وجهات نظر

التقاء جبهات الدم السوري والعراقي: منازلة كبرى ضد «داعش»

خليل حرب


الاعلام تايم - السفير

يوم كان «داعش» يزيل الحدود العراقية ـ السورية إقامة لـ«خلافته»، كانت المقاتلات الجوية السورية هي الوحيدة التي بادرت الى ضربهم خلالها وذلك في حزيران العام 2014. كان الاعلام الخليجي يهلل وقتها لمن يسميهم «الثوار» طالما انهم يسهلون «اجندات» دولهم ضد كل من بغداد ودمشق، وما زال بعضه حتى الان يسميهم «مقاتلي الدولة (الاسلامية)»! لا خجل حتى برغم شلالات الدم التي فاضت، لا في العراق وسوريا وحدهما، حتى في امارات الخليج ومشايخها وابعد منها جغرافيا بكثير.


ستدور الايام وتتبلور تفاهمات اميركية ـ روسية، وتكبر الهواجس الاوروبية من الارهاب ومصادره «الوهابية» التي يشار اليها علناً، ويجد بعض الخليجيين انفسهم مضطرين الى التعايش مع ما تبدل عالمياً، ولو من باب التحايل، كسبا للوقت او لتبدل الظروف، لعل اكثرها احتمالا، دخول الولايات المتحدة في معاركها الانتخابية. والآن، ستنقضي اسابيع لا شك قبل ان تتضح معالم وجهة الجبهات القابلة للاشتعال ما بين الموصل والرقة وحلب، والتي على نتائجها ستنعقد مصائر دول وشعوب.


لم تكتمل حتى الان الاستعدادات على طرفي الحدود للمنازلة الكبرى. ولم تتضح كافة تفاصيل القوى المشاركة في معركتي البادية العراقية والسورية، وتحديدا في الموصل والرقة وهي محلية واقليمية ودولية، خصوصا ان الفصائل الارهابية المسلحة في البلدين تتحرك كما جرت العادة، بما يخدم مصالح الدول الداعمة لها، سواء في السعودية او تركيا او غيرهما، وتقوم بتفجير الاوضاع في مناطق مختلفة بعيداً عن ساحتي الموصل والرقة، كما يجري في حلب واللاذقية والضمير وبغداد وبابل وديالى، بما يشتت تراكم الاستعدادات لاقتلاع «عاصمتي الخلافة الداعشية»، ويؤجلها (راجع تقرير نار حلب ـ الفلوجة اولا ام معركة الرقة ـ الموصل المنشور في عدد السفير بالامس).


الباحث في الجامعة الأميركية في العراق (السليمانية) أحمد علي يقول لـ «السفير»، «جغرافيا، الرقة والموصل تمثلان امتدادا لداعش والطريق بين المدينتين هو شريان حياة لداعش ولتجهيزه بامدادات متواصلة. لذا طرد داعش من أي من المدينتين، هو بمثابة تدمير للبنية التحتية لداعش، وتهديد لرمزية التنظيم». يتفق الدكتور في جامعة ماريلاند الاميركية عادل شامو مع ذلك ويقول انه «من الناحية الاستراتيجية، فان تحرير الموصل والرقة عملية مترابطة». الباحثة مارينا اوتاواي في «معهد ويلسون» الأميركي، تؤكد ايضاً على ترابط المعركتين، مضيفة انه «اذا جرت المعركتان بشكل متزامن، فان داعش لن يكون قادرا على نقل مقاتليه من مدينة الى الاخرى وسيضطر الى تشتيت قوته بين الساحتين».


في خلفية مشهد المعركتين تفاصيل كثيرة ليست كلها عسكرية الطابع. خبير الشؤون الايرانية المحلل العراقي احمد البحراني يقول لـ «السفير» انه «كلما تأزم الوضع السياسي العراقي وطرح انهيار الحكومة المحتمل، يتهدد مصير العراق اكثر ومصير المعركة وموعدها».


