وجهات نظر

لا للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين

د. محمد أشرف البيومي


الإعلام تايم - الوطن


صدمت صدمة كبيرة كما صدم ملايين المصريين عندما أسقطت السيادة المصرية عن جزر تيران وصنافير، يتذكر الشعب جيداً التضحيات الهائلة التي قدمها للدفاع عنهما والدم الذي بذل والثمن الغالي الذي دفعه شعب مصر وجيشه في مواجهة العدوان الصهيوني والتآمر الاستعماري الإمبريالي بالتعاون مع الرجعية العربية، ندرك جيداً أن الجزيرتين، مثل سيناء، لا يتمتع أي منهم بالسيادة الكاملة منذ اتفاق كامب دافيد المشؤوم والمعاهدة التي أطلق عليها زوراً معاهدة السلام.

 

هذه الاتفاقات التي وقعها السادات في غياب كامل للإرادة الشعبية، والتي صاحبها ما سمي الانفتاح الاقتصادي الذي أدى إلى التراجع عن منهج التنمية المستقلة، هي السبب الرئيسي للمشاكل التي يعانيها الشعب، فقد أدى ذلك إلى وقوع مصر في حبال التبعية للحكومات الغربية والسعودية، هكذا صار التحكم في مصائرنا رهن المساعدات والهبات التي يستحيل، أكرر يستحيل، أن تؤدي إلى حل المشاكل الاقتصادية، ناهيك عن نهضة تنموية ترتكز على قاعدة علمية وتكنولوجية متقدمة، لقد مضى أكثر من 35 عاماً على نهج كامب دافيد بشقيه السياسي والاقتصادي وهاهي النتائج البائسة من بطالة وعدم إنتاج ونمو خطر للفجوة بين السوبر أغنياء وبقية الشعب بفئاته المتوسطة والفقيرة.

 

من البدهي أنه عندما يكون جزء من الوطن غير مكتمل السيادة يصبح الوطن كله منتقص السيادة فيصبح على رأس قائمة الأولويات استكمال السيادة الوطنية مهما كانت العقبات والوقت اللازم لتحقيق ذلك، لهذا فإن التقييم الموضوعي لأداء أي رئيس لمصر يستند كأحد المكونات الأساسية على مدى استكماله لهذه السيادة، وبالقطع ليس المزيد من التنازل عنها ممثلاً في جزيرتي تيران وصنافير.


لقد أيدنا الرئيس السيسي عندما تخلص من حكم الإخوان الفاشي، ورغم عدم رضانا عن قرارات وأداء الرئيس السيسي في بعض الأمور، منها السماح بمشاركة مصر، ولو هامشياً، في الحرب الجائرة على اليمن ودفء علاقاته بالعدو الصهيوني، فقد انتظرنا قلقين نستطلع لإشارات نحو تصليح الأوضاع. ورغم إعلان استيائنا في رسائل مفتوحة للرئيس السيسي فقد آثرنا الصبر لإدراكنا أن حماية الدولة الوطنية هي الأولوية في ظل التآمر الداخلي والإقليمي والدولي. ولكن عندما تمس السيادة الوطنية نفسها يتبدد تأييدنا لرئيس الدولة وإلا نصبح مشاركين ضمناً في إهدار الكرامة المصرية وهو الأمر الذي لاقى رفضاً شعبياً واسعاً وألماً شديداً للمواطنين رغم محاولات التسويغ المرفوضة والمغلفة بادعاءات قانونية زائفة لا بد أن تخضع للتمحيص وليس لأن مصدرها د. مفيد شهاب. كذلك الأمر لتوظيف ظاهرة تحرك القارات الجيولوجي لتسويغ سعودية الجزيرتين.

 

لقد أضافت مشاهد التكريم لملك "السعودية"، بما في ذلك منحه دكتوراه فخرية من جامعة القاهرة، إلى الجرح الوطني بعد انفراد الرئيس بقرار سيادي مفاجئ بتسليم الجزيرتين دون أي اكتراث برأي الشعب. وهنا نتساءل: لماذا هذا التكريم؟ هل هو لشن حرب عدوانية على شعب اليمن بحجج كاذبة والتي شملت جرائم حرب، منها استخدام القنابل العنقودية. لقد بدأ العالم يتحدث عن هذه الجرائم التي قد تؤدي إلى محاكمة دولية لجرائم الحرب لأعضاء التحالف السعودي. هل استحق الملك سلمان الدكتوراه الفخرية افتخاراً بلغته العربية العريقة أم لعلمه الغزير أم لاحترامه الصارم لحقوق شعبه والشعب العربي عموماً، خصوصاً في سورية واليمن؟ كم شعرت بالخجل والاستياء الشديد كإنسان ومواطن مصري وعربي وكأستاذ جامعي لهذا المشهد المؤلم!


لقد اطلعت على العديد من الوثائق والمسوغات الرسمية ولم أجد دليلاً واحداً على ملكية السعودية، أو الحجاز قبلها، لهاتين الجزيرتين. كما أن اختزال الأمر على الملكية القانونية التي يمنحها المستعمر البريطاني هو انتقاص من خطورة الأمر وتشويه للقضية.

