وجهات نظر

باختصار: الآتي الأعظم لا يخيف اللبنانيين

زهير ماجد


الإعلام تايم - الوطن العمانية 


فهمت رسالة وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق بقوله أن "الآتي أعظم "بأنها رسالة تهديد لمجتمع لم يعد يخاف وتأصلت فيه روح النضال والشهادة. مجتمع يكتب اليوم حضوراً له تردد في التاريخ، وعلى مقياسه يأتي الفعل الحاضر.

 

لكن المشنوق لم يرد توضيح تهديده، وفي حالة كهذه ثمة تفسيرات وتكهنات قد يكون أي منها هو المعنى لجملته التي تركت انطباعاً غير محمود .. فعندما يكون الواقع مضطرباً تكون المعاني من صلبه، والعكس هو الصحيح.

 

جملة الوزير اللبناني تخص لبنان، وهذا البلد ليس من عادته إلا أن يكون ركناً مهما في قلب أمة لها وعد مهما تقلبت ظروفها .. كان لبنان متنفس المنطقة العربية، منتجع مثقفيها، مركز لجوئهم، الحاضن لإنسانيتهم، المدافع عن وجودهم. وكان في كل مراحل المنطقة قيمة تعبيرية عن أفق بعيد المدى، هو وطن بملامح غيره على كل من يسعى ليكون من عشاقه ..

 

في هذه الحال، لا يترك لبنان لوحده، هو مسؤولية كل مثقف عربي، ومسؤول حر، مهما اختلف في دوره الحالي. عندما ضربت الحرب لبنان تاه العرب بحثاً عن ملاذ يشبهه فلم يجدوا، لا يوجد مثل لبنان إلا لبنان، إنه التركيبة المميزة، وهو قدر مكان صغير المساحة، لكنه أسير موقع مهم ومعنى لشعب جاء من ألوان مختلفة ليتعايش على أرض واحدة وضمن سياق إنساني كان دائما محط إعجاب .. ويوم هاجمته البداوة لتقتص من تقدمه عليها، ظل يدافع عن نفسه ولم يسقط، رغم أن اقوى الدول قد تنهار إذا تعرضت إلى ما تعرض له.

 

ويوم احتلته إسرائيل، تيقن كثير من المنطقة أنه سينام على جرحه، فإذا به أكثر يقظة، مشفوعاً بقدرات شبابه وشعبه كله، فكان التحرير الذي لم يستطع الإسرائيلي إلا أن ينصاع لإرادة كتبت تاريخاً بدم أبنائها. مدرسة في الوطنية، جبلت باستعداد دائم لتقديم الذات مقابل أن يظل الوطن معافى.

 

إذا كان الآتي أعظم فلن يكون بمستوى ما مر على لبنان من عظائم وكلها تلاشت واندحرت، وبكل تأكيد ومعرفة بما هو في لب أسرار شعبه، فإن كلام الوزير اللبناني سقط في بئر عميقة بل تلاشى كأن الجملة لم تخرج من شفاهه. في حين جاءته الردود المدوية على الفور، وكلها تذهب إلى المقارعة، ولأنه لامس التحريض فقد سمع من الحريصين على وحدة لبنان وشعبه كيف يشتهي محبو هذا اللبنان ديمومته أكثر من كل ناكر ..

 

لم يعد هنالك في تاريخ لبنان ما هو أعظم، لا في الماضي ولا في الحاضر وليس في المستقبل، وبقدر مسؤولية بنيه في التعبير عن تحدياتهم التي صدرت، فإن العرب مسؤولون أيضاً في الدفاع عن وجههم المشرق الذي ما زال صامداً في وجه الغزاة كيفما كانوا، وبقدر حاجتهم للبنان في هذه الظروف، فعليهم الوقوف بوجه كل شر مختبئ في التعابير والكلمات أو قادم من خارج حدوده.

 

بوجود مقاومته يحتاج لبنان لحضن عربي، وأجزم أن العرب بدونه لن يكون لهم شرعية حياة، لأنه يظل روح جسد الأمة التي لا يمكنها أن تعيش بدونها.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=32340