حوارات ولقاءات

الدراما التلفزيونية.. صناعة أم رسالة؟؟


ربى شلهوب - الإعلام تايم 

 

 سباق مفتوح يطرح عدة مسائل ربما تلامس الواقع الحياتي، وفي أحيان أخرى تغالي به ليخرج عن المألوف، تكشف خبايا غابت عن ذهن البعض لكنها حاضرة في أذهان الأخرين، هذا السباق الذي يتزاحم فيه العديد من المسلسلات الدرامية في محاولة لحجز حيز على شاشات المحطات الفضائية و في ذاكرة المتلقي.

 

 فن الدراما هو من الفنون المتجددة من خلال الوسائل التقنية، وجد مع وجود الإنسان في الحكاية والقصص الشعبية والأساطير، وهو بشكل عام،وخاصة في بلداننا من الفنون المحبوبة من قبل الجميع، ومن المفترض أن يستثمر هذا الفن بنقل المعارف والتي من خلالها نستطيع أن نّكون مواقف وبالتالي سلوك فالإنسان يأخذ معرفته من خلال بيئته الأسرية والمدرسة ووسائل الإعلام التي من ضمنها وأهمها والأكثر تأثيرا فن الدراما.

 

ولفن الدراما دور كبير في تكوين المعارف لدى الإنسان... هذا ما أكده عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية‘ عضو مجلس إدارة الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان الدكتور أكرم القش في لقاء خاص مع موقع "الإعلام تايم" ، مشدداً على أننا " اليوم وصلنا إلى مجتمع مفتوح لم يعد هناك إعلام مغلق كما كان سائداً في السابق، لذا لا نستطيع حصر فن الدراما بالمسلسلات السورية وهو موضوع غير قابل للضبط لأن المشاهد يتعرض لرسائل بثيّة درامية من مختلف الجهات كـ "التركية والمكسيكية و اللبنانية والمصرية وغيرها".

 

الدراما منتج صناعي لمجاراة السوق 

 

الدكتور القش أكد أن دور الدراما الوظيفي في مرحلة من المراحل، وخصوصاً الدراما السورية، كان مخصصاً لرفع الوعي وتعزيز الهوية والقيم المجتمعية والأخلاقية، مضيفاً: "كنا سابقاً قادرين على ضبط الآلة الإعلامية وبث رسائل توعوية قيمية لرفع الروح المعنوية وتهذيب السلوك، ولكن اليوم بعد أن أصبح الإعلام مفتوحاً دخلت الدراما في الصناعة أكثر مما هي رسالة إعلامية ، فمجرد أن تنخرط الدراما مع الأنواع الفنية الأخرى في السوق ستدخل وتأخذ قيم السوق كـ"المنافسة والإثارة"، لذا بعض أشكال الدراما وخاصة السورية اضطرت أن تدخل دوامة السوق وتدخل في قصة الإثارة والخروج عن الواقع في الكثير من الأحيان والمبالغة لتصبح جذابة للمحطات لبثها"، واصفاً الدراما بالصناعة ومحكومة بالمحطات التي ستشتري هذه السلعة لمجاراة السوق.

 

دور الدراما في التربية وبناء الأجيال

 

وأشار الدكتور القش أن مصدر الحصول على المعلومة أصبح مقيداً ومفتوحاً في ذات الوقت على المدى الواسع، فالطفل يحصل على المعلومات من خلال الأسرة والمدرسة إضافة إلى الإعلام، مؤكداً أن "الدراما تقدم المعارف التي من الممكن أن تكون مغلوطة أو دقيقة، ونحن من خلال متابعتنا لأي مسلسل درامي مكون من ثلاثين حلقة نلاحظ أن المسلسل خلال 25 حلقة تسيطر فيه قوى الشر والسلوك غير السوي، فحجم الرسائل الإعلامية والمعرفية التي تبث خلال المسلسل 80%  تبث نوع من السلوك غير السوي والإجرامي وغيره من السلوك غير مقبول اجتماعياً وفي أخر حلقتين يبدأ المخرج أو الكاتب بإيضاح أين هو الصح وأين الغلط"، لذا كل الرسائل السيئة قدمت طيلة المسلسل كصور ومعلومات. صحيح انه من الممكن أن لا يقتنع بها الطفل لكن هي أصبحت باللاوعي لديه، وبالتالي من الممكن أن تتحول في يوم ما أو في حالة معينة إلى وعي، لانه أخذ معرفة ومن هذه المعرفة كون المواقف وعلى أساسها يصبح السلوك.

