وجهات نظر

رسائل الأحزمة الناسفة في السعودية

محمد بلوط


الإعلام تايم- السفير


"داعش" يفتح جبهاته الانتحارية، من الرقبان والاردن، فمطار اتاتورك في اسطنبول، وحتى الحرم النبوي في المدينة المنورة، تحت الحكم السعودي.


من عتيبي الى آخر، 37 عاماً مرّت على السعودية، الفرق يبدو كبيراً مع ذلك بين عمر العتيبي الذي اكتفى بالأمس بتفجير حزامه الناسف على أحد مداخل الحرم النبوي الشريف، وبين جهيمان العتيبي مقتحم الحرم النبوي في العشرين من تشرين الثاني 1979 الذي حوّل منائرها ثلاثة أيام، الى أبراج لاصطياد الحرس الوطني السعودي، قبل أن تُغرق قوات فرنسية وأردنية أنفاق وأقبية المسجد النبوي بالماء، وصالاته بالغاز، لتنهي ثورة العتيبي الأول بمذبحة، فيما كان عمر العتيبي الآخر يواصل مأثرة سلفه، لكن من دون أن يبلغ ما بلغه مكتفياً بقتل أربعة رجال أمن، مع الاستمرار في نهج الصدام بين الوهابية الرسمية وأبنائها الضالين من الجماعات الجهادية، التي لم تتوقف عن التفرّع من الجذع الوهابي، عبر افغانستان، و"القاعدة"، أو "داعش" اليوم.

 

إحباط مخطط إرهابي لـ "داعش" في الكويت، وكشف شبكة للتنظيم في الاردن، ونشر اعترافات لإرهابيين في إيران، بعد أيام على هجوم بنغلادش، وأسابيع قليلة على هجوم أورلاندو الاميركي، وهجمات فرنسا، وصولاً إلى المذبحة بحق العراقيين.

 

ثلاث هجمات انتحارية في السعودية، وأربع انتحاريين، وبقي "داعش" مخلصاً لمنهجه في تحقيق أكبر رصيد اعلامي وتعبوي في ضرباته لدى أنصاره في السعودية وخارجها، بالإضافة إلى الهدف التقليدي الشيعي ومساجده وتجمعاته في القطيف، التي اقتصرت عليها معظم حروب "داعش" في المملكة السعودية، منذ عامين ونصف العام، والتي تجري في إطارٍ موازٍ لقمع النظام السعودي انتفاضة أهلها ضد الاستبداد (باستثناء الهجوم على مسجد الحرس الوطني في نجران) اختار "داعش" هدفين فائقي الرمزية، الأول يشكل تحديا "دينيا" لمنافسه الوهابي وادعائه حماية الحرم النبوي الشريف، الذي تعرض لهجوم عند أبوابه، والثاني يبدو سياسياً، في جدّه، العاصمة الثانية للمملكة، حيث فجر انتحاري نفسه، من دون ضحايا أمام القنصلية الأميركية، بعد 12 عاماً على الهجوم الاول عليها في العام 2004، الذي الحق بها تسعة قتلى من بينهم 4 من العاملين فيها.

 

الهجمات لا ترتقي الى فعالية ما سبقها، رغم انتمائها الى السياق نفسه، في افتتاح جبهات جديدة، وتحويل ما كان نسبياً ساحات نصرة ملتبسة، خصوصاً الأردن وتركيا، إلى ساحات جهاد واضحة.
والأرجح أن جرعة الفعالية نفسها، تبدو جزءً من الرسالة التي يوجهها "داعش" في تدبيره سلسلة الهجمات الانتحارية التي انتقلت خلال اسبوعين على جبهة واحدة من الأردن أولاً، والتي كانت الوحيدة من بين الثلاث حتى الآن التي أقدم على تبنّيها، فتركيا التي حصد فيها انتحاريو "داعش" الثلاثة أكثر من 40 قتيلاً و236 جريحاً في بوابة الاقتصاد والسياحة التركية لم تجد من يتبناها، سوى ما قاله ناطق تنظيم الدولة أبو محمد العدناني في رسالة الفاتح من رمضان من أن تركيا هي من بين الدول "التي اثخنت فيها دولة الخلافة بالكفار والطواغيت". وأخيراً في المدينة المنورة وجدة والقطيف.

