وجهات نظر

عن "ساحل" لا يغرق و"جبال" لا تميد: "داعش"… إجرام تحت الطلب

فراس عزيز ديب


الإعلام تايم - الوطن السورية


وحدها السماء قادرة أن تمنح البحر لونه الأزرق، وحدها الشمس بإشراقتها اليومية تعكس اخضرار جبالنا الدائم لتتفتق مع كلّ برعمة زهرةً للأمل، وروحاً جديدة.


من قال إن نيران حقدكم ستصبغ بحرنا بلون الدم، ومن قال إن مداد جهلكم سيلوّن جبالنا باللون الأسود، اخضرار جبالنا من اخضرار قلوبنا، ودماء الأبرياء هي الحبر الذي سيكتب نهايتكم مهما أمهلتم.
لن ترعبنا أشلاء الأبرياء، فهي أشبه بصخور الجبال التي سينبت عليها من جديد "الزوفة" و"الزعتر"، لن نستسلم لعظيم الألم، بل سنرنو لما فعله نحّات الأمل.
أطباء يستشهدون وهم ينقذون الأبرياء، مسن يلقي بنفسه على إرهابي وينفجران معاً كي يخفّف من حجم الألم، الجميع يعزّي الجميع، والجميع يحمل ألم الجميع، وفي النهاية شعب أعاد الحياة كما كانت بإصراره وصموده بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على هول الصدمة.


بعد كل ذلك، ما زال "آل سعود" و"العثمانيون الجدد" يظنون فعلياً أنهم قادرون عبر أذرعهم أن يحكموا شعباً كهذا.. هل هو الخرف؟
دائماً ما نكرّر أن مشكلة المتآمرين ليست الرئيس، مشكلتهم هي الشعب السوري الذي لولاه ولولا إيمانه بوطنه وتاريخه لأصبحت مدننا وقرانا حانات وهابية.
مشكلتك أيها السوري ليست بالسوري الذي تم غسل دماغه، مشكلتك بأنهم سينتقمون منك لأنك تدرك أن القادمين من خارج التاريخ لن يكونوا يوماً ظلاً لأوابد الحضارة، بل سيكونون ظلاً للشيطان الذي يقود الشياطين، لهذا يثأرون منك، لكن في المقابل، هل يظنون أننا سننسى؟
كان غريباً أن يدين مجلس الأمن تلك التفجيرات، لأنه اعتاد ألا يفعل كذلك الأمر كان واضحاً أن تلك التفجيرات تمت بتكتيك عال يتعدى قدرة مجرد تنظيمات إرهابية، أما الموضوع الأهم فهو مسألة من المنفّذ؟
في آذار الماضي نشر فرع تنظيم القاعدة في سورية "النصرة"، أسماء من نفذوا تفجيرات "أمن الدولة" في دمشق نهاية عام 2011، يومها كانت الاتهامات موجهةً حصرياً لما يسمونه "النظام" الذي اخترع التفجيرات لإظهار نفسه كضحية، لكن الحقيقة ظهرت بعد سنوات وهذا لم يبدّل في المعادلة شيئاً، ما تبدل هذه الأيام هو أن "داعش" كما وصفناها سابقاً جسمها لبّيس، بمعنى آخر هناك من سعى إلى إلصاق التهمة "بداعش" لتبرئة باقي الجماعات الإرهابية المحمية، حتى البيان الصادر عن "داعش" لا يفرق كثيراً عن الرسائل المعتادة التي يبثها "أيمن الظواهري"… تحت الطلب.

النقطة الأخيرة أن عقيدة التفجيرات ليست حكراً على "النصرة" و"داعش" والدليل هو ما جرى يوم الجمعة الماضي في إدلب والتفجير الذي طال المصلين في "جامع شعيب" والذي استهدف المدنيين بذريعة "النصرة"، علماً أن أعداء "النصرة" بين من بقي في إدلب هم ذاتهم "المعارضة المعتدلة" التي تدافع عنها أميركا، إذاً كم سنستغرق من الوقت حتى ندرك أن "أحرار الشام" هي فعلياً من قامت بهذا العمل، لكن هناك من سارع لإنقاذها، فما الدليل على ذلك؟


كان مثيراً للانتباه أن التفجيرات لم تنته بلحظتها، بل اتبعتها تفجير حملة منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي لتحريض بعض السوريين على بعض بصورة طائفية، لتذكرنا ببداية التحريض خلال تظاهرات كل من الصليبة وبانياس، تحديداً أن الساحل الآن يحوي ملايين الهاربين من جحيم التنظيمات الإرهابية، لكن هذا الأمر أخفق وسقط بلحظته، وهنا علينا أن نوضّح أنه سقط شعبياً، ولم يكن سقوطه ناتجاً عن زيارة مسؤول هنا أو رجل دين هناك. "لغوياً لا يجوز استخدام لقب عالم دين فلقب عالم يخص المبتكرين، وهل في الدين ابتكار"؟
هم أدركوا أن إعلان "أحرار الشام" تبني العملية قد يحقق لهم ما يريدونه بتفجير الساحل داخلياً، لكن عندما فشلت المهمة أعادوا الأمر لـ"داعش"، لكن مستوى التحريض لم ينته
يوم الجمعة الماضي، خصّ ما يسمى "إمام الحرم" صالح الـطالب الفلوجة بالدعاء قائلاً: "اللهم إنا نستودعك أهلها فأنجهم من براثن الطائفيين والإرهابيين"، هل سمع أحد منكم أن شيخاً وهابياً دعا لـ"الفلوجة" عندما قصفتها القوات الأميركية بالأسلحة المحرّمة دولياً في العام 2004 التي شهدت لسنوات عدة ولادات مشوهة؟ ثم إذا كانت "داعش" كما يقولون عدواً للجميع، فلماذا يدعو على من هم أعداؤهم؟، ثم ماذا عن الرقة ودير الزور، أم إن خطاب التحريض الطائفي هنا لا يجدي نفعاً؟