 

وأكد الدكتور القش أنه لا خوف على الإنسان الراشد الذي كون قيمه لان التأثير به أصبح صعب، لكن الطفل هو عبارة عن صفحة بيضاء تبث الكثر من المعارف والتي أغلبها للأسف سلبية، تصبح مهمة إصلاح القاعدة المعرفية التي تكونت لديه من خلال هذه المعارف السلبية صعبة‘  مبيناً أنه في أغلب المسلسلات نلاحظ وجود نصيحة وجود الأهل لكن لا أحد يلتزم، معزياً ذلك لطبيعة المساكن في أغلب البلدان العربية المكونة من غرفتين أو ثلاث، مضيفاً أن الطفل إن لم يشاهد المسلسل فهو على الاغلب يسمعه، فعملية ضبط الأطفال لمشاهدة المسلسلات غير مخصصة لهم صعبة على الأهالي، لذا علينا ايجاد أساليب أخرى للتنشئة نستطيع من خلالها التواصل معهم لإيضاح ما يتم عرضه من خلال التلفاز لأتدخل في عملية تلقي الصورة والخبر و إيضاح ما يتم تلقيه.

الدراما تخلق مشاكل جديدة... هذا ما أكده الدكتور القش، فالبث الدرامي المكثف والخروج عن القيم المجتمعية  تشكل بالنهاية قيم مجتمعية جديدة وهذا يحتاج إلى حل ربما إخراجي، أو بطريقة عرض المشكلة ، كبعض المسلسلات التي تحاول وضع النتيجة مع الحدث نفسه كنوع من البث الوعي وهذا جيد.  وأضاف أن على الدراما التركيز على المشاكل الإنسانية أكثر من الشخصية، كمشكلة الزواج المبكر والمخدرات وغيرها من المشكلات الإنسانية التي من الممكن أن تسلط الضوء عليها وعلى تداعياتها وابعادها، وعليها عدم الاعتماد على نموذج واحد، بل إعطاء أكثر من نموذج لقضية واحدة، من ضمن الواقع، بما يناسب ظروف كل شخص وكل أسرة.

 

ومن الخيارات الأخرى اقترح الدكتور القش انه ليس بالضرورة أن يكون المسلسل مكون من ثلاثين حلقة، من الممكن الاعتماد على حلقة واحدة أو اكثر لإيصال الفكرة الأساسية من خلال المسلسل ، لكنها تعود للمخرج والكاتب .

 

دور الدراما في المغترب

ولفت الدكتور القش أن " الدراما متنوعة وتعطيني أكثر من صورة سواء أكانت سلبية أم إيجابية، لكن لن يكون لها الأثر الكبير على المغترب السوري الذي لا يزال على التصاق بمجتمعه وأهله فهو على دراية أكثر بمجتمعه ويعرف الواقع أكثر من ما يعرض من خلال الدراما، مشيراً إلى أن " الخطر الأكبر هو تأثير الدراما على المجتمعات الاخرى في رسم صورة عن الواقع السوري، فهو لا يعرف هذا المجتمع إلا عن طريق الدراما، وهو عندما يشاهد هذه السلبية الكثيفة في الأعمال الدرامية يظن أن أغلب المجتمع السوري هو على هذه الصورة، وبعدها يحاول أن يسقط من خلال خبراته ومعلوماته على ما يشاهده من مسلسلات ويعتبر أن هذه هي صورة المجتمع السوري في محاولة لمجاراة الواقع‘" مشدداً على أنه "يخشى أن تتشوه صورة المجتمع السوري، والأخطر هو تشوه التاريخ السوري وخصوصاً دمشق من خلال المسلسلات الشامية، وهذا خطير جدًا.

 

وختم الدكتور القش أن المسلسل الدرامي هو بالنهاية قصة "فالشخصيات  تذهب وتبقى القصة، لذا نحن بحاجة لقصة متكاملة للمجتمع والبيئة الشامية"، مطالباً المؤلفين وكّتاب السيناريو بالتركيز على الرسالة التي هي الأساس في أي مسلسل، "لذا علينا أن نتتبع الرسالة أكثر من تتبعنا للأشخاص فهناك رسالة كلية ورسائل جزيئة وهذا هو المطلوب،  العمل على الرسائل التي ستبقى في ذهن المشاهد".

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=43&id=36490