الإعلام تايم - الوطن العمانية
لم ينتبه أحد في غمرة هطول المال بالمظلة واجتياح الدعايات العقول المتعبة، إلى كارثة ستقع، بل وقعت بعدها، حين وضع المال اليد على أجمل مناطق بيروت، وربما أسواق العرب وساحاتهم، وأعني ساحة الشهداء وملحقاتها من أسواق ذات قيمة تاريخية، فتم تهديمها في غفلة عين وقضي بذلك على روح العاصمة، على أجملها وأزهاها وأكثرها تأثيراً في النفوس وأغلاها قيمة معنوية لما لها من معنى عند اللبنانيين وخصوصاً بعض الأجيال التي عاشتها .. وعلى حد تعبير أحد المتضررين مما صار، أنه كان بالإمكان ترميم المخرب أو المدمر جزئياً وإعادة إعمار ما تهدم كلياً وهو قليل جداً.
قبض المال على الروح فلا هو تنفس وفاء للمدينة المسكينة الرائعة، ولا هي قبلت بما جرى لها، فتحول المكان من حضور متأجج الى صورة ميتة، ومن عنوان لمدينة حاضرة بقوة في ذاتيتها، إلى فراغ روحي تصبح كل أشكاله القائمة بلا مقاييس إنسانية.
اليوم بيروت بلا روح، باردة يفتش فيها المرء عن مكان يسترجع فيه قوة الحنين فلا يحده، صارت المدينة مجرد شوارع ، لاحميمية ولا جمالاً مدنياً ، صارت بلا عنوان سوى أنها عاصمة لبلد اشتراه المال وضيعه ..
في موسم الاستحقاق البلدي قبل أيام قليلة، يبدو أن المال آخذ في التبخر، وأن ثمة صحوة للناس بمثابة وعي متأخر. فبيروت عاصمة جمال عبد الناصر ومتنفس العروبة وحاضرة المقاومة، والحاضرة في الثقافة والفن وفي السياسة الملتهبة، عادت إليها شجاعتها لتقول بالأمس أنها تتغير، أي تريد أن تعود إلى عهدها، وأن شبابها يتغير أيضاً، وعالمه لم يعد يتجانس مع سنوات ضاعت ، لكنها ربما كانت حدثاً في وقتها، أما الآن فلا سبيل إلا أن تعود بيروت إلى بيروت وكما تقول فيروز والرحابنة ” ارجعي يا بيروت ترجع الأيام “.
المال إذاً لاتدوم مؤثراته، وما تبقى يعيش ويزدهر، أعطونا أسماء أصحاب أموال عمروا في التاريخ ، مقابل أصحاب أفكار وثقافة وقيم إنسانية مازلنا نتداولهم إلى اليوم، وغداً وبعده.
تحية لبيروت التي نطقت بأول سطر في التغيير وستنطق أكثر في رحلتها الواثقة من عودتها إلى نفسها. |
||||||||
|