هذا الحدث بالتوازي مع تصعيد اللهجة الطائفية بمصر بعد حادثة المرأة التي تمت تعريتها في "المنيا" يثبت أن التحريض الطائفي والديني هو الوسيلة الوحيدة والحاضرة دائماً التي يتمكن من خلالها من يتربص بالمنطقة من تحقيق مرادهم، لكنه هذه المرة دخل مستويات أشنع، فما مدى نجاحهم؟
ليس غريباً أن يتمسك بشار الجعفري بفرضية،  أن هذه المنظمة فيها بعض الشياطين، وهذا لا يبدو واضحاً مما يجري في المنطقة فحسب، لكن مما يجري في الشمال السوري تحديداً.
قد يعترف البعض أن ما يجري جزء منه بأيد سورية، لكنه حكماً بتخطيط ليس سورياً، لأن هناك شيطاناً يحمي شياطين، فكيف ذلك؟
يبدو أن الكلام عن قبول تركي بعبور "ميليشيا قوات سورية الديمقراطية" غرب الفرات مقابل توقف الأعمال العسكرية في جنوب شرق تركيا سقط، ليس الدليل على سقوطه الكلام التركي ومطالبة وزير الخارجية للجنود الأميركيين بوضع شعارات "داعش" فحسب، لأننا عندها سنسأله: ترى ماذا على الجنود الأتراك أن يضعوا شعارات؟ لكن ما يؤكد هذا السقوط أنه وفي اللحظة التي هدّد بها الأتراك بأنهم لن يصمتوا عن العملية في الرقة، تتقدم "داعش" في ريف حلب الشمالي بل تصبح على أبواب إعزاز، فهل هي مصادفة؟


النقطة الثانية هو أن أحد المتحدثين باسم "ميليشيا قوات سورية الديمقراطية"، أكد أن الهدف هو ريف الرقة وليس المدينة فهل هو تراجع؟ وإذا كان تراجع ما سببه؟ هل هو حقاً بسبب إدراكهم صعوبة العملية التي تحتاج جيشاً مدرباً لا مرتزقة يتم تجميعهم من هنا وهناك، أم إنه إحساس أميركي بأن الأتراك ذاهبون حتى النهاية برفضهم، تحديداً أن كلام الانفصاليين لا يرضيهم.
منذ أيام قال صالح مسلم مثلاً إن أهل الرقة بعد تحريرها هم من سيختارون أين يكونون، وهنا نسأله: ولماذا لم تعطوا العرب في جرابلس وعين العرب هذا الخيار؟ ماذا عن التفجيرات الإرهابية في القامشلي التي تستهدف الآشوريين في المدينة وإلصاقها بـ"داعش" بهدف دفعهم للمغادرة؟ فهل تريدنا أن نصدقك أنك ستترك والمرتزقة الذين معك الخيار لأهل الرقة، أم الحديث عن مشاريع دستورية تحاك في الخفاء تضمن لكم ما تصبون إليه كـ"معارضة" مقبولة سيكون مكملاً لعمليات التطهير العرقي على الأرض؟
كان لافتاً أن هذا الكلام توافق عملياً مع كذبة مشروع دستور سوري جديد أعده الروس وتم تسريب الأمر عبر الصحف الصفراء.
واضح أن هذا التسريب ليس بريئاً، قد يكون الأمر متعمداً بهدف حرق الفكرة، ولكن ما هو أخطر أن نشر أمر كهذا قد يكون مقدمةً للمطالب التي يسعى أصحاب الطموحات الانفصالية إلى تحقيقها لأنها تكفل للانفصاليين كل ما يريدونه، ولا يبدو أن البنود تشكل مطلباً لـ"معارضة الرياض" لأنها لا تتضمن فرضية "أسلمة النظام السياسي"، بل الأهم في هذا الطرح هو الذهاب بعيداً في إضعاف الدولة المركزية على الطريقتين اللبنانية والعراقية.


عليه كان محقاً السيد "نصر اللـه" في ذكرى التحرير عندما أكد أن الأيام القادمة ستكون صعبةً، وبعيداً عن أي تجميل فإن المسار مستمر نحو المزيد من الفوضى والتخبط، لكن ما يميزه الآن أن الولايات المتحدة باتت وبشكل علني تحرص على "النصرة"، فهل هو الإعداد لما ستقوم به هذه الجماعة في قادمات الأيام لتبعد النظر عما يجري في الشمال؟ إنها الأيام الصعبة القادمة… ثقوا بالسيد عندما يتحدث، ألم يقل في النهاية أن مشروع المقاومة سينتصر؟

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=35433