وجهات نظر

رسائل السوريين المسبقة

علي قاسم


الإعلام تايم - الثورة 

لم يكن الإقبال الواضح على الترشح لعضوية مجلس الشعب مفاجئاً بمعيار التوقع، لكنه في الوقت ذاته يحمل ما هو خارج دائرة الجزم بذلك المتوقع، وهو يخطّ رسائل لا يمكن تجاهلها في هذا الوقت، وفي ظل الظروف الراهنة، مقارنة بمعيار المزاج الشعبي ودلالاته مع الدور الأول حين بدت المقاربة انعكاساً واضحاً وصريحاً لمحاكاة شعبية للتطورات الحاصلة بين الدورين.‏

 

فالمسألة ليست فقط تطوراً رقمياً أو عددياً في الإقبال، له أهميته ودلالته في هذه المرحلة كما في سائر المراحل، ولا هي حالة استقطاب واضحة في سياق الرد على كثير من التوقعات والاستنتاجات ذات الطابع المسبق، بل في جوهرها تمثل إعادة تطوير لمفاعيل العلاقة باتجاهين الأول: قدرة المؤسسات على استقطاب الكفاءات والتعاطي معها بروح من المسؤولية الوطنية، والثاني: عبر تأكيد التفاعل مع الاستحقاقات باعتبارها حالة اختبار ذات بُعد وطني في شكلها ومضمونها، لكنها أيضاً ذات مضامين عملية على وجود العلاقة وتجذّرها رغم ما شابها وما تعرضت له في السنوات الماضية.‏

 

والمقارنة هنا أيضاً ليست عددية أو رقمية رغم أنه لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها، بل هي في اتجاهات المزاج الشعبي وما تعكسه، حيث الاستجابة التي قد يجد فيها البعض شوائب عالقة هنا أو هناك، هي في نهاية المطاف تعبير عن تقاطعات واضحة وصريحة بدور المؤسسات من جهة والثقة الفعلية بوجودها وبضرورتها من جهة ثانية، وربما كانت بحتمية ما خلصت إليه تجارب السنوات الماضية من جهة ثالثة، حيث الفارق في المناخ القائم لا بد أن تعكسه لاحقاً أرقام واضحة من الإقبال، وترسخه إلى حدّ بعيد وتترجمه حالة القناعة الشعبية التي تعبّر عنها إرادة الناخب عبر صندوق الاقتراع.‏

 

قد يكون من الصحيح من حيث المبدأ أنه لا يمكن الاتكاء على المؤشر الرقمي وحده، وربما من باب الصواب ألا يتم التعويل عليه منفرداً، كي تبدأ الاستنتاجات والخلاصات، لكنه يجسّد خطوة في جملة خطوات منسجمة مع بعضها، أو بتعبير آخر هو بوابة عبور لا بد منها، وصولاً إلى ما يستلزم من خطوات تلحق بها في صناديق الاقتراع، إذ الناتج الوحيد الذي يمكن استخلاصه، يقود إلى الجزم بأن الإقبال على الترشح سيكون له صدى في المشاركة، وقد يكون مؤشراً أولياً، لكنه غير نهائي، ولا بد من تأكيده عبر صناديق الاقتراع ليكون الدليل قاطعاً من جهة، والنتيجة مؤكدة من جهة ثانية.‏

 

بهذه المقاربة يكون الإقبال سمة ممهورة بقرار السوريين الذين يخوضون التحدي بلغة اختبار لا يمكن إغفالها، خصوصاً أنها تأتي وسط لغط متعمّد باتجاهات يُراد لها أن تُشعل معارك جانبية في نقاشات لن تجدي نفعاً، ولا طائل منها، وتحديداً ما يتعلق بخطط تجتاح الحروف الأبجدية في ترقيمها، وأحاديث تريد صب النار على الزيت وطروحات تريد ذرّ الرماد في العيون.‏

 

هنا، ربما كانت المعادلة فاصلة والمنعطف علامة فارقة في إعادة ترتيب الأولويات وعدم الخلط، وصولاً إلى الفرز بين الآني والمرحلي.. وبين الاستراتيجي والدائم، حيث ما اقتضته الظروف والمعطيات شيء، وما تمليه الاستحقاقات والحفاظ على وجود المؤسسات شيء آخر له أكثر بكثير مما عليه.‏

 

الإقبال ليس "بروباغندا" دعائية، ولا هو نتاج عمل تخطيطي، وليس هناك ما يعيب في ذلك، بل دلالة ترابط وثيق، ونتاج فعل مؤثر وقادر وربما مقتدر، في ظروف لا تخفى على أحد، حيث يعود الفارق بين ما كان عليه في الدور الأول وما هو عليه في الثاني ليستدل منه أوجه الاختلاف الواضحة، وفي الوقت ذاته تتضح جوانب التقاطع في العلاقة بين المؤسسات والأفراد، وبين صورة الدولة والترجمة المتاحة لها.‏

 

ما نحتاجه أن تكون قراءة هذه الرسائل في يوم الاستحقاق مطابقة تماماً لما هي عليه اليوم، بل الضروة أن تفوق المتوقع وتتجاوز المتاح لتكون على قدر الاختبار، وقد اعتاد السوريون أن يسجلوا في اللحظات المفصلية والمنعطفات الفارقة ما يفوق القدرة على التوقع، وما يتجاوز الاستنتاج، وهذا يكفي لتقديم قراءة أولية في محدّدات واضحة تستحق وقفة أخرى، باعتبارها واحدة من ردود السوريين على تقولات وشائعات.. وتصلح لتكون جواباً على محاولات يجري تجييرها فوق الطاولة وتحتها.. على يمينها وشمالها.. ومن خلفها وأمامها..!!‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=32474