وجهات نظر

شكري في "تل أبيب".. هل يمهد لاستقبال حار لنتنياهو في القاهرة؟

عبد الباري عطوان


الإعلام تايم - رأي اليوم

من المستبعد أن يكون إحياء عملية السلام، أو محاولة انقاذ حل الدولتين هو الهدف الرئيسي لزيارة السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري مثلما هو معلن، وإنما الغطاء الذي يخفي الأهداف الحقيقية لها، وأبرزها تعزيز العلاقات، وتسخين درجة حرارة "التطبيع"، والاستعانة بالعلاقات الاسرائيلية الوثيقة مع دول حوض النيل التي ارست دعائمها الزيارة الاخيرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتقليص خسائر مصر، والتمهيد لزيارة الاخير الرسمية المتوقعة الى القاهرة.


هذه هي الزيارة الأولى لوزير خارجية مصري الى "القدس المحتلة" منذ تسع سنوات، وكان الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (لم يزر فلسطين المحتلة الا لساعات للتعزية في وفاة اسحق رابين) يحرص أن يكون رئيس مخابرات عهده عمر سليمان هو قناة الاتصال، وليس وزير الخارجية لحصر العلاقة في الجانب الأمني فقط، وهذا لا يعني أنه لم يكن المطبع الأكبر، والحافظ لإرث السادات واتفاقات كامب ديفيد.


المنطق يقول أنه كان يجب على السيد شكري، أو حتى الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، أن يطير إلى الخرطوم والعواصم الإفريقية الأربع التي زارها نتنياهو في جولته الافريقية الأخيرة، وهي أوغندا ورواندا وكينيا وإثيوبيا، أي دول حوض النيل، لتطويق آثار جولة نتنياهو وأخطارها، ولكن ما هو واجب شيء، وما يحدث شيء آخر مختلف كليا للأسف.


مصر كانت قلقة جداً من جولة نتنياهو هذه، وبعض وسائل الاعلام المصري عبرت عن هذا القلق بشكل واضح، واتهم كتاب وخبراء شرفاء اسرائيل بالعمل على "تعطيش" مصر وخنقها وزعزعة أمنها السياسي والمائي، ولو كانت حكومة نتنياهو حريصة فعلاً على تبديد هذا القلق لأوفدت مبعوثاً إلى القاهرة لطمأنتها، وتقديم معلومات عن ما تم بحثه في تلك الجولة، ولكن ما حدث هو العكس تماماً، مما يوحي بالغطرسة والفوقية الاسرائيلية عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع مصر، أو أي دولة عربية أخرى.


الاستقبال الحار الذي لقيه نتنياهو في الدول الافريقية الأربع يعكس عدة أمور أساسية لا بد من التوقف عندها:

أولا: الغياب العربي الكامل، والمصري خصوصاً، عن القارة الإفريقية في وقت يتعاظم فيه الاهتمام الدولي بهذه القارة، وخاصة من قبل أوروبا وأمريكا والصين وروسيا (أمريكا دشنت قاعدة عسكرية لها في السنغال قبل أيام).
ثانياً: تسلل اسرائيل الى القارة وملؤها الفراغ الناتج عن الغياب العربي المذكور، وتحقيقها انتصاراً كبيراً لم تحلم به.
ثالثاً: القاء اسرائيل كل ثقلها المالي والتقني والسياسي خلف الدول الافريقية الأربع في حرب المياه المقبلة والوشيكة ضد السودان (دولة الممر) ومصر (دولة المصب)، واستعداداً لتوسيع دائرة نفوذها في بقية دول القارة.
كان لافتاً أن الاستقبال الأكثر حرارة الذي حظي به نتنياهو في جولته الإفريقية جاء من قبل إثيوبيا وحكومتها التي تعتزم إكمال المرحلة الأولى من سد النهضة العام المقبل، حتى أنها أي حكومة أديس أبابا، تعهدت بدعم استعادة اسرائيل لعضويتها كمراقب في الاتحاد الافريقي التي حرمت منها عام 2002 بحل منظمة الوحدة الافريقية.

المعاهدات الدولية المتعلقة بمياه الأنهار تنص حرفياً أن مياه النيل أو أي نهر آخر، هي ملك دول الحوض فقط، ولا يمكن أن تذهب إلى أي دولة خارجة الا بموافقة هذه الدول، وهذا ينطبق على مصر والسودان خارج دول الحوض.
معاهدة عام 1959 التي وقعتها مصر والسودان تنص على منح مصر حوالي 55 مليار متر مكعب سنوياً، والسودان 18 مليار متر مكعب، من مجموع 86 مليار متر مكعب هي مجموع مياه النيل، أي أن مصر تحصل على أكثر من 80 بالمئة من هذه الحصة الإجمالية وتتبخر حوالي عشرة مليارات أثناء الرحلة من المنبع إلى المصب، وهناك رفض من دول الحوض لهذه المعاهدة، وعدم الاعتراف بها، ومعارضة أي تعديل لها.

التقديرات الأولوية تقول أن مصر قد تخسر ما مجموعه 12 – 20 مليار متر مكعب من المياه سنوياً بعد اكتمال بناء سد النهضة الاثيوبي، حيث تأتي 85 بالمئة من مياه النيل من المرتفعات الأثيوبية وجوارها عبر النيل الازرق، بينما تأتي النسبة المتبقية من بحيرة فيكتوريا في أوغندا، وانخفاض حصة مصر بهذا القدر، يعني انخفاض، أو تراجع انتاج الكهرباء في سد أسوان من 25 – 40 في المئة، وربما لهذا السبب هدد جميع قادة مصر ابتداء من محمد علي، الذي أسس وحدة تدخل سريع، ومروراً بالرئيس جمال عبد الناصر، وانتهاء بالرئيس محمد مرسي بإعلان الحرب في حال المساس بحصة مصر من مياه النيل (الرئيس مرسي هدد بقصف سد النهضة).

نتنياهو الذي وقّت زيارته الى أوغندا مع مرور الذكرى الأربعين على عملية عنتيبي التي قتل فيها شقيقه يوان على أيدي مجموعة فدائية فلسطينية خطفت الطائرة الفرنسية التي كانت تقل ركاباً اسرائيليين عام 1976، واختار أن تهبط طائرته في المدينة نفسها، أراد أن يبعث برسالة صريحة ومزدوجة الى الزعماء العرب تقول قد خرجتم من النافذة وها نحن نعود إلى افريقيا من الأبواب حاملين معنا المال والتكنولوجيا والسلاح والخبرات الأمنية والعلاقة القوية مع أمريكا وروسيا معا، فماذا يمكن أن تقدمون أنتم؟
عندما كان العرب عرباً، ويحكمهم رجال أصحاب بأس وكرامة، وينضحون وطنية وشهامة، لم يجرؤ نتنياهو أو غيره على زيارة إفريقيا، ولكن الآن تغير الحال، وأصبح وزير خارجية مصر العظمى يذهب الى القدس المحتلة طالباً وساطة نتنياهو لتقليص أخطار سد النهضة على بلاده وشعبها.

إنه زمن رديء، بل موغل في الرداءة، ما كنا نتوقع أن نراه أو نتوقعه ناهيك أن نعيشه.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=36923