وجهات نظر

الأزمة السورية في الحرب الفاترة

عبد المنعم علي عيسى


الإعلام تايم- الوطن

على الرغم من أن الرهان على استمرار تدفق جرعات الإنعاش الأميركية الروسية لم يكن رهاناً جدياً قادراً على المدى الطويل على ضبط حالة الاحتقان القصوى التي وصلتها الجغرافيا الحلبية التي حُملت ما لا طاقة لها على احتماله بعد أن رمى الكل الدولي والإقليمي بسلال بيضه في الميدان الحلبي، على الرغم من ذلك فإن استمرار تدفق تلك الجرعات (التي توقفت أخيراً) كان من الممكن أن يشكل بصيص أمل يرى كثيرون أنه كان يمتلك أرضية قد تعمل على اتساعه وهذه الأخيرة تقوم –كما يرى هؤلاء- على قاعدة خلاصتها أن الجميع لا يريد لمعركة حلب أن تندلع، كل لأسبابه الخاصة به- انطلاقاً من أن الجميع أيضاً يدرك أن قرار الانزلاق قد يمتلكه أي طرف من أطراف الصراع إلا أن قرار وقف الانزلاق قد لا يمتلكه- في ظل هذه الظروف- أي أحد دونما استثناء.

 

كان الإعلان عن تمديد الهدنة غالباً ما يصدر عن موسكو وفي ساعات الفجر الأولى لليوم الذي تنتهي فيه الهدنة السابقة ما يشير إلى حدة حالة الجذب والتراخي في حين أن وقف التمديد الذي تأكد منتصف ليل 13/5/2016 كان يشير إلى أن السيل الروسي قد بلغ زباه كما يبدو، وحالة الاستياء وصلت حدودها القصوى وهذي الأخيرة لم تكن ناجمة – فقط- عن حالة الإحباط الروسية في أعقاب فشل المقترح الروسي الذي يقضي بتصنيف حركة أحرار الشام وجيش الإسلام كتنظيمين إرهابيين على لوائح مجلس الأمن (12/5/2016) فموسكو – على الأرجح- كانت تتوقع نتيجة كهذه إلا أن المفاجأة كانت في تقدم البيدق الأوكراني خطوتين دفعة واحدة ما يمكن أن يعتبر رسالة أميركية مفادها أن معركة حصار روسيا قد بلغت مراحلها النهائية أو مرحلة الإكسسوار وقد كان لافتاً كثافة الإكسسوارات بالتزامن مع تقدم البيدق الأوكراني ففي 13/5/2016 تم الإعلان من واشنطن عن تشغيل نظام الدرع الصاروخية في رومانيا وقبلها بأيام كانت قد انطلقت المناورات الجيورجية- الأميركية- البريطانية وأخرى نظيرة لها في بولندا لكنها غير معلنة رسمياً، حيث من الممكن القول: إن مرحلة الحرب الباردة قد انتقلت على مؤشر الحرارة بضع درجات إلى أعلى لتصبح حرباً فاترة مرشحة من جديد لانتقال آخر تبدو شروطه قيد التكوين.

 

كانت المشكلة –ولا تزال- التي تعاني منها موسكو في تعاطيها مع السياسات الأميركية المتبعة في الميدان السوري تتمثل بأن هذه الأخيرة غاية في الإيجابية على الورق وعلى الألسن أيضاً إلا أنها ليست كذلك في الممارسات والوقائع ولطالما شكلت المعضلة الأساس أمام الروسي في سورية هي في طريقة التعاطي مع ثنائية (التصريحات- الممارسة) الأميركية وهو ما لا تمتلك موسكو علاجاً ناجعاً لها وهي مجبرة على التعاطي معها كما هي وفي النهاية أن تطلق واشنطن تصريحات إيجابية وتقوم بممارسات سلبية هو أمر أفضل من أن تطلق تصريحات سلبية وتقوم بممارسات أكثر منها سلبية أليس كذلك؟!

