وجهات نظر

هل تستكمل واشنطن الاستدارة..!؟

عبد السلام حجاب


الإعلام تايم - الوطن السورية

 

لا شك بأن جريمة الدهس الجماعي المدانة التي تبناها لاحقاً تنظيم "داعش" الإرهابي وراح ضحيتها 84 مواطناً فرنسيا وغير فرنسي في أحد شوارع مدينة نيس الساحلية وما أعلنته وكالة أنباء الأناضول الرسمية عن مقتل 90 شخصاً وإصابة 1154 آخرين واعتقال المئات من العسكريين المشاركين بالانقلاب وعاشته مدينتا أنقرة وإسطنبول منذ ليل الجمعة الفائت وما يزال يلف الغموض أسراره وتداعياته حتى قال مراقبون: "إن تركيا بعد الانقلاب لن تكون كما قبله وقالت الخارجية الروسية: «إن احتدام الأوضاع في تركيا يشكل خطراً على الاستقرار الدولي والإقليمي"!؟ إذاً هما حدثان رغم الفارق النوعي بينهما وأهداف كل منهما، إلا أنهما سيرميان بأثقالهما فوق طاولة اجتماع وزراء دفاع الدول المشاركة فيما يسمى التحالف ضد "تنظيم داعش" في العشرين من الجاري بالقرب من واشنطن بعد عام على انعقاده الأول في بروكسل.


وبحكم البديهي ألا يتم حضور روسيا هذا الاجتماع لأسباب بينها:
- لقد أسقطت موسكو واقعياً بمشاركتها الشرعية إلى جانب سورية في محاربة الإرهاب أقنعة عديدة أرادت نصب شباكها السياسية والجيوسياسية لتحقيق مكاسب لتحالف الإرهاب
- إن روسيا ليست في ناتو ولا مع توجهات تحالف مزدوج المعايير في السياسة وانتقائي ذرائعي في محاربة الإرهاب
- ليس منطقياً أن تكون موسكو شاهداً على رسم سياسات قادمة ووضع صيغ مرمزة لمداراة التفاصيل الشيطانية غير المستعجلة التي تعيق الاستدارة الأميركية، قبيل موعد الانتخابات الرئاسية، لكن السؤال المنطقي لماذا يستبق الوزير كيري اجتماع واشنطن منحياً جانباً دبلوماسية الهاتف المعتمدة مع الوزير لافروف فيحضر إلى موسكو لملاقاة الرئيس بوتين ويعقد محادثات استكملها بتفاصيلها مع نظيره لافروف وامتدت لساعات طويلة إذا لم يكن في جعبته مسألتان رئيسيتان:
- أشكال التعاون الفعال في محاربة الإرهاب من دون انتقائية وتنفيذ القرار 2253
- سبل دفع جهود استئناف العملية السياسية لمحادثات السوريين في جنيف بحسب قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وعدم السماح بطرح شروط استفزازية مسبقة تقف وراءها وتغذيها أطراف سعودية وتركية وقطرية وضعت رهاناتها وطموحاتها في سلة الإرهاب الذي أصبح خطراً يهدد الجميع، وهو ما أشار إليه الوزير لافروف في مستهل لقائه مع كيري قائلاً: إن "العملية الإرهابية في نيس ستفعل التعاون بين روسيا والولايات المتحدة بشأن سورية، وأعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأميركي أن واشنطن وموسكو اتفقتا على محاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين بلا هوادة".