 

أما تناول الإعلام الرسمي مثل صحيفة الأهرام (باستثناء مقال أحمد سيد النجار المهم على موقع بوابة الأهرام الإلكترونية) وبعض برامج التلفزيون، يفتقد المهنية، بل يصل إلى درجة خداع المواطنين وتشويه القضية. فطرح خطابات د. عصمت عبد المجيد ومقال للدكتور البرادعي وشهادة د. مفيد شهاب (وثلاثتهم من طاقم كامب دافيد) يثير الاشمئزاز. وإن دققنا في محتويات هذه المصادر لا نجد دليلاً واحداً على ملكية قانونية السعودية للجزيرتين. إن سقوط الإعلام المشين قد يعوضه بعض الشيء مواقف شخصيات وطنية مسؤولة رافضة للتخلي عن السيادة. يزداد ألمنا عندما نشعر أن مصر أصبحت مباحة لقاء حفنة من الريالات السعودية. ولكن الشعب الفقير يرفض تماماً هذا المنهج. وإذا كنا كمواطنين نتألم لفقدان أم الرشراش ونقص سيادة سيناء، فهل معنى ذلك أن نسكت على ضياع صنافير وتيران فيضيع أمن خليج العقبة ثم أمن سيناء؟


كذلك فإننا نعتبر أن طرح القضية حسب المنهج التجزيئي، الاختزالي المعتاد يخفي قضايا محورية ومخاطر كبيرة. نرفض تماماً تعريف القضية فقط من خلال سحب السيادة المصرية الفعلية من الجزيرتين، على أهمية ذلك. لا بد أن نطرح السؤال المهم: لماذا الآن؟ هل كانت مصر بمنزلة غفير يحمي الجزيرتين لحساب العمدة السعودي الذي تذكر فجأة سيادته على الجزيرتين؟ يبدو أن الشعب المصري هو الوحيد المفاجأ فالتقارير تجمع على مناقشات شملت الولايات المتحدة الأميركية والعدو الصهيوني والسعودية التي أدت إلى التزام السعودية بوضع الجزيرتين في منطقة ج كما نصت كامب دافيد. هل يعقل أن نتنياهو والمؤسسات الصهيونية تناقش القضية لعدة شهور على حين نبقى هنا في مصر مغيبين عن هذا الموضوع الحيوي حتى نفاجأ به صباح ذات يوم؟ أين الشفافية واحترام إرادة الشعب وحقه في المشاركة في قضاياه المصيرية؟

 

وماذا عن وثيقة التفاهم بين السعودية والكيان الصهيوني التي وقعت عام 2014 من العقيد دافيد سلامي الصهيوني ومن اللواء أحمد بن صالح الزهراني كقائد للقوات البحرية السعودية؟ يحدد الاتفاق أبعاد التعاون العسكري المشترك الذي يشمل باب المندب وخليج عدن وقناة السويس وأيضاً جزر تيران. فمن الذي يهدد الأمن القومي في البحر الأحمر؟

 

لا يمكننا أن نقع فريسة إعلام كاذب يعرض مسألة الجسر البري عبر الجزيرتين كإنجاز هائل سيؤدي للخير والرخاء. لا بد إذا من معرفة حقيقة مشروع الجسر البري وخطورة أبعاده كجزء من مشاريع الشرق أوسط الجديد. وبحث جاد حول تأثير المشروع المرتقب الرابط بين الخليج والبحر المتوسط وأبعاده دولياً ومصرياً.

 

لن أتوقف كثيراً على الأسلوب الرسمي لتناول القضية. أجمع أغلبية المعلقين على أداء مفرط في التخبط وعدم احترام تفاعل الشعب مع القضية ولكني أود أن أؤكد رفضي التام لمفاهيم يطلقها الرئيس مثل مطالبته بالثقة العمياء فيه وافتراض عدم إخلاص من يختلف معه ومن يبحث في الحقائق. يبدو أن الرئيس السيسي الذي انتخبه الشعب، لا يدرك مثل سابقيه مدى اهتمام المواطن العادي بالكرامة الوطنية وتمسكه بأرض وطنه.

 

نسعى إلى حوار جاد حول القضايا الوطنية التي يتجنبها البعض وكأنها من المحرمات لكننا نصر على طرحها بهدف الخروج من نهج كامب دافيد واسترداد الاستقلال الوطني.


ونعيد إصرارنا على مصرية الجزيرتين بكل المقاييس التاريخية والوطنية، ما يستدعي مراجعة الاتفاق الأخير.

 

يجب الإشارة إلى أن المعارضة الوطنية تفسح مجالاً للسلطة لتدارك الأمور وتغيير مواقفها والاستفادة من سند الموقف الشعبي تجاه القضايا كافة ويجب الحذر من القوى المتربصة من الإخوان المسلمين وحلفائهم الذين يستغلون الظروف لتحقيق أهدافهم، وألا يظن أحد أن مواقفنا المتشابهه حول تيران وصنافير تعني بأي حال من الأحوال التقاء في الأهداف معهم.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=34232