تحقيقات وتقارير

رغم إهانته.. إرضاء النظام السعودي أولوية لأوباما


الاعلام تايم_فاطمة فاضل

"لاتضع أحداً فوق قدره، فيضعك دون قدرك".. بهذه الجملة تختصر مشاعر وتجربة الرئيس الامريكي باراك أوباما بعد زيارته الى مملكة بني سعود، إذ شكلت هذه الحادثة جدلاً واسعاً على المستوى السياسي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فبعد علاقة خاصة جمعت البلدين أكثر من 70 عاماً، كثرت خلالها الاستثمارات والدعم النفسي و المادي والعسكري بين البلدين، هي الاّن على حافة الهاوية، فبعد زيارة الرئيس الأمريكي لبحث موضوعات عديدة، كان باستقباله وزير خارجية النظام السعودي عادل الجبير في مطار الرياض، و اعتُبر هذا الاستقبال متدني دبلوماسياً إذا ما قورن باستقبال أمير أبو ظبي الذي لاقاه الملك سلمان بن عبد العزيز شخصياً، والأمر نفسه لأمير الكويت في اليوم ذاته.

لم ينس اوباما أن يرد على إهانته بدرس لن تنساه مملكة الرمال، وذلك خلال حديث أدلى به أثناء توقفه في لندن، في إطار جولته الأوروبية، قائلاً " سيكون من الخطأ إرسال قوات برية الى سورية، وكل ما تستطيعه بلاده هو ممارسة ضغوط على المستوى الدولي على الاطراف الموجودة في الساحة السورية، للجلوس الى مائدة المفاوضات"، قد يكون ذلك رداً غير مباشراً من قبله على الاستخفاف به، وقد يكون ذلك استناداً الى رؤيته التي أعلنها منذ بدء ولايته الاولى، على عدم التورط عسكرياً في الشرق الاوسط، والانجرار الى حرب فيها، موضحاً ذلك في مقابلته الشهيرة لمجلة “اتلانتيك” الامريكية الشهر الماضي، حيث قال "إنني فخور بعدم شن الحرب على سورية، لقد ذهب عني العبء الثقيل للحكمة التقليدية وآلية أجهزة أمننا الوطني"، مضيفاً "إن دولا خليجية تريد ركوباً مجانياً على ظهر امريكا، ونصحها بالحوار والتوصل الى سلام بارد مع ايران واقتسام المنطقة".

الرهان التركي والخليجي على تدخل أمريكا عسكرياً في سورية فشل، فَلو كان الرئيس الامريكي يملك أي نوايا حقيقية في هذا الصدد، لفعل عندما جرى اتهام هذا سورية باختراق الخطوط  الحمراء واستخدام  الاسلحة الكيماوية منذ عام 2013، وبالتالي قد تعتبر رسالة حقيقية الى "المعارضة السورية" في الرياض بأن الداعم الأكبر لحلفائه قد غير وجهته، واستقام في طريقه، قبل انتهاء مدة ولايته في الاشهر القليلة القادمة، حفاظا لماء وجهه وجائزة نوبل للسلام التي حصل عليها قبل سنوات.


السعودية دخلت في حالة صراع كبير مع نفسها بعد صدمة اوباما لها الذي أظهر نواياه الداخلية، وتأكيده للتحول الذي شهدته السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة الأخيرة، وخشية الرياض من أن ألا يكون أوباما بذلك يعبر عن توجهاته الشخصية، وإنما يعبر عن فصيل عريض من صناع القرار في مختلف المؤسسات الأمريكية، وأن ذلك لن يقتصر على فترة أوباما، وإنما قد يمتد لمن يخلفه في البيت الأبيض، سواء كان جمهوريًا أو ديموقراطيًا، إذ من شأن ذلك أن يضر ليس فقط بعلاقات البلدين، وإنما بالأمن والاستقرار في منطقة الخليج، لأنه قد يعمق من الصراعات الدائرة في المنطقة، ويزدها اشتعالًا، خاصة بعد ترك الساحة للدب الروسي ليعلن صراحة عن وجوده ودوره في تحديد مستقبل المنطقة.

رد بني سعود ورفضهم للتحول الامريكي جاء سريعا بتعبيرها عن إمكانية البحث عن شركاء جدد، وهم كثر حسب التصريحات السعودية الرسمية، والإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة.

فبعد نجاح أوباما في إحداث تحول ملحوظ في السياسة الخارجية الأمريكية، عامداً إلى الابتعاد عن حلفائه التقليديين، ونقل مركز الثقل في السياسة الخارجية الأمريكية إلى منطقة شرق آسيا، معتبرًا أن التهديد الحقيقي المحتمل أن تواجهه الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، يتمثل في التنين الصيني، الذي ينمو وبقوة ويهدد مناطق النفوذ الأمريكي في قارة آسيا.

ولذلك عملت الإدارة الامريكية على تغيير نمط تحالفاتها في منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها منطقة الخليج، وبدأت في التقارب مع إيران، وإرسال إشارات لدول الخليج بأنها لن تبقى إلى ما لا نهاية تدافع عن أمن واستقرار دول الخليج، وهو ما تأكد خلال الفترة الماضية، خاصة بعد أن رفضت الولايات المتحدة أن تشارك السعودية في التحالف الدولي ضد اليمن.

الهوة بين البلدين تتسع ومسار العلاقات سيتغير حتماً بعد خلافات متشعبة بخصوص المشروع الايراني و الأزمة السورية وكان اّخرها قبول أمريكا من أهالي ضحايا 11 سبتمبر طلبات تعويض لهم ستقدمها السعودية واتهامها بتقديم دعم مادي للقاعدة بعد اكتشاف التحقيقات تورط 15 سعودي بالتفجير، إلّا أن السعودية هددت بسحب استثمارات في الولايات المتحدة، تبلغ قيمتها ما بين 750 مليارا إلى تريليون دولار حال تمرير الوثيقة المزمع إصدارها.

الكثير من التحليلات السياسية رأت بأن شهر العسل بين العاصمتين قد انتهى، وحان وقت العمل الجدي، فمصلحة أمريكا لم تعد مع السعودية أبداً...في الحقيقة نرى بأن واشنطن تركت شعرة معاوية عالقة على حدود العلاقة السياسية بينهما خاصة بعد إرسال أمريكا 250 جندياً الى الشمال السوري في 25 نيسان الحالي مناقضة بذلك تصريحاتها السابقة، إذاً الشيزوفرينيا أصابت المفصل السياسي ولم تقتصر على المرضى النفسيين، فالاّراء تنقلب بلحظة وضحاها، ومن كان صديقك اليوم تراه قد وجه لك طعنة في اليوم التالي، النفوس في حالة توتر والصبر بلغ أوجه، فالأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عن كل التساؤلات المطروحة في أذهاننا، فالسياسة عبارة عن لعبة مهما طالت مدتها لا بد لها أن تنتهي حتماً.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=34526