وليس بعيداً عن فحوى المحادثات واللقاء مع الرئيس بوتين فقد تلقى الوزير كيري مغزى إشارة الرئيس أوباما لن نتخلى عن الدبلوماسية لتسوية الأزمة في سورية وكان الرئيس بوتين قال مستبقاً لقاءه مع الوزير كيري مكالمتي الأخيرة مع الرئيس الأميركي أوباما تعزز ثقتي بتحقيق تقدم على طريق حل الأزمة في سورية.
لكن ذلك، رغم أهميته، فإنه لا يمنع من طرح السؤال مجدداً، هل تسعى واشنطن لاستكمال استدارة سياسية بدأتها في موسكو ومعها. أم إنها ستبقى في مربع التفاصيل الشيطانية الأول وما تقدمه نماذجه المستنسخة عن جذر واحد للإرهاب في نيس وأورلاندو وبروكسل وباريس ومطار أتاتورك ناهيك بما يحدث من جرائم إرهابية في مدن سورية وعراقية ومناطق أخرى؟ لتبقى المشكلة قائمة في أن الولايات المتحدة لا تمتلك إرادة إلحاق الهزيمة بالإرهابيين بل إرادة السيطرة عليهم واستخدامهم كورقة وليس هذا مستغرباً أو مفاجئاً لأحد إذ إن الأميركيين يدركون أنه إذا توقف دعم تركيا وقطر والسعودية للإرهابيين فإن الجيش العربي السوري سيكسب الحرب على الإرهاب في بضعة أشهر، وهو الأمر الذي يضع اجتماع واشنطن بعد أيام على المحك وغالباً ما كان المسؤولون الأميركيون يقولون شيئاً ويفعلون عكسه وسرعان ما يلتحق بهم ساسة الغرب الاستعماري والتابعون في المنطقة والإقليم.


ولعل ثقل الأحداث الجارية وتداعياتها غير المحسوبة، والقضايا الساخنة على صفيح الإرهاب التي سوف تواجه المجتمعين في واشنطن تقودهم بحكم شروط الضرورة إلى خيارات قد تتوحد مع الجهد السوري والروسي في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه عسكرياً واستئصاله فكرياً من جذوره الوهابية والإخوانية، وليس مداراته وتعويم تنظيماته الإرهابية بتعدد أسمائها خدمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد وقاعدته مصالح الكيان الإسرائيلي
استنتاجاً، فإنه لا يمكن التأكد من أن محادثات كيري في موسكو، يمكن أن تحمل مؤشرات وخطوات لم يفصح عنها سواء في محاربة الإرهاب على قاعدة شرعية سورية ودولية أو لجهة استئناف العملية السياسية في جنيف، ولا يخفى أن الفرق شاسع بين المبدئية الروسية وسياسة الصفقات الأميركية التي يتلكأ بموجبها دي ميستورا؟
ولعله، واقعياً، إذا كان نظام أردوغان مشلول الحركة بسبب تداعيات الانقلاب وفشله الملتبس حتى إشعار آخر، وأن فرنسا مصابة ومكبلة بصفقات رئيسها هولاند مع حكام بني سعود ومشيخة قطر، فإن احتمالاً يمكن أن يشكل عاملاً تكتيكياً مساعداً لأميركا في أحد اتجاهين..
إما استكمال الاستدارة نحو التعاون مع الروس كما بحثه كيري في موسكو وهو أمر ممكن
وإما أن يتم استثماره لمصلحة أجندات أميركية لتحقيق مكاسب سياسية في سورية والعراق واليمن وأوكرانيا، وربما إستراتيجياً باتجاه الصين وإيران، وهو مغامرة!؟
ما يعني أن الانتظار على مهبط التوقعات يملك حضوراً لكنه غير مبرر في وقت المصالح الأميركية وما يقتضيه من كبح للتفاصيل الشيطانية.


وعليه فإن سورية جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد تجد بالتقدم إلى الأمام للقضاء على الإرهاب وتحرير كل شبر من الأراضي السورية، مسؤولية وطنية تتصدى لتحمل أعبائها بدعم روسي وإيراني وصيني ومن المقاومة اللبنانية وشرعية من السوريين ليس دفاعاً من الحقوق الوطنية السيادية وحسب بل دفاع عن العالم والشرعية الدولية في محاربة الإرهاب، ويمكن لأعداء سورية انتظار أحلامهم وترجمة أجنداتهم في عالم آخر.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37113