تحقيقات وتقارير

الإعلام الالكتروني مطعون بمصداقيته .. والحلّ؟


الاعلام تايم - سناء علي

 

نجحت الثورة الرقمية في السنوات العشر الأخيرة بقلب العالم ليس إلى قرية صغيرة فقط، إنما إلى غرفة عمليات متأهبة على مدار الساعة، وقادرة على إيصال أي معلومة إلى أي مكان في العالم بالصوت والصورة خلال ثوانٍ فقط، ليصبح الإعلام الالكتروني, الذي أرست الشبكة العنكبوتية قواعده, عالمياً بالمرتبة الأولى في الصحافة الحديثة إذا صحّ التعبير.


إحدى المزايا الذهبية التي ينفرد فيها الاعلام الالكتروني هي "السرعة" وهي ذات الميزة التي تجرده من أهميته وتفقده مكانته عندما  يكسر القاعدة الأولى والأهم في الإعلام ألا وهي الدقة والمصداقية في نقل الخبر والمعلومة، وفي فترات الحروب أو الأزمات الكبيرة سواء الاقتصادية أو السياسية والاجتماعية تكون الدقة عملية صعبة لذا يجب التروّي والتحرّي جيداً قبل نقل الأخبار حتى ولو كان ذلك على حساب السرعة والحصرية في نقلها.


بعد التفجيرات التي ضربت عدّة مناطق في مدينتي جبلة وطرطوس الأسبوع الفائت انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا فيديو تم تداولهما على أنهما للانتحاريين الذين نفذوا التفجيرات، حيث قام نشطاء بالتقاط مقطعي فيديو من مكان التفجير، الأول لشخص كان موجوداً ضمن ميكرو باص، قيل بأنه أحد عناصر الخلية الانتحارية المسؤولة عن التفجير، حيث يظهر في الفيديو شاب تعرض لضرب مبرح حتى سالت الدماء من وجهه مع أصوات أشخاص يصرخون بأنهم ألقوا القبض على الإرهابي، أما المقطع الثاني فكان لبقايا جثمان امرأة معظم جسدها عارٍ من الملابس نتيجة الحريق، وأيضا قيل بأنها المسؤولة عن تفجير مدخل الاسعاف بمشفى جبلة.


بعد مرور ساعات على التفجيرات وبعد التحقيق تبيّن أن هذين المقطعين هما لمواطنين مدنيين الأول عسكري ليس له أي صلة بالتفجير نهائياً إنما قادته الصدفة إلى المكان، شأنه شأن كل الذين كانوا هناك والثاني هو لجثمان شهيدة مدنية أيضاً كانت متواجدة في المكان لحظة وقوع التفجير، وما هي إلا ضحيّة.


الخطير في الموضوع أن المقطعين حققا انتشاراً كبيراً وآلاف المشاركات على صفحات التواصل والمواقع الالكترونية خلال ساعتين فقط، وبات من الصعب تصحيح هذا الخطأ الذي يتحمل مسؤوليته كل من شارك بنشره دون التحقق من صحته ودقة ما جاء فيه. وكما لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها خلال سنوات الحرب، وإذا ما استمر العمل في الإعلام الالكتروني بالصورة التي هو عليها فإنها لن تكون الأخيرة حتماً.

 

الخطأ الأول في الحادثة آنفة الذكر ارتكبه الذين اتهموا الاشخاص بارتكاب الجريمة جزافاً، ودون التثبت والعودة إلى الجهات الرسمية المسؤولة عن ذلك، والخطأ الثاني وقع فيه الاعلام الالكتروني متمثلاً بصفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية وتعدّاه إلى بعض القنوات التلفزيونية التي تبنّت رواية غير دقيقة فقط لأنها انتشرت بسرعة النار في الهشيم وستكسبها حتماً جمهوراً إضافياً في حال نشرت هذه الصور والفيديوهات.


وسائل الإعلام الالكترونية مطعونة بمصداقيتها كونها مصدر غير رسمي، ومن وجهة نظر أكاديمية يقول  الدكتور أحمد شعرواي نائب عميد كلية الاعلام في جامعة دمشق: إن "التلفزيون" لا يجب أن يغامر بمصداقيته أمام جمهوره ويتبنّى مواقع التواصل كمصادر للأخبار، أما فيما يخص محتوى الصور التي يتم نشرها فيجب أن تخضع الصور المشينة أو الدموية للقواعد الأكاديمية والأخلاقية الصحفية ومن غير المسموح استخدامها بشكل فجّ، ومن الممكن أيضاً أن تكون هذه الصور غير صحيحة أساساً. كما يجب أن يكون هناك جهات رسمية مسؤولة عن تقديم المعلومات وتكون بمثابة مصدر موثوق وحصري على أن تكون هذه الجهات سريعة وحاضرة دائماً وأن تفوّت الفرصة على كل من يتسبب بهذه الفوضى التي نشاهدها عبر الفضاء الالكتروني بكل أدواته وقنواته.


التسرع إذاً هو أحد أفدح الأخطاء التي يقع فيها هذا "الإعلام الجديد" ولا يخفى على أحد أن هناك حرب قوية جدا بين وسائل الاعلام لنقل المعلومة وتحقيق السبق الصحفي، غافلين عن  أهم أخلاقيات العمل على الإنترنت في المجال الإعلامي والمتمثلة في كسب ثقة الجمهور المتابع، هي إدراك أن خدمة المصلحة العامة وحماية المجتمع من تبعات الغوغائية والفوضى التي قد يتسبب بها خبر ما أهم بكثير من الانفراد بنقله أولاً وحصرياً، ولنا في الأزمة السورية عبرُ على مدار أكثر من خمس سنوات خاصة عندما يتم نشر معلومات وأخبار تتسبب بإعطاء إحداثيات عسكرية قد تكبّد قوات الجيش خسائر بشرية ولوجستية.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=35405