 

والحال أن "داعش" في هجومه المثلث على الأردن وتركيا والسعودية ، يسعى الى توجيه تحذير الى الدول الثلاث، وأن مرحلة الهدنة غير المعلنة قد تسقط كلياً مع الثلاثي، إذا لم تستجب هذه الدول لتحذيراته وتوقف انخراطها المتزايد في الحرب ضده. اذ يواجه "داعش"، منذ عام، سلسلة تراجعات كبيرة في العراق في الفلوجة وتكريت والرمادي وبيجي والأنبار ونينوى، وتنتظره عملية مؤجلة في الموصل، كما يواجه تهديدات بالتراجع في سورية بعد تدمر والشدادي، لا سيما أمام التحالف الكردي الأميركي حول منبج، وكان هذا المثلث قد شكل عمقاً مالياً لعملياته في العراق وسورية.. ولبنان، عبر الجمعيات السلفية والدعوية أو تسويق النفط والحبوب والأقطان، خصوصاً تركيا. كما شكل خزاناً تعبوياً وعسكرياً لرفده بالمقاتلين، وتقول إحصاءات لم تنشر للمرصد السوري لحقوق الانسان، أن 49 الف مقاتل أجنبي قتلوا في الميادين السورية، منذ بداية العام 2012، حتى أيار من هذا العام، وأن أكثر من النصف بقليل ينتمون الى تنظيم "داعش". وكانت رسالة أبو محمد العدناني التي دعا فيها في مطلع رمضان "المجاهدين" أن يضربوا في كل مكان، وأن يضربوا العسكريين والمدنيين، وأن ضرب المدنيين أنجع وأوجع". ويبدو أن "داعش"، يعدّ ربما للتراجع عن المدن في سورية، بعد العراق، إذا ما اضطر الى ذلك تحت ضغط الحلفاء وهو يقوم باختبار ساحاته التي سيعمل من خلالها على الإبقاء على جبهاته مفتوحة، ضد من طعنوه في الظهر، كما يتهيأ لمرحلة من الانكفاء لإعادة تنظيم صفوفه، كما فعل بعد هزيمته العام 2009 في العراق ونزوله تحت الأرض، ليعود الى سورية، فغزوة الموصل، حتى تخوم بغداد، ويقول أبو محمد العدناني بوضوح " لا يهمنا خسارة الأرض وإنما إرادة القتال".

 

وللمرة الاولى ، يوسّع "داعش" هجماته على مثلث سني كبير في المشرق ، بعد أن كان أكثر العمليات يطال أهدافاً "شيعية" لا سيما في العراق. ويبدو الهجوم على دول سنية مشرقية، ولو بجرعات تحذيرية، تمهيداً محتملاً لإعلان الحرب إذا لم تراجع تلك الدول إستراتيجياتها تجاه التنظيم، التي اتسمت لوقت طويل، بالبراغماتية، والتعاون لصد التقدم الإيراني في العراق أو الروسي الإيراني في سورية،  وتأتي هذه التفجيرات في لحظة تراجع التنظيم ميدانياً، علماً أنه كان قادراً على إحداث هجمات أكبر قبل عامين عندما كان في ذروة قوته "وشعبيته" في الداخل الأردني والسعودي و التركي، لا سيما بعد الغزوات التي قادته الى الموصل والأنبار والفلوجة وضواحي بغداد.

 

أما السعودية ، فقد أدار أبو بكر البغدادي علاقاته معها بواقعية تقطع مع تكفير سلفه أبو مصعب الزرقاوي إياها ، حتى العام 2009، من دون الكف عن الاثخان في "الشيعة"  في القطيف، الا أنها صمتت عن معارك الفلوجة. أما الأردن قد طور هجومه على "داعش" بالعمل على بناء جيش عشائري بدعم اميركي فوق أراضيه، ورغم الانتكاسة التي أصيبت بها محاولات هذا الجيش في عملية البو كمال، الا أن ذلك يشكل مؤشراً على انخراط الأردن، في عملية لمحاصرة "داعش" في الشرق السوري، وإكمال الكماشة التي يطبقها عليه الأكراد في الشمال الشرقي، وعلى طول خط الحدود السورية العراقية.

 

أما تركيا التي تدخلت خلال معركة عين العرب (كوباني)، لمنع الأكراد من تنظيم الدفاع عن المدينة، ورفضت تقديم ممرات لأرتال مقاتليهم من القامشلي، عبر أراضيها، الى عين العرب، وتركت لـ "داعش" أن ينظم خطوط إسناده من داخل أراضيها، تعمل اليوم على إبعاده عن خط الحدود في الحرب التي تشنها عليه المجموعات المسلحة التابعة للمخابرات التركية في الشمال السوري، كما أن طائرات التحالف التي تغير على مواقعه في الرقة ومنبج بالتحالف مع الاكراد، تقلع من مطار انجيرليك. واذا كان من غير المنتظر أن تراجع تلك الدول سياساتها التي تخضع بشكل واسع لحاجات اميركية لاحتواء "داعش"، الا أنه من غير الواضح ما اذا كان "داعش"، بعد الهجمات التحذيرية سينتقل، إلى حرب مفتوحة، وسيكون قادراً على فتح جبهة سنية كبيرة في المشرق، تتعدى مجرد الأحزمة الناسفة، ورسائلها.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=36719