نافذة على الصحافة

من هو "الدرويش الغاضب" الذي كاد أن يطيح بأردوغان؟


الاعلام تايم_مواقع إخبارية
"فتح الله كولن"، داعية إسلامي صوفي، تزعم حركة الخدمة في تركيا في مواجهة حزب العدالة والتنمية الإخواني، وقد لاقت حركته انتشاراً واسعاً في تركيا، كونها فكراً صوفياً روحياً، وتنحاز إلى قومية الدولة التركية، في مواجهة فكرة استعادة أمجاد الدولة العثمانية، التي يتبناها حزب العدالة والتنمية الحاكم.

واشتد الصراع بين حركة الخدمة الكولونية، وحزب العدالة والتنمية منذ العام 2010، وتطور الخلاف إلى لجوء فتح كولن سياسياً إلى أمريكا، ليأخذ الصراع بعداً جديداً، بانقلاب الجيش التركي على حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

ولد "كولن" في قرية بمحافظة أرضروم شرق البلاد يوم 27 أبريل 1941، وتلقى تعليماً دينياً منذ صباه، إضافة لعلم الفلسفة وغيرها، كما اطلع على الثقافة الغربية وأفكارها وفلسفاتها إلى جانب الفلسفة الشرقية.

وفي أثناء دراسته، تعرف على رسائل النور التي ألفها سعيد النورسي (أحد أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في عصره)، وتأثر بكتاباته وسيرته الشخصية حتى أنه عزف عن الزواج تشبهاً به وتفرغاً للدعوة.

هناك أسباب عديدة للخلافات الحالية القائمة بين حركة كولن وحكومة حزب العدالة والتنمية المحافظ بزعامة رجب طيب اردوغان: إذ عملت هذه الحركة على توسيع نفوذها في أجهزة الدولة وربما أكثر بكثير مما تسمح لها به الحكومة. وفي الوقت نفسه لا تتكوّن حركة كولن فقط من العاملين في المدارس والكوادر الإدارية، بل كذلك أيضاً من رجال أعمال يرغبون في جني المزيد من الأرباح من ثمار الدولة -أي من المناقصات والأشغال الحكومية ومن تخصيص الأراضي لغرض البناء أو كذلك من برامج دعم التجارة الخارجية-. وهذا يعني أنَّ هناك الكثير من الثروة التي يمكن توزيعها، وحول هذه الثروة اختلف الطرفان أيضاً إلى حدّ ما.

من الناحية الإيديولوجية، لا توجد بينها (كولن - أردوغان) تقريباً أية اختلافات. وكذلك توجد لديهما هوية إسلامية قوية وتوجّهاتهما الاجتماعية والأخلاقية محافظة، وهما يشدِّدان على الأدوار التقليدية للجنسين وعلى الهوية القومية التركية. كما أنَّهما يمجّدان بالإضافة إلى ذلك ماضي تركيا العثماني. ولكن مع ذلك توجد بينهما اختلافات سياسية مهمة وخاصة فيما يتعلَّق بالمسألة الكردية أو العلاقة مع "إسرائيل" والولايات المتَّحدة الأمريكية.

واتَّضح الصراع بين حركة كولن والحكومة في عام 2010 في المواقف المختلفة من قضية السفينة "مافي مرمرة"، التي حاولت كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة؛ وكانت هذه السفينة تركية والمنظمة الخيرية التي قادت أسطول الحرية إلى قطاع غزة مقرَّبة من حزب العدالة والتنمية.

وفي تلك الأيّام، واجهت الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" انتقادات حادة في جميع أنحاء تركيا، بينما أدان فتح الله كولن نشاط أسطول الحرية وقال إنَّه كان من المفروض إبان التحضير لهذا الأسطول الحصول على موافقة "إسرائيل" من أجل نقل المساعدات إلى غزة. وهكذا فإن حركة كولن لا تتبنى مواقف الحكومة التركية الناقدة لإسرائيل والناقدة جزئياً للولايات المتَّحدة الأمريكية أيضاً.

كما تعدّ حركة كولن على المستوى الدولي، حركة مجتمع مدني قادرة على الشروع في مناقشات واتخاذ مواقف. وتحظى خاصة في الولايات المتَّحدة الأمريكية بسمعة حسنة إلى حدّ ما، وذلك لأنَّها تعتبر هناك بمثابة تيار إصلاحي داخل الإسلام يدعو إلى التعليم العلماني والتعاون مع الكنائس، وكذلك إلى الحوار بين الأديان. ولكنها لا تملك في الخارج أية سلطة سياسية.

ولكن الوضع في تركيا يختلف عما هو عليه في الخارج؛ حيث خلقت هذه الحركة في تركيا ومن خلال شبكتها التربوية والتعليمية نخبة تربوية وتعليمية من المحافظين الجدد. وبالإضافة إلى ذلك تُجرى حالياً تحريات حول تورّط أبناء ثلاثة وزراء بارزين داخل حكومة اردوغان في قضايا فساد. ويعزو الكثيرون هذه التحريات إلى أنشطة حركة كولن - ويعتبرونها جزءاً من الصراع الدائر على السلطة بينها وبين الحكومة.

وخلال النصف الثاني من القرن الماضي، كان كولن من الرواد الذين كونوا الجيل الثاني من الحركة النورسية بعد تفرقها، منشئاً ما سمي لاحقاً بحركة "الخدمة" أو "جماعة كولن" التي تعتبر أحد أهم وأقوى فرق الجماعة الأم.

ويعرف عن كولن تبحره في العلوم الإسلامية المختلفة، وبراعته في الخطابة، إضافة إلى غزارة إنتاجه العلمي، حيث ألف أكثر من 70 كتاباً، ترجمت إلى 39 لغة في مقدمتها العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والألمانية والألبانية. وأغلب كتب كولن تدور حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين، والتحديات التي تواجه الإسلام اليوم.

يعيش كولِن، الآن، في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية، حيث يترأس شبكة ضخمة غير رسمية من المدارس والمراكز البحثية والشركات ووسائل الإعلام في خمس قارات.

وقد أنشأ أنصاره وأتباعه ما يقرب من مئة مدرسة مستقلة في الولايات المتحدة وحدها، كما اكتسبت الحركة زخماً قوياً في أوروبا منذ تأسست أولى مدارس كولِن في شتوتجارت بألمانيا في عام 1995.

ويرى مراقبون للوضع التركي، أن الصراع على السلطة بين كولن وأردوغان، يضعف الأخير وحزبه. وأن الكشف عن قضايا الفساد في محيط أسر بعض وزراء حزب العدالة والتنمية، أصيبت سمعة حكومة حزب العدالة والتنمية بأضرار كبيرة لدى الناخبين. حيث كان أردوغان يصوّر حزبه، حزب العدالة والتنمية، على أنَّه الحزب الذي لن يتورّط على الإطلاق في قضايا فساد - وساهمت هذه الصورة إلى حدّ كبير في نجاحه.

وفي وقت سابق مساء أمس الجمعة، أعلن الجيش التركي فرض حظر التجول والأحكام العرفية في كافة أنحاء البلاد، وإغلاق جميع مطارات تركيا، وذلك عقب انقلاب عسكري نفذه بالتعاون مع عشرات الجنود والضباط الذين تمكنوا خلال فترة قياسية من السيطرة على معظم مرافق الدولة الهامة.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=37048