نافذة على الصحافة

من بئر العبد إلى فولغوغراد.. بانتظار بوتين!


تتساءل صحيفة "السفير": هل تدخل موسكو من الأبواب الخلفية لـ"الربيع"؟ سيما وأن معالم الرؤية قد اتضحت أكثر بعد التفجيرين الإنتحاريين في فولغوغراد، فيما تظهر التحقيقات أن أحد الإنتحاريين كان قياديا في جماعة مسلحة في سورية، مدعومة من السعودية.

هل أصبحت الآمال في المنطقة معقودة على فلاديمير بوتين؟ ففي غياب ادوار دول عربية كبرى، هل صارت مفاتيح الخلاص معلقة على ابواب الكرملين وأيقنت روسيا ان النفوذ الذي بدا كأنه يبتعد عنها في سنوات "الربيع العربي"، يعود اليها صاغراً في الخريف؟

في لحظة الاشتعال الإقليمي هذه، وامعان من انيطت بهم مقاليد الرئاسة والعرش السير على دروب العقم السياسي، تتقدم روسيا لاقتحام المشهد في المنطقة من الأبواب الخلفية لـ"الربيع" الذي صار تحت رحمة الارهاب والدم.

هناك ما هو أكثر من رؤية، اتضحت معالمها أكثر بعد التفجيرين الانتحاريين في فولغوغراد مع نهاية العام 2013 واللذين أعادا إلى الاذهان اللقاء الشهير الذي جمع بوتين برئيس المخابرات السعودية الأمير بندر في تموز الماضي، حيث يعتقد ان المسؤول السعودي عرض من بين جملة "إغراءات"، ضمان سلامة الألعاب الاولمبية الشتوية في مدينة سوتشي الروسية، مقابل تعاون موسكو في الملف السوري.

كان العرض بشأن سوتشي، اذا صحّت دقته (حيث لم تؤكده لا موسكو ولا الرياض رسميا، لكنهما لم تحاولا نفيه أيضا) بمثابة فضيحة سياسية بكل ما في الكلمة من معنى، اذ كما قال مصدر ديبلوماسي مطلع لـ"السفير"، إن بندر تخطى اعراف التعامل الديبلوماسي من خلال الصفقة التي عرضها على القيصر الروسي، إذ إنه أقر فعليا بضلوعه في دعم الإرهاب، او على الأقل في توجيه هجماته!

لم تعد المواقف الروسية من الإرهاب الإقليمي، عزفا منفرداً. من العراق الى سورية وصولاً إلى متفجرة بئر العبد في بيروت تطلق واشنطن اشارات على اقترابها اكثر من فكرة الخطر المترابط. غداة العملية الانتحارية في بئر العبد، التي نددت بها متحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية قالت من ضمن ما قالته ايضا: "إن أتباع القاعدة أو مجموعات يمكن ان تشارك القاعدة في فكر التطرف، استغلت الوضع الأمني بسبب الحرب الأهلية في سورية... ورأينا نوعا من العنف الإرهابي الذي رأيناه في سورية، ومن المؤكد أن ذلك امتد إلى العراق"، بينما لاقاها جون كيري نفسه قبل يومين عندما قال إن "هذه معركة أكبر من أن تكون في العراق وحده؛ القتال في سورية هو جزء مما يثير عدم الإستقرار في المنطقة، هذه هي المعركة في النهاية، وعليهم تحقيق النصر فيها".

لا أوهام يمكن أن تنتاب المتابع للموقف الأميركي من أحداث المنطقة. هناك تمايز في مواقف واشنطن الواضحة مما يجري في الفلوجة والرمادي مقارنة بالإلتباس الذي تظهره عندما تتحدث عن دور الإرهاب في سورية. الأهداف والمصالح هنا وهناك متباينة نوعاً ما، وهو ما ينسحب بالتالي على مواقف واشنطن من مجريات الأحداث.

