وجهات نظر

"زواريب" الانتقائية ..!!

علي قاسم


الإعلام تايم - الثورة 

تعود أوراق التعويل على الإرهاب إلى الظهور، بعد انحسار أو انكفاء في العلن لم يستطع أن يحجب ما يجري في السر، بعضها يعود من بوابة جنيف كمعبر احتياطي أو كبديل للتعويض عن الفشل في الميدان، وجزء منه اختار مجلس الأمن بنصوصه أو نقاشاته ممراً قسرياً أو موارباً للوصول إلى طاولات جنيف، ولو كانت الجانبية منها على الأقل، ومع ذلك لم يجد رعاة المشروع الإرهابي حرجاً في الإضافة هنا والحذف هناك، وبينهما كان الجدل على الأصل والجذر والأساس قائماً ومستمراً، في مشهد يعكس فوضى المقاربات الصادرة في أغلبها عن أمر العمليات المدون في رسائل الإرهاب تعويلاً وتمويلاً وتسليحاً ومصطلحاً أو تسمية.‏

 

لا نعتقد أنه من المفيد الإسهاب في إعادة الشرح والتفسير لكثير من النصوص التي لاكتها الألسن، إلى حد بات الاجترار فيها مضيعة للوقت، لكن في الوقت ذاته سيكون من المتعب النظر إلى الحيثيات المرتبطة بها من دون التعريج مجدداً على أهدافها والأجندات المحمولة في تفاصيلها، حتى لو تقنعت تحت عناوين مبادرات أو اقتراحات أو وجهات نظر، أو رؤية ننتظر الرد عليها هنا أو هناك، خصوصاً ما يتعلق منها بالملامسة المقلوبة لجوهر المعضلة.‏

 

فالقضية تبقى وتظل تحمل مفارقات الطرح، حيث تريد تبييض صفحة من خرج على معايير وجود الدولة تحت بند الاستيعاب، فيما تبدو الإشكالية الناجمة عن مقاربة هيكلة الدولة ومؤسساتها جزءاً لا يتجزأ من «بروباغندا» تتعمد الترويج للفكرة ذاتها التي عجز عنها الإرهاب، وفشل في تحقيقها المرتزقةُ والمشتغلون بأمر عمليات مرحلي ومؤقت، حسب الحاجة أو وفق طلب جوقة العدوان.‏

 

في جوهر النقاش.. تمتد الأسئلة المتعلقة بتفسير النصوص الواردة في التفاهمات كما هو الحال في القرارات الدولية إلى ما هو أبعد مما يطفو على السطح من أفكار، بأبعاد تكاد تختزل المشهد بكل تفاصيله، حيث تمثل في نهاية المطاف أداة تعويم لأفكار مرفوضة أو إحياء لطروحات ساقطة، تم تدويرها بلبوس جديد.‏

 

يُضافُ إليها، ما يجتهد المبعوث الأممي في مراكمته من حيث الشكل والمحددات والأساسيات الحركية في إدارة جلسات اللقاء، بحيث يُفترض أن يكون الناقل الحصري لكثير منها، وأن يكتفي بنص مهمته الذي يحمل تلك الأفكار ويعيد ترتيب نقاط التقاطع فيها أو التطابق إن وجدت، لكن في الحصيلة النهائية ووفق تلك الاجتهادات ما نراه هو محاولة لتحريك مهمة المبعوث الأممي خارج سياق دورها ووظيفتها الفعلية في تسهيل جلسات التفاوض، تحديداً حين يتولى مهمة التفسير وإعادة الطرح بناء على ما فهمه من تلك الاجتهادات، حيث يميل أغلبها إلى الاستنتاج الشخصي الذي يزيد النص غموضاً ويراكم من المشكلات الشكلية والجوهرية.‏

 

الأخطر، كان وسيبقى الانتقائية في النصوص، وتقديم نص هنا واستبعاد النقاش حول نص هناك، في عملية تبدو هي الأخرى ترجمة لحالة التفخيخ القائمة لحين الحاجة، حيث النص الأممي الذي جزم حرفياً تحقيق شرطين أساسيين لانطلاق جنيف لا يزال مغيباً، ويهدد المسار.‏

 

أول الشرطين وفدٌ موحد للمعارضة، وثانيهما تحديد التنظيمات الإرهابية وتحييدها عن المسار السياسي، حيث يبدو التباعد بين النصين والتفسيرين تعبيراً عن حالة من الشلل المسبق الذي يفرز ضفتي الموقف، ويباعد بين الاتجاهين القائمين: بين من يريد فعلاً مكافحة الإرهاب وتوفير ظروف موضوعية لإطلاق المسار السياسي، وبين طرف لا يزال يراهن ويعوّل على الإرهاب بأشكاله المختلفة، المنظم والموظف والمنفلت والانتقائي.‏

 

وليس فشل مجلس الأمن أمس الأول في تحديد الإرهاب وتعريفه وتوضيحه، سوى استدلال آخر يصب في الخانة ذاتها، ليكون الإرهاب الذي يحضر في بعض أروقة جنيف، وفوق طاولاتها أو على هوامشها انتقائياً بوجوهه السياسية والفكرية.. التعبيرية والتفاوضية أيضاً.‏

 

عند هذه التقاطعات غير المتطابقة ولا المتناظرة يأخذ الجدل طريقه إلى دروب جنيف ليزيد من تعرجاتها، ولتبدو كل الطروحات العرجاء أو المعوجة حاضرة على طاولة النقاش، ولو كانت من طرف واحد، بما تحمله من مسوغات إضافية لمزيد من الغوص في متاهة البحث داخل «زواريب» جنيف: من أين نبدأ وكيف نبدأ .. أين النهاية وكيف لنا أن ننتهي.. كيف يكون الجمع بين النقاط المشتركة التي يزداد غيابها أو يتم العبث في انتقائيتها فينكفئ حضورها!!؟.‏

 

ما حسمته التطورات سيكون من الصعب إحضاره من جديد، وما بات من الماضي سيكون من العسير العودة إلى الاجترار بمفرداته ذاتها، حتى لو تبدلت بعض الحروف أو تغيرت أشكالها وألوانها، والأصعب منها أن يكون النقاش على تلك المحددات التي نعتقد أن الجولة الأولى حسمتها، أو في اقل تقدير سحبتها من التداول، فيما بقايا ما يُثار من نتف إضافية لا يعدو كونه إزاحة غير مقبولة ولا هي ممكنة في ظل استحالة العودة إلى النقاش حول كثير من المسلمات التي باتت خارج أي سياق بما فيه جنيف.‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=33820