزو العسكري يقتلنا ويقتل أمتنا، فلو استرجعنا تاريخ سورية من الألف الرابع قبل الميلاد إلى اليوم، لا توجد منطقة في العالم تعرضت للغزو كما تعرضت منطقتنا، ورغم ذلك لم نتلوث من الداخل ولازلنا إلى اليوم ذلك الإنسان السوري الذي أهدى الحرف والدولاب والنغم والفكر  .

 

فهم منذ 6 آلاف سنة يحاولون تدميرنا بالطرق العسكرية، إلى أن ادركوا أن هذه الطريقة لا تنفع، فبدأوا بتدميرنا من الداخل بالغزو الثقافي، فهم إن نجحوا به ينفع، لذلك نحن اليوم نقتل ونشرذم وتقسم أراضينا ولكن أهم من هذا كله أن لا يموت فينا ما ورثناه في داخلنا عن أجدادنا.

 

الإعلام ودوره التصدي للغزو الثقافي؟؟

 

أشار بريمو الى أن "إعلامنا لن يكون دوره كافياً في زمن الإعلام المفتوح،  لكن هذا لا يعني أنه ليس له دور، فاليوم يوجد أكثر من 2000 قناة مقابل 5 قنوات سورية التي تحاول بعضها ترسيخ الموسيقى العربية بآذهان الناشئة من أجل إكمال الرسالة ، وأضاف:" الإعلام يستطيع أن يلعب دوراً لكن لا أستطيع أن أحمل الإعلام الجزء الأكبر من المسؤولية، فالمسؤولية الأكبر تقع على وزارة التربية، فحصة الموسيقى في المدرسة أهم من كل العلوم لأن الموسيقى هي التي تمس الإنسان بصميمه، أما بقية المواد تمس الإنسان بمعلوماته، مؤكداً أن " الموسيقى تهذب الروح فمن يسمع للموسيقى لا يمكن أن يتحول إلى قاطع رؤوس، فمن قطع رأس الطفل في حلب لا يوجد في قلبه حب ولا جمال، فهم يعيشون البشاعة والحقد والكره، فالموسيقى تصنع إنساناً صالحاً وباقي العلوم تصنع إنساناً ناجحاً".

 

وأضاف بريمو "إذا لم تبدأ المؤسسة التربوية باعتبار الموسيقى الحصن الحصين للجيل، كي لا ينجرف إلى ما انجرف إليه في الماضي و تهتم بالموسيقى على أنها محصنة سوف نحصد جيلاً يشبه ما حصدنا في ازمتنا"، فعلينا أن نكون أقوياء كما الآخر لجذب جيل الشباب لحمايتهم .

 

من هو الغازي؟

 

أكد بريمو أن "هذه المنطقة "سورية" وهذا الشعب محسود منذ القدم، فنحن أغنياء بتاريخنا وتراثنا، فأنا لا استطيع توجيه إصبع اتهام بل عشرات أصابع الاتهام بالغزو الثقافي، لذا لن أوجه أي اصبع بل اوجه طلب إلى من يستطيع محاربة الغزو الثقافي، لمن لديه المقدرة على التحصين الداخلي ضد هذا الغزو الثقافي.

 

وأضاف بريمو "نحن اليوم لا نريد توجيه إصبع الاتهام بل نريد تحصين أنفسنا، فتوجيه إصبع الاتهام يشبه التنصل من المسؤولية، فاليوم على الأرض عسكرياً لدي أكثر من 80 جنسية يقومون بقتل الإنسان السوري، ولدي 10 أصابع!!".

 

لسنا رجعيين ولكننا نحافظ على ما هو جيد لنا .. هذا ما أكده بريمو خلال لقاءنا معه "نحن جاهزون للإنفتاح، لكن الانفتاح موضوع وفقدان الهوية موضوع أخر، فالهدف الأساس من الغزو الثقافي هو محو الهوية الأصلية لهذا الإنسان الذي يمتلك موروثاً غنياً وإلباسه هوية مغايرة عن هوية الأصلية، في محاولة منه لتحويلنا من أمة غنية إلى أمة أخرى، هي عملية " فقد وإفقار".

 

دور الفنان السوري

ووجه بريمو  رسالة للفنان السوري للانطلاق "فالفنان السوري يحمل مسؤولية كوزارة الإعلام والتربية ، في تنمية الوطن، فعليه أن ينقل الموسيقى التي يعرفها للآخرين وحب الموسيقى للآخرين وإلا تحول ذلك الموسيقي إلى "مزيكاتي".

 

وفي سياق الحديث أكد بريمو على أهمية فرق الكورال في نقل الموسيقى ودورها في التربية التنموية " القضية ليست موسيقى وليست غناء بل القضية وطنية تربوية تنموية بامتياز ،تصنعها الموسيقى من جهة والكورال من جهة أخرى، مضيفاً "أن تعلم الموسيقى لشخص هو جيد،  ولكن أن تجعل مجموعة تغني بنفس اللحظة والحرف والقوة، هنا بدأت بتشكيل أمة متحدة متراصة مترابطة منسجمة، وأن تجمع مجموعة من الأشخاص وتجعل كل جزء منهم يغني لحناً مختلفاً عن الآخر، ولكن منسجم معه فأنت تشكل عند هؤولاء إحساساً أنه ليس من الضروري أن تكون متطابقاً مع الآخر، من الممكن أن تكون مختلفاً عنه وليس مخالفاً معه  فالاختلاف غنى و الخلاف مصيبة فتحويل الاختلاف لخلاف سهل جداً ولكن تحويل الاختلاف لجمال فهي قضية مهمة لصناعة المواطن،  فالكورال يعلم قبول الآخر بل وأيضاً السعي معه لخير الوطن، فالعملية وطنية تنموية تربوية بامتياز ترتكز على موضوع الغناء والموسيقى لتحصين البلد من أي نوع من أنواع الغزو الذي من ضمنها الغزو الثقافي ومحاربته.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=43&id=37353