ومع ذلك، فان اقترابا أميركياً من المقاربة الروسية تمكن ملاحظته، برغم الإنكفاء الظاهر عن مشهد اللاعب الأوحد في المنطقة. التسوية الكيميائية بشأن سورية، كانت إحدى علامات هذا الإنكفاء الأميركي، والقبول، ولو على مضض، بتقدم روسيا لتلعب دورها.

إلاّ ان من السذاجة تصور انخراط واشنطن في حرب مباشرة على الإرهاب في سوريا، اقله في المدى المنظور. هذا الدور الأميركي ربما يكون قائما في اليمن وافغانستان وباكستان وغيرها، لكنه في سورية لا يبدو مرجحا الآن. الإرهاب، في ما لو أحسنت الاستفادة منه، يمكن ان يخدم هدفاً حيويا اميركيا، في إضعاف سورية كدولة، إلى ان يحين موعد التسويات.

ولهذا ربما، يتزايد تشكل صورة بوتين كمنقذ محتمل، شاء ذلك اأم أبى. بإمكانه مقاربة المشهد بشكل ملح ومختلف وأكثر فاعلية. تفجيرا فولغوغراد، عززا هذه المقاربة الروسية للأحداث في المنطقة. بعد التفجيرين الانتحاريين، طرحت موسكو رؤيتها للترابط الاقليمي والدولي قائلة: "إن الأعمال الإرهابية في فولغوغراد، على غرار الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة وسورية والعراق وليبيا وأفغانستان ونيجيريا وغيرها من الدول، يتم تنفيذها بالسيناريو نفسه وبالمدبرين أنفسهم"، معتبرة ان الخطورة تكمن في "مواقف بعض الساسة وواضعي التكنولوجيات السياسية الذين لا يزالون يحاولون تقسيم الإرهابيين إلى صالحين وغير صالحين، حسب المهام الجيوسياسية التي ينفذونها".

هذا الربط لم يقتصر على هجومي فولغوغراد. فبشأن معركتي الفلوجة والرمادي، قالت الخارجية الروسية بوضوح: "نحن ما زلنا على ثقة بوجود بعد إقليمي لموجة العنف الحالية في العراق، خاصة ما يجري من أحداث في سورية المجاورة. إن الإرهابيين من تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة بها الذين ينشطون على أراضي العراق وسورية، لا يعترفون بالحدود".

وفي سياق مواز، أظهرت التحقيقات الروسية أن أحد الإنتحاريين كان قياديا ينشط في جماعة مسلحة في سورية، مدعومة من السعودية. يصب التحقيق في سياق القناعة الروسية المتزايدة، بان جذور الإرهاب في القوقاز، متصلة بشكل أو بآخر بالفوضى "الجهادية" التي جرى خلقها في أنحاء الشرق الأوسط، بدور مركزي للمملكة منذ الشرارة الافغانية قبل اكثر من 30 سنة ضد الإتحاد السوفياتي، باسم "الجهاد" ضد "الكفار والصليبيين"، وان المعالجة العسكرية القاسية، في الشيشان وداغستان وغيرهما، ربما لن تكون كافية وحدها لاقتلاع هذه الجذور، ما لم تترافق مع حركة ضغط روسية وغيرها، أكثر مباشرة وفاعلية على الصعيد الخارجي، وتحديدا باتجاه معاقل بعض شيوخ مملكة فتاوى التكفير الجهادي.

ليست مجرد مصادفة ان هذه الخلاصة الروسية الآخذة بالتشكل بشأن خطورة الدور السعودي وعبثيته، أصبحت تتلاقى بتطابق، كما بات معلوماً، مع خطاب "الجبهة المعادية للتكفيريين"، من دمشق وبغداد إلى طهران وغيرها من مدن القلق في القاهرة وطرابلس وتونس والجزائر والتي عانت الأمرّين من أهوال موجة الإسلام التكفيري.

على درب الخلاص هذه، هل حان الوقت لإعلان جريء من بوتين، بانخراطه المباشر فيها؟
خليل حرب- السفير اللبنانية

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=3257