وجهات نظر

في الحدث : تركيا وتداعيات الأزمة السورية

طارق أشقر


الإعلام تايم - الوطن العمانية 

بتوالي الانفجارات والعمليات الإرهابية التي تعرضت لها تركيا منذ نشوب الأزمة السورية، والتي كان آخرها حسب تاريخ الوقوع، انفجار مدينة اسطنبول صباح أمس السبت الذي راح ضحيتة خمسة اشخاص وعشرات الجرحي، تكون تركيا في مقدمة ضحايا تداعيات الصراع الدامي في جارتها سورية، ذلك الصراع المزهق للأرواح بين مختلف فئات الشعب السوري، الذي يعتبر الضحية الكبرى له والأولى ايضا.

 

لم يكن انفجار اسطنبول الوحيد من نوعه، وربما لا يكون الأخير طالما تشابكت خطوط الأزمة واختلطت اوراقها في الفترة الأخيرة، فقد سبق ان شهدت العاصمة التركية أنقرة الأحد الماضي انفجارا مدويا حصد اكثر من ثلاثين من أرواح المدنيين مع اصابة المئات بجروح، وقبله ايضا هجمات اخرى في فبراير ويناير في انقرة واسطنبول وصل اجمالي عدد القتلى فيهما إلى اكثر من اربعين قتيلا بينهم سياح ألمان وغيرهم من المدنيين.

 

وبقراءة عابرة إلى هذه التفجيرات والعمليات الانتحارية المتتالية في تركيا، يتضح ان الفاتورة التركية تتضخم يوما بعد يوم نتيجة تدخلها في الأزمة السورية، ويكون اكبر الخاسرين فيها إلى جانب الانسان السوري هو الانسان التركي خصوصا المدنيين، وذلك في تماه مع ما تخسره الانسانية بشكل عام بمختلف جوانب حياتها في جغرافيا المكان التي تحتضن سورية وتركيا والعراق ولبنان والأردن وغيرها الخسائر البيئية و (الحضارية) بالمنطقة المحيطة بالأزمة السورية.

 

وبوقوع هذه التفجيرات في الشوارع التجارية وفي اثنين من أهم المدن الرئيسية في تركيا، يكون مستوى استقرار الحالة الأمنية والسياحة وحركة التجارة النشطة في كبريات المراكز التجارية في تركيا هي من ابرز المتأثرين بتداعيات الأزمة السورية، خصوصا في السنوات الأخيرة.

 

فعلى المستوى الاقتصادي ايضا، لم تنحصر تداعيات الأزمة السورية في تركيا على الآثار التجارية للتفجيرات فحسب، بل امتدت تلك التداعيات لتمس احدى اهم العلاقات الاقتصادية وعمليات التجارة البينية التي ربطت تركيا وروسيا منذ عصور بعيدة، وكانت قد شهدت ازدهاراً ونشاطا واسعا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال التجارة الروسية وبروز تركيا كإحدى اكبر الاقتصادات بالمنطقة التي اعطتها روسيا اهتماما بالغا في تجارتها الخارجية، غير ان ذلك الازدهار في التبادل التجاري بين البلدين تأثر سلبا بعد قيام تركيا بإسقاط الطائرة الحربية الروسية على الحدود التركية السورية وهي طائرة كان وجودها في تلك المنطقة سببه الأزمة السورية.

 

وفي السياق الاقتصادي نفسه، وجدت تركيا نفسها ملتزمة بفاتورة باهظة التكاليف في اقامة وتهيئة مساحات واسعة من المخيمات لاستقبال واعادة تأهيل مئات الآلاف من اللاجئين السورين الفارين من حروب الصراع في سورية، كما كلفها النزوح نفسه الكثير من المواجهات بين جيرانها من دول الاتحاد الأوروبي حول ما يجب ان تقوم به تركيا من جهود للحد من تدفق اللاجئين نحو اوروبا، رغم ان هذه المواجهة شهدت الكثير من المد والجزر وما بينهما من اتفاقات وعروض مالية مغرية من اوروبا تجاه تركيا على امل أن تضع الأخيرة الحواجز أمام السوريين الآملين في الوصول إلى غرب اوروبا عبر تركيا ودول البلقان ايضاً.

 

وعلى المستوى السياسي، وتحديدا الجانب المتعلق بالجغرافيا السياسية، فقد اصبحت تركيا امام تحد سياسي جديد يعتبر الأبرز في نتاجات وتداعيات الأزمة السورية، وهو ما اعلنته احدى الجماعات الكردية السورية الخميس الماضي عن اقامة نظام فيدرالي قد يقود إلى دولة كردية مستقلة في المناطق المسيطر عليها الأكراد في منطقة (روج أفا) شمال سورية حيث يستهدف النظام الفدرالي الكردي المعلن عنه حديثا ضم ثلاث مقاطعات يقطنها الأكراد السوريين، وهي عين العرب (كوباني) في الريف الشمالي لحلب، و(عفرين) في الريف الغربي لحلب، و(الجزيرة) بالحسكة في سورية.

 

ورغم ان النظام الفدرالي الكردي الجديد لم يجد اعترافا من الولايات المتحدة الأميركية العضو الأهم في حلف الناتو الذي تعتبر تركيا عضوا فيه، حيث رفضت اميركا هذه الخطوة مؤكدة عدم اعترافها به، ورفض الحكومة السورية وعدم اعتراف المعارضة السورية بالفدرالية الكردية، الا ان مجرد الاعلان عن نظام سياسي كردي جوار الحدود التركية السورية وفي حال حصوله على اعتراف اي عدد من الدول في العالم، فإن هذه الخطوة ستشكل ضغوطا وتهديدا جديا لتركيا التي تعاني في الأصل من مشكلة سياسية داخلية سببها قضية الأكراك الأتراك المطالبين منذ عشرات السنين بالعديد من المطالب السياسية المتعلقة بمفهوم الحكم.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=32985