وجهات نظر

في عيد المقاومة..!!

علي قاسم


الإعلام تايم- الثورة


لم يعد الحديث عن المحاور وخيار المقاومة في مواجهة الإرهاب وأدواته ورعاته ومُشغّليه ومرتسمات المواجهة القائمة يقوم على الافتراض، كما كان سائداً لدى البعض، ولم يعد إنجاز المقاومة اللبنانية قبل ستة عشر عاماً لمشروعها الوطني في دحر الاحتلال "الإسرائيلي" حالة منفصلة،خصوصاً بعد تبلور محور المقاومة بهذا الشكل الذي يجد اليوم له إحداثيات واقعية تتجاوز الاستنتاج والتحليل وتتحدث عن وقائع على الأرض.‏

 

هذا المحور الذي كان غير منظور وفق مفاهيم البعض تحوّل إلى واقع لم تتغيّر فيه معادلات المواجهة ولا سياقاتها المختلفة، بقدر ما طرأ إضافات على الجبهات مع الإبقاء على محورية الصراع رغم محاولة الإشغال أحياناً، وانتقال في بعض الساحات، وما اقتضته حرب الآخر على المقاومة ومحاورها من تعديل في قسم من الأدوات.. وإضافة أخرى لم تكن ظاهرة للعلن، وإن لم تكن غائبة من خلف الكواليس، وفي بعضها كان هناك محاولة لتحشيد أقصى وسائل الاستهداف، بحيث تفتح المعركة على امتداد جبهاتها، وإن غاصت أحياناً في بعض المتاهات الجانبية بغية التضليل أو التعمية على الهدف الـمُشهر منذ زمن طويل، وإن لم يُعلن صراحة، ليتحول إلى استهداف.‏

 

ما يدفع إلى الحديث ليس ذكرى يوم التحرير على ما في الحديث من ضرورة حقة، بل السياق الذي خلفته التطورات وما أنتجته المتغيرات في إطار تلك المواجهة، التي اتخذت أبعاداً واتجاهات بدت أكثر تحديداً لملامحها وهويتها، ووصولها إلى عتبة الفصل والفرز بين المكونات الفعلية الصادمة وما يجري على الأرض من تخندق واضح لم يترك مجالاً للخلط، ولا احتمالاً للالتباس، في وقت تبدو فيه المعركة متعددة المستويات ومتدحرجة في فصولها المختلفة.‏

 

الأكثر وضوحاً هو طبيعة المعركة ومحددات المواجهة، بكل ما يترتب على ذلك من سحب لكل ما ظهر من تباينات، أو ربما اختلافات في التقييم أو التحديد سابقاً، وبمفعول رجعي، حيث لم تعد هنا مرتبطة فقط بمعايير المواجهات التقليدية المعتادة، بقدر ما أضحت تشكل حالة قائمة بذاتها، استدعت كل أشكال المواجهة، وأضافت إليها عناصر لم تكن واردة، ما شكل تحولاً نوعياً وكمياً في مساحات المواجهة وفي أدواتها، وحتى في الأهداف التي بدت أقرب إلى الحتمية المطلقة، بحيث يقضي نجاح محور بهزيمة الآخر أو اضمحلاله وزواله.‏

 

من هذه الزاوية كان يوم التحرير بمنزلة قاعدة تمهيدية أسهبت في التأسيس لثقافة المقاومة، وزرعت الثقة بإمكانية تحقيق ما يبدو في بعض الأحيان استعصاء في التخيل أو التفكير، وبالتالي رغم فارق الإمكانيات كان الإنجاز إعلان تحوّل نوعي في القياس والمعايرة، حيث الأرضية الفعلية تبقى مرتبطة بالإرادة والعامل البشري، وليست حكراً على مقولة حروب التقنية والوسائل، وهو ما ظهر جلياً في المواجهة الممتدة اليوم مع الإرهاب ومُشغّليه ورُعاته، حيث قد تبدو الفوارق من الاتساع ومن الشمولية بما يكفي للجزم بمآل الأمور ومصادرة حتى نتائجها.‏

 

هكذا كانت المقاومة تعيد تصويب الأمور، وترسم خطاً بيانياً متصاعداً من الدلائل والمؤشرات والقرائن على أن المعركة لا تحسمها المقولات، ولا تحددها الآليات المسبقة، بقدر ما هي نتاج إرادة تعززت، ومحور مقاومة ارتسمت إحداثياته في مواجهة مصيرية لا تقبل أنصاف الحلول، ولا ترتضي أن تكون مجتزأة أو من دون سقوف واضحة ومحددة، حتى لو طال الزمن حيناً.. أو تأخر الحسم حيناً آخر، أو ساد الغموض في حين ثالث.‏

 

واليوم يفتح المشهد الإقليمي والدولي أبوابه على مصراعيه أمام صراع تبدو فيه المحددات أكثر وضوحاً من سابقاتها، في وقت لا تخفي فيه عوامل التأزّم حضورها في سياقات مختلفة، حيث حلبة السباق المشتعلة بين المساعي الحثيثة لتأجيج الصراع وبين جهود التهدئة والتخفيف من الاحتقان وعوامل الانفجار، تشهد على سخونة المواجهة من جهة وعلى حتمية الكفّة الراجحة رغم بعض التأرجحات الموضعية القائمة هنا أو هناك من جهة ثانية، وربما وجود بعض التقييمات المتباينة من حين لآخر.‏

 

المقاومة هنا ليست خياراً فحسب، بل هي قدَر أرادت شعوب المنطقة بكامل إرادتها أن تعبّر عن ذاتها وتطلعاتها من خلاله وعبره، وهو مسألة تجاوزت فيها حدود المقارنة أو الموازنة بين الممكن والمتاح إلى سقوف الحسم في مسائل الوجود والمصير، كما حسمت الجدل أو النقاش في الهوية والانتماء، وأن شعوب المنطقة هي أساس هذه الهوية وإرادتها التي شكلت مقدمة للتحرير تعيد بناء المقدمة ذاتها مع ما تقتضيه متغيّرات طبيعة المعركة للخلاص من الإرهاب وهزيمة مشروعه ومُشغّليه ورُعاته، وهذه هي البوصلة الفعلية للقادم من الأيام، حتى لو اعترضتها بعض العقبات هنا، أو واجهتها بعض التحديات الآنية هناك.‏
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=35346