وجهات نظر

هل تدفع اعتداءات بروكسل أوروبا نحو دمشق؟

سامر ضاحي


الإعلام تايم - الوطن


أدمى تنظيم "داعش" الإرهابي بالأمس عاصمة الأوروبيين بروكسل في موقعين حيويين، في مطارها الجوي وفي إحدى محطات المترو مزهقاً أرواح زهاء 35 قتيلاً، وهو التنظيم الإرهابي الذي يدمي السوريين يومياً لكن من دون أن تلقى دماء السوريين صدىً إعلامياً كدماء البلجيكيين أمس وهو الأمر الذي تكرر أيضاً في هجمات باريس منتصف شهر كانون الأول الماضي.

 

ولعل الضجة الإعلامية التي رافقت هجمات بروكسل أمس تعيدنا إلى المركزية الأوروبية ونظرة الأوروبيين التي تقترب من العنصرية نوعاً ما تجاه غيرهم إذ يعتبرون أنفسهم متفوقين على بقية الشعوب وإلا لم لم تستنفر قنوات التلفزة وصفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنيت يوم ارتكاب المذبحة التاريخية للتنظيم بحق جنود الجيش السوري في مطار الطبقة في الرابع والعشرين من آب منذ أقل من عامين، أو مذبحة قرية البغيلية بدير الزور منتصف كانون الثاني من العام الجاري إضافة إلى غيرها من المجازر والجرائم اليومية التي يرتكبها التنظيم بحق السوريين.

 

واليوم وليس بعيداً عن بروكسل عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي تستمر محادثات السلام حول الأزمة السورية في مدينة جنيف السويسرية المقر الأوروبي للأمم المتحدة، حيث يقود المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا جولة ثانية من محادثات جنيف 3 بين وفد يمثل حكومة دمشق وآخر يمثل معارضة صنعتها عاصمة آل سعود يتربع على عرش وفدها كبير مفاوضين يمثل أحد أبرز التنظيمات المسلحة التي تقاتل جنباً إلى جنب مع جبهة النصرة الإرهابية مثلها مثل "داعش"، وإن لم ترتق لسجله في نوعية الجرائم، وهو ممثل ميليشيا جيش الإسلام محمد علوش، لكن الاتحاد الأوروبي يسعى جاهداً لتلميع هذا الوفد لا بل وتعويمه إلى درجة "ممثل شرعي عن كامل المعارضة السورية" رغم حضور "معارضين" كثر ما زال المبعوث الأممي يغيبهم وحتى يتملص من إعداد قائمة بأسماء "المعارضة" التي ستفاوض الوفد الحكومي عبر جلسات غير مباشرة.

 

ما سبق لا يعني الشماتة بأوروبا ونحن السوريين ندين الإرهاب أينما كان الموقع وأياً كانت الضحية، لكن الاستنفار الأمني الذي شهدته بلجيكا عقب الاعتداءات والذي وصل إلى حد إغلاق محطة نووية ودفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى التعهد ببذل ما بوسعه لتقديم المسؤولين عن الاعتداءات إلى العدالة وهو الذي ما زال يشكك مع حلفاءه الأوروبيين بالعمليات الروسية السورية المشتركة ضد التنظيم بدا لافتاً ودفعنا لتمني التعامل مع معاناتنا بالمثل.

 

ويمكن القول: إن القبض على مدبر عمليات باريس صلاح عبد السلام في بروكسل منذ أيام له علاقة مباشرة بالاعتداءات ففرنسا انطلقت من برنامج ذاتي لمكافحة "داعش" ولم تسع إلى برنامج أو خطة دولية لاجتثاث الإرهاب من أوروبا رغم بعض التعاون مع روسيا التي دعا رئيسها فلاديمير بوتين إلى تعاون دولي لمكافحة الإرهاب أواخر العام الماضي من دون أن يؤخذ نداؤه حتى الآن على محمل الجد، ولا تزال أوروبا تغرق في محاولات مكافحة التنظيم عسكرياً عبر غارات جوية خجولة لبعض طائرات دولها تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في العراق وسورية.

 

كما تتزامن الاعتداءات مع إقرار اتفاق بين أوروبا وتركيا حول اللاجئين ولاسيما أن طرفيه باتا هدفاً لعمليات داعش رغم كل القرائن التي تشير إلى أن الكثير من مقاتلي التنظيم جاؤوا من أوروبا ودخلوا سورية بتسهيل تركي وقدمت موسكو قرائن مصورة على دعم أنقرة للتنظيم وتسهيل تهريبه للنفط الأمر الذي يمكن تصويره بأنه انقلاب السحر على الساحر، كما أن العمليات أمس قد تدفع الاتحاد الأوروبي للمضي قدماً في تنفيذ اتفاق اللاجئين مع تركيا مخافة تسلل المزيد من "الدواعش" بين اللاجئين القابعين على حدود اليونان.

 

كل ما سبق يضع أوروبا أمام خيار لا بد أن تقبل به وإن كان على مضض وهو زيادة التعاون الاستخباراتي مع دمشق وموسكو اللتين تكافحان التنظيم بقوة، وأن تعيد النظر في موقفها من أطراف محادثات جنيف.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=33070