وجهات نظر

عندما يتحول «الصراخ الناري» إلى «رماد بلا قيمة»

بسام أبو عبد الله


 
الوطن - الأخبار - الإعلام تايم

منذ أسبوعين، ونحن نستمع ونشاهد، ونقرأ عما سموه "الخطة ب" وتتمثل بتحضيرات ضخمة لتدخل بري تدعو إليه السعودية، وقطر وتركيا، وتروج له وسائل إعلام أميركية مثل الـ"سي إن إن" التي تحدثت لنا عن 150 ألف جندي يجري إعدادهم لحرب كاسحة، ماحقة، وكأننا أمام فيلم هوليوودي أميركي من إخراج سعودي- تركي فاشل، والغاية هي محاولة رفع معنويات الإرهابيين المنهارة، والإيحاء لهم بأن المدد قادم، وبأن أسيادهم سوف يقلبون الدنيا من أجل عيون (الثوار المزعومين)… ولكن من الواضح تماماً أن لا قدرة لديهم على القيام بذلك من دون إذن سيدهم الأميركي كما قال الرئيس الأسد، وبالتالي ما سمعناه من تصريحات نارية من أردوغان، وداوود أوغلو، والجبير ليست سوى صدى لأبواق لن توقف سحق أدواتهم على الأرض أمام أعينهم..

 

– الكلام السعودي- التركي الذي انطلق نارياً، تحول خلال أيام قليلة إلى رماد لا قيمة، ولا وزن له، فمن مناورات عسكرية، ونقل لطائرات سعودية إلى قاعدة إنجيرليك التي لا تتحرك منها طائرة إلا بأوامر أميركية، إلى تسريبات صحفية عن تحضيرات بين البلدين لشن عملية برية واسعة تحت شعار (محاربة داعش!!)، تارة من الشمال، وتارة من الجنوب لكن من دون أي أثر يُذكر.

 

تركيا التي اعتاد رئيسها أردوغان على إطلاق التصريحات العنترية منذ خمس سنوات، قللت من شأن هذا الاحتمال إذ أعلن نائب رئيس حكومتها- والناطق باسمها (نعمان قورطولموش) (أن بلده لن تدخل في مغامرة مجهولة العواقب)- غريبٌ كيف اكتشف السيد قورطولموش أن التدخل البري هو كذلك، من دون أن يدرك بعد أن سياسة رئيسه طوال خمس سنوات في سورية كانت مغامرة مجهولة، ونتائجها تظهر الآن بشكل كارثي على تركيا، وشعبها.. إذ لا تفهم المعارضة التركية كما قال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري كيف يمكن لتركيا أن تتحالف مع دولة متخلفة مثل "السعودية"، وهو ما سيخلق لها مشاكل خطرة، ومعقدة… ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يضيف زعيم الحزب المعارض التركي أن سياسات أردوغان خطرة جداً وأفلست بشكل تام محملاً إياه مسؤولية كل الجرائم التي ارتكبت في سورية.. ويرى أن هذا الإفلاس يدفع أردوغان لمزيد من المغامرة من دون أن يعي أن من سيتصدى له هناك هو الطيران الروسي.

 

الأمر لا يقف عند ذلك بل إن رئيس الوزراء التركي (العنتري) أحمد بن ديفيد أكد أن بلاده لا تنوي دخول الحرب في سورية، ولكنها تتخذ الإجراءات كافة للحفاظ على أمنها، وأمن حدودها… من دون أن يخبرنا الجهبذ داوود أوغلو من المسؤول عن جلب، وتمويل، وتسليح آلاف الإرهابيين، ومن أتى بهم إلى الحدود، وسلمهم البوابات الحدودية، ونهب المصانع، والنفط، والقطن، واعتقد للحظة ما أن هذه المنطقة ستتحول لحديقة خلفية له يفعل بها ما يشاء..

 

التراجع نفسه نراه لدى الجناح الآخر لهذا الحلف أي السعودية التي ربطت ذهابها لحرب برية بأن تكون القيادة فيها لأميركا، من دون أن يفسر لنا المسؤولون السعوديون لماذا هذا التراجع خلال عدة أيام بعد أن أوهموا العالم أن جيوشهم الجرارة تنتظر أوامر الماريشال سلمان بن عبد العزيز، أو نائبه المشير محمد بن سلمان!!

