وجهات نظر

المقاومة في خيارات المرحلة

علي قاسم


الإعلام تايم - الثورة 

لم يكن بمقدور دمشق، وهي تنصت إلى كلمات الوفود المشاركة في التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، إلا أن تستعيد ذكريات زمن مضى، وقد أفردت لها تلك الكلمات ما يكفي لتحتل مساحة واسعة من الحديث عن الدور والمهام، وصولاً إلى ما تمليه المرحلة وما تقتضيه المواجهة في مشهد استطاع أن يلتقط من بين تفاصيله الكثيرة مساحات التقاطع والتطابق بين زمنين، و تمكن من التوضيح إلى حدّ التصريح بملامح ما هو قادم أيضاً.‏

 

فالفرز الذي أقره الحدث بعنوانه وتفاصيله بين محاور المواجهة المحتدمة ينهي حقبة من الخلط، ويسحب بساطاً من الذرائع المتنقلة، التي كانت في الغالب تُستخدم لتمييع حدود المواجهة من جهة، وتسويق صيَغ قابلة للتأويل والتوظيف المزدوج، ما سهّل استهداف المقاومة ومحاورها الأساسية تحت بند عدم الإخلال بالتوازن في مسلمات الوضع العربي من جهة أخرى.‏

 

الواضح أن السياق الذي أنتج المقاومة لا يقتصر على خيار الدعم بقدر ما يتصل مباشرة بالإرادة الشعبية، التي كانت أحد أهم العناوين الماثلة في سياق الحديث، ويبدو متصلاً على نحو واضح بإرادة المواجهة، وهذا ربما يشكل الفاصل الحقيقي بين المنتج المنظم والقائم على أولويات وأهداف مرحلية وبعيدة، وبين حالة شعبية تحتاج إلى التنظيم وتتطلب حالة من التوجيه، أو على الأقل التفعيل والترجمة في مسارات سياسية أنتجت على التوازي فكراً مقاوماً وسياسةً مقاومة وإعلاماً مقاوماًومحوراً مقاوماً.‏

 

ما جرى في دمشق أمس، ويفترض أن يستكمل اليوم هو مزيج من الحالتين، حيث الإرادة في المواجهة، التي كانت أحد أهم عناوين المرحلة تتقاطع مع البُعد الجماهيري الحاضن عبر مجموعة من القوى والأحزاب والتكتلات والشخصيات، والتي تمثّل إلى حدّ بعيد القاطرة التي تحتاجها الأمة في هذه المرحلة، باعتبار أن الإطار الفكري والرمزية النضالية متوافران بوضوح، سواء بما مثّلته سورية من صمود على مدى سنوات خمس ونيّف، أم من خلال الوجود المقاوم في فكر واتجاهات التيارات والقوى المشاركة، وكله على أرضية واقعية تحاكي كل ما هو متاح وممكن.‏

 

الإضافة النوعية التي لم يكن ممكناً تجاوزها هي الحضور على أرض سورية، وما باتت تجسده في الوجدان الشعبي والفكري والسياسي والإعلامي والحزبي، ناهيك بما هي بالأصل، خصوصاً لدى تيارات وقوى ومفكرين وشخصيات كانوا ينتظرون اللحظة التاريخية لالتقاط خيوطها وإعادة نسجها وفق احتياجات المرحلة وخياراتها الأساسية، وهذا ما لمسناه بعيداً عن الشكل البروتوكولي، وغالباً خارج إطار الانفعال أو المبالغة.‏

 

والرابط الجوهري الذي كان يعيد الإمساك بكل تلك الخيوط هو الميدان.. بانجازاته التي يسطّرها، والتضحيات التي يقدمها الجيش العربي السوري وداعميه من المقاومة والأصدقاء، وما حققه من ترسيم واقعي لمحور المقاومة على خريطة المنطقة، وتحديد إحداثيات لم يعد بإمكان أحد أن يتجاهلها على المستوى الإقليمي والعالمي، وهو ما يتجذّر اليوم ويصبح معه خيار دعم المقاومة إضافة إلى كونه خياراً شعبياً واضحاً وصريحاً خياراً سياسياً له متطلباته وملامحه وشروطه ومحدِّداته.‏

 

قد يكون التوقيت حاملاً في حقائبه الكثير من الدلائل والقرائن، وفيه الكثير من الإضافات النوعية الأخرى المحمولة على سياق الحدث وتداعياته والتحديات القائمة، وكان لافتاً أن يحضر خيار دعم المقاومة في هذا الظرف الدقيق وفي ظل سنوات عِجاف من القصف المتواصل على المقاومة وخيارها، بل وأن يكون محور المقاومة هدفاً وغاية لحرب كونية تشتد فيها المواجهة على أساس وجودي ومصيري محسوم ومحتّم.‏

 

ما يضفي على الحالة المزيد من الخصوصية أن تكون بهذه المشاركة الواسعة، التي يعلو فيها الصوت ويمتد في الساحة ومن دون حرج الحسابات السياسية، التي حالت في كثير من الأحيان دون الحديث المباشر عن الخيارات، ولا عن الأسباب، ولا عن الأدوار رغم كثرة الدلائل والمؤشرات، وتراكم القرائن الدامغة على دور الإرهاب ورعاته ومموليه والوجود الوظيفي للمشيخات غرباً وشرقاً، بحيث ننتقل من مرحلة التجيير للكلمات والتلميح في الأفكار إلى مرحلة تسمية الأشياء بمسمياتها، حيث العدو واضح وأطرافه المشاركة أكثر وضوحاً.. فلا لبس يمكن أن يقع ولا التباس سيحصل.‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=32980