وجهات نظر

محاولة "الفرصة الأخيرة"

عبد المنعم علي عيسى


الإعلام تايم - الوطن السورية


لم يكن استباق دمشق لأي نتائج كان يمكن أن يفضي إليها لقاء جون كيري بنظيره، ثم بالرئيس الروسي ناجماً عن شعور بالقلق قد يكون نابعاً من تحول روسي ما يفتح الطريق أمام صفقة روسية أميركية روج لها العديد من وسائل الإعلام خصوصاً الأميركية منها، وعندما أجاب الرئيس الأسد الصحفي الأميركي بيل نيلي عن تساؤل بهذا الخصوص كان يعني ما يقول ولم يتردد في أن يجيب بأنه يستبعد حصول أي صفقة روسية أميركية على حساب سورية أو على حساب النظام تتضمن خروجه من السلطة كان الصحفي الأميركي مندوب الـ"إن بي سي" بسؤاله ذلك يلمح إلى ما كانت قد نشرته صحيفة الواشنطن بوست عشية زيارة كيري لموسكو وكذلك عشية لقائه الرئيس الأسد فقد نشرت الصحيفة تقريراً مطولاً ( صفحات قالت إنه يمثل صورة طبق الأصل للعرض الذي يحمله الوزير الأميركي إلى موسكو التي زارها 14/7/2016 لربما كانت الأرضية التي صيغ على أساسها العرض الأميركي الذي جاء تصعيدياً كما لم يكن منذ سنتين على الأقل، تقوم أساساً على رؤية أميركية تفترض وقوع موسكو تحت ضغط عمليات الاستنزاف في سورية وهو أمر سوف يدفع بحسب الرؤية الأميركية بهذه الأخيرة للقبول بنوع كهذا من السيناريوهات التي يمكن أن تعرض عليها، وهي ستندفع أكثر في حال وجود حبل إنقاذ وخصوصاً إذا ما كان في نهاية هذا الأخير قطعة حلوى كبيرة، الأمر الذي حرصت واشنطن على تضمينه داخل العرض الذي حمله الوزير كيري إلى القادة الروس.

 


احتوى العرض الأميركي على بنود –وتفرعات- عديدة إلا أن أبرز ما فيها كان أربعة بنود يمكن لنا عرضها – بتصرف – وإيجاز على النحو التالي:


البند الأول: وضع آليات مراقبة روسية- أميركية غير مسبوقة عبر إنشاء غرفة تنفيذ مشتركة تكون بمنزلة قيادة عليا للعمليات العسكرية الجارية على الأرض السورية بما فيها تلك التي ينفذها الجيش السوري بما فيه سلاح الجو، ومن الواضح أن هذا الطرح يعني عمليات إقامة مناطق حظر جوي دونما حاجة إلى إعلان مسبق عنها ودونما حاجة إلى تكاليف –ووسائل رادعة- باهظة التكاليف.

 


البند الثاني: وضع خريطة للعمليات العسكرية على كامل الجغرافية السورية وفيها يتم تحديد "المناطق المحددة" وفق توصيف الوثيقة والمقصود بها تلك المناطق التي تحتوي وجوداً كثيفاً لجبهة النصرة وتنظيم داعش أما معنى الوجود الكثيف فهو تلك المناطق التي تحوي وجوداً يزيد على 50 مقاتلاً من تلك التنظيمات، ولا ندري كيف ستتم عمليات تحديد العدد بتلك الدقة المطلوبة في ظل اعتماد الفصائل العائدة لتلك التنظيمات على استراتيجية الأنفاق تجنباً لاستهداف سلاح الجو، أيضاً لا ندري كيف سيكون الرد الأميركي إذا ما جاء رد جبهة النصرة و"داعش" على موضوع "المناطق المحددة"، باتباع تكتيك يذهب إلى تقسيم الكتائب إلى مجموعات قتالية صغيرة العدد لا يتجاوز عددها الـ40 مقاتلاً حيث سيكون من السهل على تلك المجموعات إعادة التحامها بمجرد صدور القرار بذلك ما دامت تملك أحدث أجهزة الاتصال وكذلك أحدث سيارات الدفع الرباعي.

 


البند الثالث: وضع روزنامة تطبيقية تبدأ منذ لحظة التوافق المفترضة على العرض على أن يتبعها إطلاق للعملية السياسية بعدما تكون هذه الأخيرة قد حظيت بدعم روسي- أميركي كبير توصي الوثيقة بإطلاق تلك العملية 31 تموز 2016


البند الرابع: الاستمرار في دعم الهدنة الدائمة والعمل على تطويرها لتشمل مساحة البلاد برمتها وفي هذه الأثناء تسير العملية السياسية بالتزامن معها، وفي هذا البند بالذات هناك الكثير من الفروع والتشعبات مثل تحديد خطوط الانتشار ثم تنظيم تدفق الأسلحة إلى الداخل السوري في حركة التفافية على القرار 2253 (17/12/2015) الذي يدعو إلى وقف تزويد المجموعات المسلحة بالأسلحة، ما يعني أن العرض الأميركي يساوي تماماً بين الجيش السوري وبين تلك المجموعات كما يتضمن هذا البند فرعاً على درجة عالية من الأهمية فهو يدعو صراحة إلى تقييد سلاح الجو السوري الذي سيكون لزاماً عليه الإبلاغ عن أي عمل سيقوم به ولو نشر طائرات إلى غرفة تنفيذ العمليات قبل 24 ساعة على أقل تقدير.