 

الحقيقة أن السبب الأساسي كان رد الفعل الأميركي الذي صب ماء على رؤوس المسؤولين الأتراك، والسعوديين الحامية عندما أعلن الناطق باسم الخارجية الأميركية (مارك تونر) أن إستراتيجية أميركا تكمن في توجيه ضربات جوية، ودعم قوى محلية، وهو ما فُهم بأنه رفض أميركي للطرحين السعودي والتركي.. الأمر الذي شرحه وزير الخارجية التركي بالقول: (إن بعض الدول مثلنا، ومثل السعودية، وبعض الدول الأوروبية يرغب بشن عملية برية في سورية، ولكن لا إجماع في التحالف، ولم تتم مناقشة إستراتيجية بهذا الخصوص بشكل جدي)، وضعوا خطين تحت عبارة بشكل جدي، وعبارة لا إجماع.. لندرك أن الحديث عن تدخل بري ما يزال غير متفق عليه، لا بل هناك رفض له، ليس لأن واشنطن خيرة، وحريصة على السوريين، بل لأن أي خطوة من هذا القبيل ستعني إشعال (حرب عالمية) كما حذر ميدفيديف، وستعني دق المسمار الأخير في نعش نظام آل سعود كما أعلنت طهران، وإعادة الجنود الغزاة في صناديق خشبية كما قال السيد وليد المعلم وزير الخارجية.

 

إذاً يبدو واضحاً أن الصراخ التركي- السعودي تعبير عن خيبة أمل، ويأس، وقنوط من إمكانية تغيير واقع ميداني بدأ يقطع أنفاس أردوغان، وسلمان حتى كادا يموتان غيظاً، وخنقاً، وهما يريان نتاج عمل خمس سنوات من التآمر والإجرام، ودعم الإرهاب يهوي أمام أعينهم خلال عدة أشهر من دون أن يستطيعا التدخل لتغيير الواقع كأصلاء في المشروع عوضاً عن الوكلاء الذين بدؤوا يفرون كالأرانب من أرض المعركة بالرغم من فتاوى المحيسني، وأردوغان، وداوود أوغلو، أو عنتريات الجبير، أو تصريحات الهيئة العليا للخيانة والإرهاب في الرياض.

 

يبدو واضحاً أن أردوغان الذي اعتاد أن يمشي مشية المتكبر المتعجرف، موحياً بأنه سلطان للمنطقة، وجد نفسه بعد انتصارات الجيش العربي السوري، وقوات الدفاع الشعبية السريعة والحاسمة بدعم جوي روسي مجرد (مختار) صغير يريد المحافظة على اعزاز لمنع قطع خط إمداد يذهب لداعش- التنظيم التوءم لحزب الإخوان في تركيا، والمنتج المؤكد للوهابية السعودية.. 


لقد وجد أردوغان، وحليفه سلمان أن الأمور أعقد، وأصعب مما يتصوران خاصة أن موسكو كانت حاسمة، وطهران جازمة، وسماحة السيد حسن نصر الله اعتبر أن هذا التدخل إن حصل فسوف يشكل فرصة لخلاص المنطقة من نظامي أردوغان، وآل سعود.

 

تطور الأمور كشف بشكل واضح حقيقة الأحلاف، والمحاور في المنطقة وحقيقة الحرب على سورية منذ خمس سنوات والتي هي عدوان إرهابي كما وصفه الرئيس بوتين ذات مرة، وليس حرباً داخلية كما يحلو للبعض الحديث عنها لإخفاء حقيقة المشروع، وتضليل الرأي العام، وحتى أولئك الذين سموا أنفسهم معارضة سورية تبين لنا الآن أنهم مجرد عملاء، وخونة، وإرهابيين يشكرون عدو شعبهم التاريخي، ويحاضر رئيس ما يسمى (هيئة التفاوض) أمام موشيه يعالون في ميونيخ عن الديمقراطية- والحريات في سورية ويتناسى فلسطين، والجولان.

 

ببساطة شديدة نحن لا نقلل من السيناريوهات المحتملة، لأنها بالتأكيد تؤخذ بعين الاعتبار حتى لو كانت إمكانيات تنفيذها ضئيلة، ولكن كل من يؤمن بـ(ثورة سورية)، وما يزال يتحدث عن (ثوار سوريين) عليه أن يعلم، ويدرك أنها من نسل بن غوريون، وحبيبة نتنياهو، ويعالون، كما هي حبيبة سلمان وأردوغان، وحمد، وغيرهم كثيرون، فهي الثورة التي نامت في فراش الشياطين لتنتج لنا هذا الدمار، وهذا الانحطاط السياسي، والأخلاقي.

 

إن ما نسمعه من صراخ من أنقرة إلى الرياض يشبه من يشم رائحة دم البشر من مسافات بعيدة، والتي بطبيعتها كما يقول العلم لا يمكن أن تصبح أليفة، ولا يمكن أن تؤتمن، وتنام بعين واحدة، وتبقي الأخرى مفتوحة لأنها تخاف دائماً مما ارتكبته من عمليات قتل، وافتراس للآخرين.. ولأن الأمر كذلك فإن "صراخ" أنقرة، والرياض ليس إلا تعبيراً عن الإفلاس، والهزيمة التي لن يُفيد، ولا صراخ.. وخاصة، أن السوريين مصرون مع حلفائهم على استعادة حقوقهم لأن الحق لا يعود، بل يُستعاد كما أكد الرئيس الأسد في لقائه مع المحامين السوريين.. وصمود السوريين خلف جيشهم، ورئيسهم سوف يثمر نصراً قاطعاً سيغير وجه المنطقة والعالم.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=31877