يتجادل الخبراء الذين استطلعت «السفير» مواقفهم في فكرة ان واشنطن تماطل في موعد المعركة، بانتظار ان تتبلور صيغة السلطة التي ستتشكل لادارة شؤون الموصل بعد تحريرها. مارينا اوتاواي ترجح ذلك لتفسير الموقف الاميركي. دانيال سيروير، الباحث في «معهد الشرق الاوسط» الاميركي وجامعة «جونز هوبكينز»، يقول ان الاميركيين لا يستعجلون المعركة لانهم «يريدون القيام بالامور بشكل صحيح»، منتقدا الحكومة العراقية التي تعلن عن «مهل زمنية غير منطقية» للمواجهة بما يخدم اهداف مصالحها السياسية.
لكن ليث العذاري، وهو مدير قناة «العهد» المقربة من «عصائب اهل الحق»، يشكك في حجة القلق الاميركي من احتمالات ما بعد التحرير، ويقول ان محافظة صلاح الدين جرى استرجاعها من «داعش» بعد مواجهات لم تستغرق وقتا طويلا، وتكريت استردت خلال ثلاثة ايام من الاشتباكات وتم تسليمها فوراً الى السلطات المحلية والعراقية، مذكراً بان مقاتلين من ابناء المنطقة وعشائر السنة خاضوا المواجهات الاساسية، وبالتالي فان ذريعة الخوف من التغيير الديموغرافي واهية، والعكس هو الصحيح اذ ان «داعش» يستخدم اهل السنة كدروع بشرية، لمنع تحرير المناطق من قبضته. واضاف ان «الحشد» منع من المشاركة في معارك الدخول الى وسط الانبار، وتولت الولايات المتحدة ضرب مواقع داخل الرمادي، فماذا كانت النتيجة، اذ اعلن مجلس النواب العراقي الانبار محافظة منكوبة بسبب الدمار الهائل الذي لحق بها.
يؤكد المتحدث باسم «الحشد الشعبي» احمد الاسدي ذلك ايضاً، مشيرا الى مشاركة اهل السنة، وغيرهم من الطوائف والاعراق، بفاعلية في المعارك واعدادهم بالالاف، وستكون رايات «الحشد الشعبي» الاولى التي سترفرف في الموصل وفي العام 2016 بالتأكيد، مشيرا الى ان «الحشد الشعبي» من ابناء الموصل هو من سيدخل الى قلب المدينة.

ايران، العراق وسوريا
احمد البحراني، خبير الشؤون الايرانية والمحلل العراقي، يقول لـ «السفير» انه «ستكون للایرانیین کلمة في معرکة الموصل، هذا حتما، باعتبارهم من ابرز المساهمین في تحریر مدن عراقیة وسوریة، وبالتالي من غیر المنطقي متابعة الاحداث في بلد کالعراق، من بعید. فاذا شاركت فصائل عراقیة مسلحة قریبة لایران في استعادة احدی عاصمتَي داعش وهي الموصل، فذلك یعني ان المستشارین الایرانیین سیتواجدون بشکل فعلي. هذا إن اقتصر الامر علی تواجد المستشارین فقط، فهناك من یعتقد ان القوات العراقیة ستطلب من کافة اصدقائها تقدیم الدعم لانجاح هذه العملیة الکبری، عندها سیقدم الایرانیون کل ما تطلبه بغداد، کما فعلوا مع سوریا بارسال قوات خاصة من الجیش الايراني قبل ایام وبشکل رسمي».


واضاف البحراني انه «اذا لم تشارك الفصائل المسلحة العراقیة کقوات بدر والعصائب وکتائب حزب الله والنجباء وغیرها، فاعتقد ان الایرانیین سیقدمون دعمهم للاکراد، کما عملوا في بدایة الازمة، عند اجتیاح داعش للاراضي المجاورة لاقلیم کردستان، وسيكون هذا الامر محل ترحیب کبیر من قیادات اقلیم کردستان، بسبب قدرات ایران وتجربتها في محاربة العناصر الارهابیة».


وفيما يرجح الاسدي حدوث تنسيق اميركي ـ روسي بشأن المواجهة المقبلة حول الرقة، يشير الى غياب محتمل للعمل مع الروس في الموصل، باستثناء ربما التعاون المعلوماتي. ولا يرى الباحث احمد علي وجود تناقض اميركي في الموقف من كل من سوريا والعراق، موضحا ان «الولايات المتحدة مصممة على القضاء على داعش ولكن هي تعرف ان هناك تقييدات لهذا الهدف من ضمنها عدم وجود قوات على الارض من الممكن الاعتماد عليها في كل الاوقات وخصوصا في سوريا التي تعاني فيها المعارضة من التشظي وعدم الوحدة والتفكك».


