وجهات نظر

أردوغان يحرق آخر أوراقه..!!

علي قاسم


الإعلام تايم - الثورة 

لا يبدو الربط بين ما جرى في ناغورني قره باخ والانتقادات اللاذعة التي تلقاها أردوغان من الرئيس الأميركي حاضراً في سياق القراءات التي استفاقت على فتيل نزاع يشتعل من دون مقدمات، لكن لا يمكن استبعاده، خصوصاً أن الرعونة التركية وصلت حدوداً وسقوفاً لا يمكن تجاهل أي عامل من تلك العوامل ولا أي احتمال من تلك الاحتمالات، على ضوء ما يساق من تسريبات أحاطت بالرد التركي على تلك الانتقادات، وقد تم تحضيرها مسبقاً، حتى قبل أن يصل واشنطن.‏

 

الرئيس أوباما في انتقاداته لأردوغان أسقط آخر الأوراق، بما فيها ورقة التوت، في هجوم قد يكون الأول من نوعه، والأكثر وضوحاً في سياق العلاقة المتوترة التي تعبّر في حدّها الأدنى عن خروج العلاقات الأميركية التركية عن سكة التوافق والتحالف الذي طالما كان ورقة أردوغان للابتزاز إقليمياً ودولياً.‏

 

الخلاف هذه المرة يبدو مُنصبّاً على ممارسات رئيس النظام، وهي ممارسات ليست جديدة، خصوصاً من المنظور الأميركي، لكنها بدت بمنزلة حصان طروادة للنيل مباشرة من أردوغان، والرسالة الواضحة أنه لم يعد ضيفاً ثقيلاً فحسب، بل باتت أعباؤه أكبر بكثير من كل الفوائد التي يمكن أن تجنيها واشنطن من دوره الوظيفي، وقد تحوّل وفق توصيف الرئيس أوباما في كثير من الأحيان إلى خصم يقوِّض المصالح الأميركية، وربما يسيء إليها عن عمد حين يصر على إظهار الخلاف مع واشنطن على غير ما هو عليه..!!‏

 

ذروة الخلاف التي عبّرت عنها انتقادات الرئيس أوباما لا تبدو وليدة اللحظة، ولا علاقة لها بالديمقراطية التي تباكى عليها أوباما، بقدر ما تشير إلى أن الكأس المترعة بينهما قد طفحت إلى الحدّ الذي يؤشر إلى خلافات أعمق بكثير، وتتعلق بخيارات إقليمية أقدمت عليها أنقرة لم تكن تروق لواشنطن، وصولاً إلى الاتفاق الذي أنجزته مع الأوروبي، والذي يؤشر بشكل ما إلى امتعاض من تجاهل دور واشنطن، وقبله وبعده عشرات التصرفات التركية التي بدت وكأنها تغريد خارج السرب الأميركي.‏

 

بهذا المعنى لم يعد الخلاف مجرد امتعاض من السياسة التركية، بل أضحى رسالة أميركية شديدة اللهجة، وفيها أن أنقرة لم تتجاوز الخطوط الحمر فحسب، بل وصلت إلى سقوف لم يعد بمقدور الأميركيين تجاهلها، خصوصاً لجهة العلاقة مع التنظيمات الإرهابية، التي تشعر واشنطن بالحرج حيالهاوإن كانت في لحظة ما موضع ترحيب، وهي التي لم تكن غائبة عن حديث الرئيس أوباما وانتقاداته للسياسة التركية، في وقت كانت روسيا تضع أمام الإدارة الأميركية القرائن الدامغة على التورط التركي الذي يشكل أكثر من إحراج عابر للأميركيين في العلاقة مع تلك التنظيمات.‏

 

التسريبات القادمة من واشنطن تعتبر الخلاف مدفوع الثمن مسبقاً، بمعنى أن التصريح الأميركي به كان حصيلة مساومات قدمتها مجموعة من لوبيات العمل في الداخل الأميركي، وحرصت على أن يكون الإخراج على لسان أوباما، في دلالة على جدية أميركية في تحريك الدور التركي بعيداً عن حسابات النظام الآنية والانفعالية، التي تأتي غالباً بنتائج عكسية لا تقبل بها واشنطن، أو على الأقل لا يمكن صرفها داخل الحسابات الأميركية المباشرة.‏

 

الرد التركي لم يتأخر من خلال أمر عمليات لمرتزقته أو عبر تفجير الصراع من جديد في ناغورني قره باخ من أجل إزعاج روسيا، وقد لا يكون فيه استجابة مباشرة لطلب الأميركيين، لكنه كان أقصر الطرق التركية لتوصيل الرسالة الجوابية ببقاء تركيا ورقة محسوبة على السياسة الأميركية، حين يقتضي الأمر اللعب خارج الملاعب المحسومة، وأن ما سبق أن أدّته من أدوار لم يستنفد أغراضه بعد، ولا يزال في الجعبة التركية ما يضيف إلى وجود حكومة العدالة والتنمية رصيداً إضافياً قابلاً للصرف أميركياً، ولو بعد حين.‏

 

اللعب التركي بالنار بات على مسافة واضحة ومتاخمة لحدود المصالح الأميركية والروسية على حدّ سواء، وهو لَعبٌ إذا كان محكوماً بمساحته أميركياً، قد لا يكون كذلك بالنسبة لروسيا، وقد لا يدخل في نهاية المطاف لمصلحة سنوات الخدمة التركية داخل المشروع الغربي، بقدر ما يبدو تقويضاً للمسعى الأميركي لترتيب العلاقة مع روسيا، التي تحتاجه اليوم أكثر من حاجتها للمشاغبة التركية، التي تزجّ بآخر أوراقها الإقليمية غير المباشرة من أجل التذكير بحضورها الملتبس في قضايا المنطقة.‏

 

ما هو محسوم أن تركيا لا تكتفي بلعب آخر أوراقهاوسط النار الإقليمية الملتهبة، بل تجاهر بها إلى الحدّ الذي تدفع برأس النظام للتجول وسط رماد الحرائق التي أشعلها، رغم يقينه بأنه لا يكتفي بالتعري بل يحرق آخر مراكبه، فكان العدوان من جديد على الأراضي السورية لعبة أخيرة لذرّ الرماد استكملتها مرتزقته في ريفي حلب واللاذقية..!!‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=33446