 

واشنطن هي من صنف جبهة النصرة على لوائح الإرهاب 11/12/2011 وهي من دفع باتجاه إصدار القرارين 2253 (17/12/2015) و2254 (18-12-2015) اللذين يضعان داعمي التنظيمات الإرهابية تحت الفصل السابع، وهي أيضاً من أسقط (12/5/2016) مقترحاً روسياً بتصنيف حركة أحرار الشام وجيش الإسلام كتنظيمين إرهابيين على الرغم من أن تحالف الحركة مع جبهة النصرة ليس بحاجة لأي دليل، والذريعة في ذلك أن كلا الفصيلين ممثل في الهيئة العليا للمفاوضات وهو أمر –بحسب الرأي الأميركي- من شأنه أن يضر بمستقبل المفاوضات السورية- السورية في جنيف والموقف الأميركي ليس تثقيلاً لدور الهيئة ولا حباً بها بل لأنها الكرة الأولى التي لا غنى عنها للاعب البليارد الأميركي الذي يحتاج إلى عدة كرات قبيل أن تعطي اللعبة النتائج المرجوة منها.

 

تشير تقارير الاستخبارات الألمانية أواخر العام 2015 إلى إن واشنطن تدرك تماماً أن (50%) من الأسلحة التي تقدمها لفصائل حليفة لها على الأرض السورية تذهب إلى جبهة النصرة، وترى تلك التقارير أن اشنطن عمدت إلى التعاون مع بعض الفصائل لأنها لا تستطيع التعاطي مع النصرة بشكل مباشر، وتضيف –التقارير- بأن وتيرة الدعم الأميركية كانت قد تضاعفت في أعقاب عاصفة السوخوي 30/9/2015 كوسيلة للتخفيف من الآثار التي تخلفها العملية الروسية على مجمل الفصائل المسلحة المعارضة.

 

لم تسع موسكو إلى تمديد الهدنة بل إن هذه الأخيرة لم تكد تنقضي مهلتها فجر 13/5/2016 حتى قام سلاح الجو الروسي بقصف مواقع جيش الفتح المعدل إلا أن ذلك لم يكن يصل إلى حدود تجاوز العتبات السابقة وهو ما يمكن تلمسه في الأداء العسكري الروسي الذي يتحاشى الاصطدام مع وكلاء إقليميين أو دوليين وخصوصاً على الجبهة الحلبية شديدة التعقيد.

 

حلب على أعتاب حرب كبرى!! ربما، إلا أن كثيرين يرون أن الموانع التي تقف في مواجهة اندلاعها هي أكبر بكثير من موجباتها انطلاقاً من تقرير يقول إن الجميع يريد أن يتحاشاها، إلا أن الروس –كما يبدو- لا يرون كذلك ما دامت واشنطن مصرة على إعادة عقارب الزمن إلى ما قبل 30/9/2015 ولذا فإن موسكو ترى أن إستراتيجيتها تكمن في تثبيت المعادلات العسكرية التي أفرزتها عاصفة السوخوي، حتى ولو اضطر الأمر إلى تجاوز تلك العتبات وفي النهاية فإن الرهان على اجتراح حلول سياسية من دون أن يسبقها معارك –أو على الأقل معركة كبرى- هو رهان لا يبدو أن أحداً يقتنع به أو يراه ممكناً.

 

ما يؤخذ على الأداء الروسي هو الاستعجال (ولربما يقع في إطار هذا الأخير قرار الانسحاب الجزئي 15/3/2016 للقاذفات الروسية) فالدبلوماسية الروسية باتت مسكونة بهاجس الزمن الذي تعتبر نفسها في سباق معه، بمعنى أنها ترى وجوب الإسراع للوصول إلى توافقات سياسية للأزمة السورية قبيل أن يحل شهر أيلول المقبل عندما تدخل الإدارة الأميركية مرحلة الشلل الانتخابي.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=35005