وجهات نظر

"البقع" المسكوت عنها..!!

علي قاسم


الإعلام تايم - الثورة

لم تكن ثمة حاجة فعلية للإسهاب في أحاديث تبعد بهذا القدر أو ذاك عن جوهر القضايا المطروحة، خصوصاً أنها لا تخفي أغراضها في التشويش على الأساسيات، ولا تتستر على أجنداتها في بعثرة الجهد الدولي،ومحاولتها إعادة الاصطفاف لتكون على مقاس التمنيات، لكن في ظل استطالاتها المرضية كان لا بد من إعادة وضع النقاط على الحروف في الكثير من الخطوط المتعرجة التي أنتجتها تلك الأحاديث.‏

 

فاللغو السياسي الغربي في مسألة الفدرلة المسبوقة بأحاديث عن غياب أو تفكك بعض الدول وتحديداً عن سورية والعراق المنسق استخباراتياً على ألسنة مراكز بحوث ودراسات غربية، كان في سياق لعبة تتكشف أبعادها، وهي في نهاية المطاف تعبير عن تسويف طال انتظاره دون أن يوصل إلى النتيجة التي عمل الغرب عليها، حيث الفشل في الإرهاب وتوظيفه، يعيد الطَرْق على الباب ذاته من نافذة السياسة.‏
وعلى هذا فالنقاش فيه ليس محظوراً فحسب، بل يفتح السجال نحو ما هو أخطر في ظل تعامي الغرب عن الكوارث، التي يحملها في سياق بحثه عن بؤر اشتعال متنقلة تصلُح للتعميم في المنطقة وخارجها، وما كشف عنه على الأقل الرئيس أوباما في بعض جوانبه يضيء على الزوايا المعتمة والمظلمة بما فيها تلك البقع المسكوت عنها بالتواطؤ الغربي.‏

 

ورغم أن أوباما قالها بالفم الملآن محدداً بالاسم والدور والوظيفة ونقاط الخطأ في سلوك مجمل أدواته، فإن هذا لا يكفي لوضع حدّ للَغطٍ يكبر، وأحاديث يتم الترويج لها، على قاعدة الحاجة لخرائط جديدة في المنطقة، وبحكم أن صلاحية ما أنتجته «سايكس بيكو» قد وصلت إلى نهاياتها، وهو أمر نعتقد أن هناك إجماعاً حقيقياً عليه، لكن ليس بالإحداثيات التي تحاكي تمنيات الغرب وأدواته في المنطقة، لأن تلك التمنيات التي كانت في ظروف أصعب تمثل غاية وهدفاً قد فشلت بحكم الأمر الواقع وزال روادها واندحروا، فيما سورية بقيت مُوَحَّدة رغم أنوفهم، وكذلك العراق بقي رغم الترويج لتقسيمه منذ عقد ونيف من الزمن، وبالرغم من حالة التشتت التي يعانيها.‏

 

المسألة.. تحتاج إلى بتٍّ، وأي حديث، سواء كان بحسن نية أو خارجها، يمثل تطاولاً على السوريين وحقوقهم الأساسية وعلى خياراتهم، ومحاولة يائسة لمصادرة قرارهم، حتى لو وجد بينهم من تزيِّن له الدوائر الغربية أدواره المستقبلية في ظل هذا المجون الذي يغلّف عقول الأغلبية التي أنتجتها أقبية الاستخبارات الغربية وأظهرتها أروقة الفنادق من بعدها، والترويج الأميركي للانسحاب من المنطقة قد يكون فيه الإجابة لأفول تلك المقولات وسحبها من التداول، لأن الفشل ينتظرها.‏

 

سورية كانت وستبقى خيار السوريين، وندرك جميعاً أنه مرّت حقب مختلفة لم يكن فيها الرد على قدر الخطر الذي تنطوي عليه تلك المقولات، لأن كثيراً منها لا يستحق الرد ولا يحتاجه، بحكم أنه ساقط بالضرورة الحتمية، لكنه بعد أن بات قيد التداول كان لا بد من الحسم فيه إلى الحدّ الذي دفع بالدبلوماسية السورية لتقول كلمتها بوضوح شديد محددة مسلَّمات وثوابت أي نقاش أو طرح، ومصير أي تداول لما هو خارج النص الذي يحدد خطوط سورية الحمراء، والتي قاومت من أجلها وتخوض في سبيلها منذ سنوات خمس أشرس حرب عرفها العالم في تاريخه الحديث، وصمدت وستصمد، بل وستنتصر كما انتصر السوريون في معاركهم المصيرية عبر التاريخ.‏

 

سيسيل حبر كثير قبل أن ترفع الأقلام في تشريح ما ورد في حديث الرئيس أوباما، والذي وصفه البعض بالجريء، فيما الآخرون وجدوا فيه كشف حساب مبكر وصادم في انتقاده لحلفائه وأدواته في المنطقة وخارجها، في وقت كان فيه وزير خارجيته ينسحب من حديثه عن «الخطة ب» وغيرها معتبراً أنها مجرد شائعة!! وهو الذي أفاض في الشرح والتفسير والتلويح بما تخفيه خلف سطورها.‏

 

في القراءة المنطقية سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل فهم الأحجيات الأميركية حين يتعلق الأمر بتفسير خطوات السياسة الأميركية مقارنة بما يصدر عن مسؤوليها، وهم الذين اعتادوا على سحب ما يقولوه قبل أن يجف حبره، وامتهنوا قصة الانسحاب من المواقف التي سبق لهم أن أطلقوها في لحظات اعتراف وهم في مواقعهم، وقد لا تتكرر كثيراً في العرف الأميركي.‏

 

من فانتازيا أوباما عن المعارضة المعتدلة إلى تحذيره لقادة المشيخات من الخطر الداخلي المحدق حين قدموا إليه في مذكرة الجلب الشهيرة، وليس انتهاء بما يمارسه وزير خارجيته من أحاديث متناقضة سيكون الصراع على بقايا ما تخلفه وراءها سنين النفاق الأميركي وما أنتجته من بذور فانتازيا إضافية كانت تطفو على تلك البقع المسكوت عنها، وما استجرته من ملحقات لا تكتفي بما قد تؤول إليه الخرائط الجديدة التي سيكون من الصعب فيها تقاسم نفوذ المتعارضين والمتصارعين على أرض لا تقبل القسمة.. ومعايير لا تحتمل التأويل ولا التجيير.‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=32718