وجهات نظر

مشروع الدستور السوري جس نبض مفجع

ليون زكي


الإعلام تايم - الوطن

بات بحكم المؤكد أن ما أطلق عليه مشروع الدستور الروسي لسورية، والذي أثار تجاذبات بعد طرحه في وسائل الإعلام أخيراً، ما هو إلا تعديلات جوهرية صدرت من معهد كارتر الأمريكي لنص الدستور الحالي الذي أقر عام 2012 كما يمكن الجزم بأن مسودة الدستور لم تعرض على دمشق لاستمزاج رأيها في بنودها، وهو ما نفته الرئاسة السورية بشكل قاطع في بيان لها منعاً للتأويلات واللغط الدائر.

 

وبغض النظر عما إذا كانت عملية التشاور تمت مع واشنطن وموسكو حول مشروع الدستور المزعوم قبل تسريبه عبر وسائل الإعلام التقليدية والافتراضية إلا أن توقيت طرحه راهناً يحمل العديد من الدلالات المهمة والتساؤلات المحقة على الرغم نفي الأخيرة علمها بالأمر وفي ظل تأكيدها قبلاً وعلى الدوام احترامها للسيادة السورية وبأنها تقبل بما يقبل به الشعب السوري أي الداخل السوري تفادياً لما أفرزته التجربة العراقية التي ما زالت مخاضاتها بادية للعيان إلى اليوم.

 

تفيد التجارب المشابهة بأن فرض مثل هذه المشاريع من الخارج وأياً تكن الدول المشاركة في صوغها وحتى في حال الحرب السورية مصيرها الفشل ما لم يجر الاتفاق بشأنها مع أهل بيت الداخل وإشراكهم بشكل حقيقي في تقرير مصير بلدهم للالتزام بما قد تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً كيلا يتنصل كل طرف من التزاماته التي أقرها الدستور بذريعة أنه لم يوافق عليها أو أنها فرضت عليه تحت ضغط الحاجة الملحة لإيجاد أي مخرج من الدائرة المغلقة التي أوقعت الأزمة البلاد في فخها.

 

التعديلات الدستورية، التي بدا أنها طرحت لجس نبض المعنيين بالملف ومعرفة ردود الرأي العام بكل أطيافه عليها وبشكل مفجع لم يسبق له مثيل، يفترض أن يجرى بشأنها استفتاء شعبي عام لكونها مصيرية وتتعلق برسم وتعديل الجغرافية السياسية التي تمتعت بها سورية عبر تاريخها وكانت سبباً في استمرار الحرب الطاحنة عليها إلى الآن، عدا طمس هويتها العربية وتقزيم دورها الإقليمي وجرها نحو نظام الفدرلة استجابة لأهواء ومطامح فئة معينة كنوع من التمهيد لتقسيم البلاد مستقبلاً، وهو أمر مرفوض بشكل قاطع من أغلبية مكونات المجتمع التي يمكن مراعاة خصوصياتها في الدستور الجديد المقبل وبالتوافق على الأدوار والمهام سلفاً.

 

ويمكن القول إن ما يشاع عن التفاهمات الروسية الأمريكية الخاصة بالأزمة السورية قد تطول تعديل الدستور بوصاية منهما خلال سير عملية التسوية السياسية وفي مرحلة يفترض فيها البناء على قاعدة دستورية لاستكمال خطوات الحل، ولكن لا بد من الرجوع إلى القاعدة الجماهيرية السورية لأنها صاحبة الحق في تقرير مصير بلدها وعدم سوقه للمجهول من دون إغفال استشارة النخب السياسية قبل اتخاذ قرار بفرض مواد الدستور وفتح باب المجهول على مستقبل البلاد التي حافظت على حدودها واستقلال قرارها الوطني لعقود قبل أن تنسفه الحرب وتودي بالتوافق المطلوب لتعديل الدستور أو اعتماد نسخة قديمة منه لفترة معلومة ومحددة أو صوغ آخر جديد إلى غير رجعة في ظل رغبة مستمرة بالاحتكام للسلاح ولوقت غير معلوم.

 

فهل تتحقق رغبة راعيي السلام موسكو وواشنطن بالالتزام بالموعد المحدد لإقرار الدستور في آب المقبل أم إن الموضوع بأسره ما زال قيد الطرح ولا يتعدى مرحلة جس النبض والتي تحتاج إلى مرحلة أخرى لترجمة الرغبات والآمال على الورق وإلى زمن أطول مما يمكن تصوره، وبالتالي، إلى عملية سياسية ذات عمر مديد قد تفرض جولات ميدانية جديدة من عمر الحرب قبل أن تؤتي العملية السياسية، وفق الأجندة والجداول الموضوعة لها لإنهاء الصراع، ثمارها.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=35587