وجهات نظر

رسائل الوقت الضائع

علي قاسم


الإعلام تايم- الثورة

يتنازع الفرنسيون والألمان الدور على خطب ود السعوديين والقطريين ومرتزقتهم وممثليهم من الإرهابيين، عبر الدعوة إلى احتضان اجتماعات موازية، يدارون عبرها فشلهم، وهو تنازع يبدو أبعد من حدود ومضمون التسريبات وما ينتج عنها، وسط تأكيدات بأن التمايز بين الألماني والفرنسي في المقاربة أكثر اتساعاً من ذلك بكثير،حيث البساط المسحوب أميركياً وبشكل جماعي من الدور الأوروبي، لا يمكن أن يعوض فردياً، ولو توهم بعضهم أو كلهم غير ذلك.‏

 

فالواضح أن تراجع الحضور الأوروبي في النقاش الروسي الأميركي يدفع كلاً من ألمانيا وفرنسا إلى البحث في الممرات الجانبية أو المعابر الهامشية عن أدوار تعيد ترتيب المشهد، بحيث يكون التفويض الممنوح أميركياً بإدارة الأدوار الإقليمية المشغلة للإرهابيين قد عاد إلى سابق عهده، من دون أن يعني ذلك تمكن أي منهما من تحقيق ذلك، رغم ما يشوب حركتهما الارتجالية.‏

 

فبعد اندفاع المستشارة الألمانية في تبني الطرح التركي، يأتي حديث وزير الخارجية الألماني لصحيفة دي فيليب عن أن الأزمة في سورية لم تكن داخلية منذ البداية، ليمر من دون ضجيج، ما يؤكد أنه يندرج في إطار الاعتراف المتأخر بالمأزق الذي وصلت إليه السياسات الغربية والحائط المسدود الذي تواجهه "البروباغندا" الغربية، التي تعامت عن حقائق التورط الإقليمي في تأجيج الأزمة.‏

 

قد لا تبدو هناك إضافة فعلية في الحديث الألماني إذا ما تعلق الأمر بالحقائق التي استدرجها، لكنه في سياق العبث الغربي والتلاعب بالتوقيت والتاريخ والحدث، يشكل انعكاساً عملياً لسياسة ونهج غربيين يبالغان إلى حد الصدمة في القراءة المتأخرة التي لا تنفع في شيء سوى المتاجرة الرخيصة بالمواقف في الوقت بدل من الضائع، وهو الحال ذاته الذي ينسحب على ما يجري في حلب، حيث الاعترافات الأميركية المتأخرة لا تعني إدراك الحقيقة، بقدر ما تهدف إلى تحوير اتجاه الصراع، وتحويل أخطر في مسبباته وأسبابه، ومحاولة مصادرة نتائجه تبعاً لتوافقها مع الأجندات المعدة مسبقاً.‏

 

فحلب وما تواجهه وما تعانيه من إرهاب النصرة، المدرجة على لوائح التنظيمات الإرهابية أميركياً وأممياً ودولياً، ومن تحالف معها، لم يعد بنظر الأميركيين سوى خرق لوقف الأعمال القتالية، رغم أن جبهة النصرة وما يرتبط بها من تنظيمات وفق القرار الأممي ليست داخل أي اتفاق، وما انضم إليها لاحقاً من تنظيمات ينطبق عليه الأمر ذاته، وبدل أن يكون الجهد الدولي منصباً على مواجهة الإرهاب الذي تشكله باتت القضية في خرق هنا أو هناك، والأخطر أن يتم التعامل مع استهداف تلك التنظيمات على أنه مجرد خرق، ويحتاج إلى إعادة تثبيت!!‏

 

ورغم اختلاف المقارنة، لكنها تتقاطع في نقاط عديدة، وتتلاقى عند قواسم مشتركة، تمثل الجيل الجديد من نمطية التعاطي الغربي، وربما كانت مقدمة لمنهج النفاق الغربي بنسخته الألمانية المعدلة، حيث لا نعتقد أن وزير الخارجية الألمانية تعمّد التصادم مع رئيسته ميركل، وإن بدت مقاربته أقرب إلى الانقلاب على الطرح الغربي المستمر، وما يشبه التمرد على ما تقدمه المستشارة ميركل من تقاطع مع التركي والترويج لأفكار بدت منذ البداية مستحيلة التحقق.‏

 

فالاعتراف بأن الأزمة في سورية لم تكن منذ البداية داخلية، وأن هناك أطرافاً إقليمية ودولية لها امتدادات في دعم ما يجري، بل أصابع للتخطيط المسبق له على قاعدة إدارة الحرب الأميركية والغربية بالوكالة، وعبر مرتزقة وإرهابيين قادمين من خارج الحدود السورية، يترجم في حده الأدنى تنازعاً في الفهم الغربي الذي ينهي إلى حد بعيد أسطورة «البروباغندا» الغربية التي تعمدت تجاهل ذلك، ومن دون أن تفكر حتى في مراجعتها.‏

 

لكن ذلك بكل الأحوال، لا يمكن التعويل عليه، ما دام خارج سياق الترجمة الفعلية للسياسة الغربية، وإن كان في نهاية المطاف، يفتح ممراً قسرياً لا بد من عبوره لمواجهة ما نتج، ولفهم مخاطر التداعيات الناتجة، التي قد تكون قاعدة لإعادة تجريف المقاربة الغربية نحو فصل جديد، تلح ميركل على تجاذب التقاطعات فيه نحو إظهار صورة من الاختلاف التي يراد لها التمهيد للدخول الأميركي على خط المزايدة، رغم النفي المتكرر بوجود نية في ذلك.‏

 

على هذه القاعدة، لم يكن شتاينماير يغرد خارج السرب الغربي، بقدر ما كان يحاول أن يفتح بوابات للجدل، وأن يخترق حدود المتاهة المفتوحة، حيث الاعترافات التي لا تسمن.. ولا تغني.. ولا تفيد.. ما لم تكن معتمدة على قاعدة مراجعة حقيقية للخطاب الغربي، تبقى مجرد زوبعة في فنجان، وهي التي استغرقت خمس سنوات ونيفاً من الزمن حتى أدركها، أو على الأقل حتى نطق بها، فكم من الزمن يحتاج الأميركي، وغيره، وكم عقد يراد له أن يبقى غائباً عن الحقيقة ومجرداً من أي معنى أو هدف سوى لغة الأطماع.‏

 

أكاذيب الغرب تمتد، وما ذهب منها بالتقادم يتم تجديده بما ينطقه الكثيرون عن حلب وما يجري بها، وسط تجريف أميركي إضافي في المصطلحات، يعيد الخلطة الغربية إلى المربع الأول، وإن كان النطق بالحقيقة -ولو متأخراً- دليلاً إضافياً على حالة إفلاس في الخطاب الغربي، أكثر مما تشير إلى صحوة ضمير ممكنة أو متاحة، وربما كانت رسائل الوقت ما بعد البدل من ضائع.‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=34519