لربما تكفي هذه البنود الأربعة السابقة لتكوين صورة شاملة للعرض الأميركي الذي يعني ببساطة نسفاً كاملاً لكل ما حققه الجيش السوري على امتداد عام كامل بما فيها عاصفة السوخوي (30/9/2015- 15/3/2016) والموافقة الروسية عليه تعني تسليماً بلا شروط بهزيمة المشروع الروسي في سورية والمنطقة برمتها، كما يحمل العرض بين ثناياه تحديداً لمصير النظام السوري الذي يسعى إلى إسقاطه لكن بشكل تدريجي عبر ربط الهدنة الدائمة بعملية انتقال سياسي متزامنة مع القرار 2254 فهو يوصي بضرورة إجراء عمليات إعادة هيكلة جذرية لقوى الأمن والجيش السوريين في غضون العملية السابقة، هذه الآلية تقرأ على أنها أشبه بتعريض النظام لصدمات متقطعة محسوبة التوقيت بشكل مقصود.


أما قطعة الحلوى الأميركية التي يحملها العرض لموسكو فهي تتمثل بتسليمها رأس جبهة النصرة على طبق من ذهب لتفعل به ما تشاء بعدما تكون أميركا قد استأثرت بسورية التي ستكون قد جاءتها على طبق من الماس لتفعل هي الأخرى بها كما تشاء والسؤال البديهي الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا هذا التصعيد الأميركي في الوقت الذي تلوح فيه في الأفق عشرات المؤشرات الإقليمية والدولية التي تصب جميعها في خانة الانفتاح على دمشق بدءاً من "احتمال" التقارب التركي- السوري مروراً بانضمام إجباري لكل من الرياض وأنقرة للحرب على الإرهاب بعد الأحداث الدامية التي عصفت ببلديهما الشهر المنصرم وصولاً إلى ازدحام الخطوط الجوية الموصلة ما بين دمشق وشتى العواصم الأوروبية؟


لا يمكن لواشنطن التفكير بتسليم "جبهة النصرة" إلى روسيا أو رفع المظلة الأميركية عنها إلا بعد ضمان عدد من المطالب الأميركية بعضها من ذوي السقوف المرتفعة، فالنصرة باتت اليوم الورقة الرابحة الوحيدة –تقريباً- في الداخل السوري بعدما أفل نجم الائتلاف السوري المعارض سياسياً وعسكرياً وبعدما أُبعدت جميع الفصائل التي تدور في محيطه أو محيط الاعتدال لمصلحة بروز قوتين أساسيتين هما الوحدات الكردية والتنظيمات الجهادية المتطرفة، كما لا يمكن لواشنطن أن تترك الحبل على غاربة كما يقول المثل العربي في عمليات الانفتاح على دمشق السابقة الذكر، فدون ذلك أثمان ومطالب وهي عمليات الانفتاح إذا ما سارت خارج الهداية الأميركية فإنها ستضيع الكثير من تلك الأثمان أو تلك المطالب ولذا فإن الخيار الوحيد أمام واشنطن هو العودة للإمساك بزمام العديد من مفاتيح الأزمة وبالتالي مفاتيح الحلول الأمر الذي يحققه هذا التصعيد الأميركي الذي ظهر مؤخراً.


وفي النتائج فإنه من الصعب القول إن موسكو قد أعطت موافقة ولو مبدئية)على العرض الأميركي بل ولا حتى الموافقة على تجزئة هذا الأخير كمدخل للوصول إلى توافقات لا يمكن الوصول إليها إلا عبر هذه العملية التجزئة، وما زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم المرتقبة إلى موسكو نهاية تموز الجاري إلا دليل على أن التشاور مع دمشق سيكون المدخل الأساس لاتخاذ أي قرار روسي فيما يخص الأزمة السورية، ولربما جاءت نبوءة الواشنطن بوست صادقة في تسمية العرض الأميركي الذي حمله جون كيري معه إلى موسكو بالمحاولة الأخيرة التي يمكن لها أن تحدث قبيل أن يخرج باراك أوباما من البيت الأبيض 20/1/2017 ولربما –أيضاً- نبوءة الصحفي الأميركي "بيل نيلي" الذي ارتأى بشكل مبطن أن حظوظ العرض الأميركي ضعيفة بالنجاح عندما سأل الرئيس الأسد: طالب باراك أوباما وعلى مدار خمس سنوات متواصلة برحيلك عن السلطة في دمشق وها هو على أعتاب الرحيل عن البيت الأبيض بينما أنت لا تزال باقياً في منصبك.. هل انتصرت؟.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37157