انشغلت الأوساط التركية بتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول رغبته وقراره منح اللاجئين السوريين الجنسية التركية للاستفادة كما قال من الكوادر العلمية، وأصحاب رأس المال الذين استثمروا في تركيا طوال السنوات الماضية ملايين الدولارات، وجاء إعلان أردوغان غريباً في توقيته بعد أن كان يهدد الاتحاد الأوروبي، ويحذره من أن بإمكانه أن يطلق باصات، وطائرات ملأى باللاجئين السوريين إلى أوروبا، إذا لم تتم تلبية مطالب تركيا المتمثلة بتعويضات مالية من جهة، وإطلاق حرية التأشيرات للمواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي.. لكنه تراجع عن ذلك كعادته، وطرح الآن موضوع منح الجنسية للسوريين. تصريح أردوغان أغضب الأوساط التركية سواء الأحزاب السياسية أو حتى الشارع التركي الذي صدم بهذا القرار وخاصة أن توتراً اجتماعياً بدأ يظهر لدى الأتراك في العلاقة مع اللاجئين السوريين وتفجر ذلك في منطقة (بيه شهير)- محافظة قونيا في وسط الأناضول في 9/7/2016 إثر مقتل مواطن تركي، وآخر سوري على خلفية حادثة جدال في الشارع بشأن قيام شبان سوريين برفس كلب في الشارع واعتراض المواطن التركي على ذلك، وهي حادثة أدت إلى خروج أهالي المنطقة مطالبين بطرد السوريين منها على خلفية حادثة القتل، وقد أشار السكان المحليون إلى أنه كان مرحباً في السابق بالسوريين لكنهم الآن أصبحوا خطرين، وعلى الدولة التركية إيجاد حل للمشكلة. أحزاب المعارضة التركية بمجملها اعتبرت أن أردوغان يريد استغلال ورقة اللاجئين لأهدافه السياسية الداخلية، وحَولَ ملف اللاجئين السوريين إلى ملف للاستثمار السياسي في داخل تركيا، وخارجها، وبعضهم مثل صلاح الدين ديميرطاش الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي اعتبر أن ما يجري سوف يزيد (العنصرية)، وأن الرئيس أردوغان لا يمتلك مثل هذه الصلاحية وحده، ولكن إذا كان واثقاً من نفسه كثيراً، فلنأخذ الموضوع لاستفتاء شعبي!!
الأوساط الإعلامية التركية انشغلت بتحليل خلفيات هذا القرار، وأبعاده، وطرحت تساؤلات عديدة، فـ(مراد تيكين) قال في حرييت ديلي نيوز إن أحزاب المعارضة تشك في أن المقاتلين الجهاديين الذي يقاتلون قوات الرئيس بشار الأسد (على حد تعبيره) يمكن أن يحصلوا على الجنسية، وأن هذا العدد الكبير من المواطنين الجدد يمكن أن يغيروا الواقع الانتخابي في بعض الدوائر الانتخابية لمصلحة أردوغان، وحزبه.
طبعاً هذا ما يدور في الأوساط التركية، لكن ماذا عنا هنا في سورية هل سنبقى ننظر للأمور، وكأنها سيناريوهات غير قابلة للتطبيق، ونتعاطى معها كأخبار إعلامية، ونمر عليها مرور الكرام، بالتأكيد لا يجوز ذلك فلقد تعلمنا خلال سنوات المواجهة المستمرة أن علينا أن نضع كل الاحتمالات من الأسوأ للأحسن، وليس العكس، وبالتالي سأكتب هنا وجهة نظري، وتقديري للموضوع من أجل أن نعمل على وضع استراتيجيات مناسبة للمواجهة تقوم على أسس علمية وواقعية، وليست عاطفية، وشعبوية كما يقال، والسبب في هذا الطرح أن هناك وراء الأكمة ما وراءها!! ما يفضح هذه النيات هو ما تنشره مواقع إسلامية تركية قريبة من حزب العدالة والتنمية، إذ نشر موقع (حقائق الدنيا- دنيا غير تشيك لاري) في 5/7/2016 ما مفاده: (أن هناك احتمالاً لتقسيم سورية إذ ستعمل الولايات المتحدة على إعطاء الرئيس الأسد (دولة علوية)، وفي الشمال دولة كردية وأما داعش لكونها (عميلة للأميركان) ستُترك في مناطق داخلية سورية ليتم تحريكها وفق مصلحتهم.. ولمواجهة هذا المشروع قام أردوغان بتطوير مشروع ضد أميركا عبر (ضم حلب) ليس جغرافياً، وإنما من خلال تجنيس السوريين، وجعلهم أتراكاً، كتحضير لما بعد الحرب، حيث سيتم الاستفادة منهم في (حلب، وإدلب، وحتى شمال اللاذقية)، إذ يمكن لتركيا أن تطالب باستفتاء هل يرغب هؤلاء البقاء في سورية أم الانضمام لتركيا!!)
بغض النظر عن مدى خيال هذا المشروع، أو واقعيته لكنه يكشف لك كيف يفكر هؤلاء، وما نياتهم الحقيقية، ذلك أنني أعتقد إن عملية تجنيس السوريين لها هدف قادم يقوم على العمل على تعزيز ارتباط هؤلاء المجنسين بتركيا حتى في حال عودتهم إلى سورية، ليتحولوا إلى ورقة يحركونها متى يريدون ضد الدولة السورية، ومصالحها الوطنية.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار النشاطات الدولية المشبوهة تجاه مسألة اللاجئين السوريين في "لبنان، والأردن، والدول الأوروبية" مؤخراً، وعدنا للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي ينص على حق اللاجئين بالتصويت في الانتخابات القادمة في سورية فسوف ندرك أكثر الخلفيات الخطرة للخطوة التركية مستقبلاً.
– أعتقد أنه بموجب هذا المنطق التركي من أن هدف تجنيس السوريين هو أن يكونوا جسراً بين تركيا وسورية في المستقبل، فإن من حق سورية تجنيس كل السوريين، والعرب الموجودين في تركيا "في إسكندرون، وماردين، وأورفا، وسيرت، وأضنة، ومرسين" ويبلغ عددهم ما بين 4- 5 ملايين نسمة كي يكونوا جسراً في المستقبل بين البلدين!!! إن القوانين السورية تسمح بالحصول على جنسية أخرى، وسورية لم تجرد أحداً من جنسيته، ولكن عندما تفوح رائحة كريهة من وراء إجراء أردوغان، فعلينا أن نفكر في كل السيناريوهات، بما في ذلك السيئة منها، ونضع الإجراءات المناسبة لها.
منح الجنسية التركية لهذا العدد الهائل من السوريين إن نجح فهو قرار سياسي، وعلينا الرد عليه سياسياً، لأنه آن الأوان أن نواجه العدوان الديمغرافي، كما واجهنا العدوان الإرهابي، على سورية، لأن استهداف وحدة المجتمع السوري، وتفتيته إلى جماعات، وطوائف وإثنيات تتبع للخارج هو الهدف المخفي والحقيقي لكل الدول التي تتباكى، وتذرف دموع التماسيح على السوريين، ووضعهم الإنساني. |
||||||||
|