اما عادل شامو فيعتبر ان روسيا والولايات المتحدة تمارسان الرقص الصعب، فبينما تريد موسكو مساعدة الرئيس بشار الاسد في اضعاف «داعش» ولتكون الرقة الهدف المقبل، فان واشنطن وهي إن ترى نفسها تسعى الى تحرير الرقة ايضا، تجد ان الروس والاسد منخرطون في اللعبة كما تقتضي مصالحهم. ويستطرد الدكتور في جامعة ماريلاند الاميركية في الحديث عن تناقضات واشنطن قائلا انها تحارب «داعش» لانه تنظيم ارهابي، لكن تصنيف الجماعات الارهابية في سوريا عملية صعبة نظرا الى ان عددها بالمئات، مضيفا ان «بعض الارهابيين مدعومون بشكل غير مباشر بأموال سعودية واميركية».


وبما ان الايرانيين كما تظهر الاحداث السورية والعراقية، منخرطون بشكل واضح وفاعل في المواجهة الميدانية، ادراكا منهم لمخاطر ما تشهده الساحتان على ايران نفسها، فان دورهم سواء في الرقة او الموصل سيكون حاضرا، وستعمل طهران كما جربت خلال الاعوام الماضية على تنسيق حركتها ما بين بغداد ودمشق واربيل وصولا الى بيروت. مصدر في «الحشد الشعبي» يقول لـ «السفير» ان «الحشد قادر على تحويل عناصر التهديد الى قوة له. هذه ميزته. كما جرى عندما احتل داعش نصف العراق. جرت التعبئة وبدأنا بدحرهم تدريجيا. نحن نقاتل في سوريا منذ سنوات، وهذا ليس سرا، ومن المستحيل الا يكون لنا دور لاحق اذا لاحت معركة الرقة بعد تحرير كامل العراق. لكن سنترك لكم الاجابة على السؤال التالي: لو طلب منا ودخلنا بقوتنا الى سوريا، وفق المتطلبات والظروف وقتها، فأين يمكن ان نذهب بعدها؟».


ليث العذاري يقول من جهته، «لا نريد المزايدة على احد، لكن الحشد الشعبي مشارك في كل المواجهات، وهذا واقع، وحتى في الانبار، كان مقاتلو الحشد ضمن قوات الجيش العراقي التي اقتحمت الرمادي. ونحن لم ندخل مواجهة الا وانتصرنا فيها، والامكانيات المتوفرة للعراق افضل مما هو متوفر امام الاخوة في سوريا لجهة مستلزمات الحرب والظروف». وبرأي العذاري، فان «سوريا والعراق ساحة حرب واحدة، وسقوط أي منهما سقوط للاخرى».


لكن الاسدي، المتحدث باسم «الحشد الشعبي»، يقول ردا على سؤال عما اذا كانت معركة الموصل ستساعد على الحسم في الرقة لصالح الجيش السوري، «نعم، لان الاتصال الجغرافي قائم ومفتوح. ونحن مستعدون لدعم سوريا اذا طلب منا وقتها. نحن كحشد تحت امرة القائد الاعلى للقوات المسلحة العراقية (حيدر العبادي)، ودخولنا سيكون مشروطا بموافقة الدولة العراقية اذا طلب السوريون ذلك».


اين مركز التنسيق العراقي السوري الروسي و «حزب الله» الذي اعلن عن قيامه في بغداد قبل بضعة شهور، يتساءل احمد البحراني. ويحذر من ان مصير الموصل على المحك، وهناك احاديث تجري همساً عن احتمالات التقسيم، ولذلك فان مصير العراق نفسه على المحك. البحراني ينظر بقلق ايضا الى الرقة، التي يعتبرها معقلا لـ «داعش» اكثر خطورة من الموصل، حيث ان مستوى التجنيد والتعبئة في هذه المدينة السورية اكبر بكثير مما جرى في المدينة العراقية.


كلام دانيال سيروير لـ «السفير» يكشف عن مظاهر خطورة ما يجري: واشنطن تدعم حكومة في العراق تعتقد انها ملتزمة بمحاربة الارهاب، بينما في سوريا فانها تدعم مسلحين تعتقد انهم ملتزمون بمحاربة الارهاب! هو لا يرى تناقضا في ذلك، ويضيف ان حيدر العبادي سيحاول ان يحكم المناطق المستردة من «داعش» بمشاركة الجميع، واشك بان يفعل الاسد الامر ذاته. اما مارينا اوتاواي فلا ترى هي الاخرى تناقضا اميركيا، لكنها تعتقد ان واشنطن اكثر انخراطا في العراق بسبب دورها السابق فيه، ولان «الادارة الاميركية تعتقد ان بامكانها العمل مع العبادي، بينما لا تستطيع العمل مع الاسد على الرغم من انها تبدو مضطرة الى تقبل وجوده».

خليل حرب

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=33565