وجهات نظر

ترميم الحلبة الدولية..!!

علي قاسم


الإعلام تايم- الثورة


جاءت التفاصيل المسرّبة قبل الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي دي ميستورا لمجلس الأمن كافية لتحليل اتجاهات ما أنتجته الجولة الثالثة في جنيف، رغم ما أثير من تحليلات كانت تستهدف إثارة غبار معارك افتراضية على وقع تخمينات لم تتردد في محاولة مصادرة تلك الإحاطة، بل -في بعض تفاصيلها- وضعتها في كفّة الاتهام اعتماداً على تجارب سابقة للمبعوث الأممي أو بناء على معطيات تعمّد شخصياً، أو فريقه، تسريبها.‏

 

فالواضح أن استدراج مصطلحات بعينها وكلمات بذاتها لم يكن متاحاً ولا ممكناً لولا ما فرضته تقاطعات الشد والرخي على حجر الرحى المتحركة داخل الحلبة الدولية، حيث اللعب على المفردات، ورغم حضوره البين في بعض الجوانب، لم يتمكن من المداورة على الحقائق التي اضطر السيد دي ميستورا إلى الإقرار بها ولو على مضض، أو من دون تسليط الضوء على تفاصيلها وما يمكن أن يبنى عليها من استنتاجات موازية، بحكم ما تحمله من دلالات مهمة في سياق البحث عن الأسباب التي أدت إلى تبعثر الجهد الدولي أحياناً، وإلى دخوله في ممرات قسرية من النقاش الذي كاد يُخرج المهمة الدولية من سياقها كلياً، بعد أن نجح في ذلك جزئياً.‏

 

فالمعايرة للناتج المتوقع مختلّة، لأن التجارب السابقة لا تستطيع أن تضمن أو تكفل رجحان الكفّة الفعلية للجهد الدولي وما يثار حوله، خصوصاً أن الكثير من المحددات التي تم تجاوزها عادت لتكون العقبة التي كادت تنسف الجولة، حين سمحت بتسلل الإرهابيين علناً إلى لائحة المفاوضين، وسمحت رغم ما في سجل بعضهم من جرائم إرهابية موصوفة أن يمروا أمام البوابات الأمنية والدبلوماسية الأوروبية، وبتأشيرة من الدرجة الأولى.‏

 

وهو الأمر الذي ينسحب أيضاً على كثير من التنظيمات التي أقرت الانضمام إلى وقف الأعمال القتالية كي تتجنب استهدافها في وقت لم تتردد في خرقه كلما سنحت الفرصة، ولم تتأخر في استغلاله من أجل إعادة التسليح مدعومة بأجندات إقليمية ودولية، بما فيها الأميركية، التي كانت استخباراتها تشرف على أضخم صفقة تسليح للتنظيمات الإرهابية بعد سريان مفعول وقف الأعمال القتالية، وبعض تلك الصفقة كان قد وصل إلى "داعش والنصرة" وتوزع الباقي على التنظيمات التي دخلت ضمن وقف الأعمال القتالية لكنها لم توقف إرهابها.‏

 

هذا على الأرض أو في الميدان، أما في السياسة، فإن الأمر يتعدى ذلك حين برزت إلى العلن أن من أوكلت إليهم مهمة تشكيل وفد المعارضة كان أحد أهم المعرقلين والمفخخين لطاولة جنيف، بدليل أن ما رَست عليه قاعدتهم بفقهيتها الوهابية كان يستوجب المساءلة لسببين على الأقل، أولهما: لغة الإلغاء للآخرين واستبعادهم، وثانيهما رفد الوفد المعتمد بأكثر من عضو إرهابي ويمثل تنظيمات إرهابية، بل وأن يصل الأمر إلى الطلب العلني بنقض اتفاق وقف الأعمال القتالية والتحريض على ذلك.‏

 

قد يكون بمقدور المبعوث الأممي أن يستعين بخبراء في الإنشاء اللغوي كي يتفادى الإشارات التي تسقط من اللغة من دون أن يتعمدها، وأن يتجنب الإقرار بما لا يريد أن يقر به، وبما قد يؤذي من اعتمده من دون قصد، لكن سيكون من العسير عليه أن يواصل ذلك، وهي مهمة ليست صعبة بل مستحيلة، ستسقط الكلمات حيث يجب أن تكون وفي موضعها، والاعترافات ستأتي ولو كانت خارج أوقاتها، والأهم أن ما بات صريحاً وملموساً وواضحاً ومعترفاً به واقعياً لن يعدّل فيه إذا ما تجاهله المبعوث الأممي، ولن يتم حجبه حتى لو بقيت المحاولة.‏

 

في نهاية المطاف نحن أمام وقائع تتدحرج على الأرض، وما فشل به من أسند إليه تلك المهمة، أو من أوكل إليه إدارة ذلك لن يقدر على تعويضه، ولن يسدّ ما أحدثه من فراغات ومساحات لا بد من أن تغلق، وأن يكون هناك من يسدّها ويتسيدها، بدأتها روسيا عبر الطلب بإدراج جيش الإسلام وأحرار الشام على قائمة العقوبات، وسواء نجحت في ذلك أم تنطحت أميركا وفرنسا وبريطانيا لعرقلتها وحماية مرتزقتها، فالنتيجة محسومة، وما انكشف لبعض الوقت لن ينفع أن تعيد تغطيته كل ما تبقى من الوقت.‏

 

كرة الاستدراج الروسي للمصطلحات والمواقف وصولاً إلى سحب الذرائع من الحلبة الدولية أو إسقاطها، ليست وليدة اللحظة الراهنة، ولا هي نتاج ما حصل اليوم أو قبله بأيام، بل نتيجة سياسة كانت تقدّم مقاربة واقعية هادئة وصبورة، وقابلتها أو تقاطعت معها إيجابية سورية أثارت أسئلة كثيرة ومهمة لا تخلو من غمز أحياناً ومن تعجب أحياناً أخرى، لكنها في ختام الجولة الثالثة كانت تضع حروفاً على كلمات مفقودة في المشهد, ونقاطاً على أحرف مهجورة علها ترمم ولو جزئياً حالة التسيّب القصوى في المشهد الأممي.‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=34280