المحاور- الإعلام تايم يمثل تصعيد التصريحات السياسية وارتفاع حدة التهديدات العسكرية بالتحرك البري واستعراض العضلات للقوى والتحالفات الكبرى شكلاً من أشكال الصراع في لعبة المصالح بين الدول اﻹقليمية والدولية.
دفع هذا المشهد من اﻷحداث المتطورة والمتسارعة ليضع المنطقة عموماً في مرحلة من الخيارات الصعبة ويجعل الاحتمالات جميعها موضوعة على طاولة التباحث أو ما يعرف بميزان الربح والخسارة، التسوية القائمة على الفوضى والمزيد من الدماء مؤشرات حدوثها واللجوء إليها كبيرة، ولكنها بالمقابل لا تزيد كثيراً من خطر الانزلاق عن حافة الهاوية وفتح أبواب جهنم للمنطقة بأكملها ودون استثناء، نتيجة السياسات الرعناء القائمة على الحقد والكراهية بالنسبة لبعض الدول اﻹقليمية كالسعودية وتركيا؛ اللتان استشعرتا بأن القطار بدأ يسبقهما فسارعتا للتهديد بالتدخل العسكري آملين بوقف انهيار صفوف المجموعات المسلحة والرفع من معنوياتها.
هذان الخياران هما عنوان المرحلة القادمة ولابدَّ من اللجوء إلى إحداهما أو إليهما معاً، ولكن ما هي نقاط القوة لكل من المؤشرين؟
وما حصل من توتير العلاقات بين السعودية وإيران قبيل توقيع اتفاق 5+1 يشير بأن أمريكا تضحي بوعودها ومصالح حلفائها لتحقيق مصالحها، وهي تستغل الظروف والعوامل الداخلية واﻷسباب الدافعة للتدخل لكل من تركيا والسعودية لخلط الأوراق من جديد في المنطقة، وتوسيع نفوذها عبر الناتو، ومحاولة وضع الروس في ظروف مشابهة لظروف السبعينات في أفغانستان.
فالتدخل البري الذي وصفه المتحدث باسم القوات العسكرية السعودية أحمد العسيري بأنه “لا مفر منه”، اشترط أن يكون بقيادة أميركا وهذا ما طلبته أيضاً كل من اﻹمارات والكويت الذي يمنعها دستورها من إرسال قوات عسكرية خارج بلادها، وهو مضمون ما أعلنه السيناتور الجمهوري لينزي غراهام في أيلول من العام الماضي بـ ”أن الاستعدادات تجري لدخول ما يقارب 100 ألف مقاتل لسورية لمحاربة اﻹرهاب؛90 ألف مقاتل منهم من الدول العربية واﻹقليمية و10 آلاف من الجنود الغربيون بقيادة أميركية، و يتوازى مع إعلان شبكة CNN عن إطلاق أكبر مناورة عسكرية في الشرق اﻷوسط تستضيفها السعودية على أراضيها بمشاركة أكثر من 150 ألف مقاتل لهذا الغرض، كما تدعيه هذه الدول بعيداً عن الدوافع الحقيقية.
كما أن “عدم التزام رئيس الهيئة العليا للتفاوض رياض حجاب عن ما نجم عن لقاء ميونخ” حسب قوله، و”وصول أسلحة جديدة ونوعية للمجموعات المسلحة”، كما أشارت الغارديان تشير لتصعيد اﻷمور ،وخاصَّة أن تفعيل البند المتعلق بوقف العمليات العدائية من الصعب تحقيقه خلال الفترة القادمة إن لم يكن مستحيلاً خلال الفترة المتفق عليها وقبل وضع قوائم لمعرفة المنظمات اﻹرهابية من غيرها، هذا فضلاً ” عن الدور الصهيوني في هذا التدخل بعد اعتراف مؤسساته العسكرية والأمنية والسياسية واﻹعلامية بالخطر المحدق على هذا الكيان نتيجة متانة مشروع المقاومة وإنجازاته اﻷخيرة.
وبالمقابل يمكن تصنيف هذه التهديدات بالفقاعات اﻹعلامية التي توظف ضمن خانة الضغط السياسي على الدولة السورية وحلفائها، لوقف الامتداد السريع الذي حققه الجيش السوري في الميدان، فمن يحضر قواته ويكون لديه نوايا شن عدوان يبقيها بعيدة عن أي تداول إعلامي ليحافظ على عنصر المفاجئة ويمنع الطرف اﻵخر من الاستعداد لهذا العدوان.
التدخل البري دون التنسيق مع الحكومة السورية وفق زعماء سياسيين ومراقبين دوليين يمكن اعتباره مغامرة غير محسوبة النتائج تفضي لحرب عالمية ثالثة، ولا يمكن حدوثها لعدد من الأسباب يمكن تصنيفها وفق التالي:
كما أن الداخل الأميركي اليوم مشغول في سباق الانتخابات الرئاسية، وبالتالي كلا الحزبين وبخاصة الديمقراطي لا يريد التورط في أي مغامرة خارجية يمكن للحزب الآخر الاستفادة منه.
– روسيا لن تسمح بأي مغامرة أو عدوان يسمح بانهيار سورية، وبالتالي تهديد مجالها الحيوي وتجنب خطأها السابق في ليبيا، واستخدام سلاح الجو الروسي لطائرة ميغ35 المتطورة ﻷول مرة في سورية ونشر منظومة (S300) والمناورات الصاروخية المفاجئة التي أجرتها القوات الروسية في جزيرة القرم، وإعلان منظمة اﻷمن الجماعي بأنها ستدرس طلب انضمام سورية في حال تقدمت دمشق بذلك، يأتي في سياق سياسة الردع ﻷي عدوان خارجي، ولاسيما أن بروتوكول هذه المنظمة الموقع في 2002 ينص عن أي اعتداء على دولة عضو فيه يوجب تحرك باقي الأعضاء للدفاع عنه.
– اﻹعلان عن زيارة الملك السعودي لروسيا في آذار المقبل، وتزامن ذلك عن الوصول لوقف العمليات العدائية في ميونخ، وحديث الخارجية الروسية عن احتمال انعقاد الجولة الثانية من جنيف3 قبيل 25 شهر الجاري، يشير لصيغة شبه متكاملة للوصول لتسوية غير مكتملة المعالم حتى اﻵن.
هذا فضلاً عن أن الجيش التركي لم يخوض حرباً حقيقية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وهو أولاً في صدام داخلي منذ أربعة عقود مع المكون الكردي جنوب تركيا لم يستطع حسمه حتى اليوم عسكرياً، وثانياً هناك خلاف بين قيادات الجيش التركي حول عواقب التدخل.
في حين أن الجيش السعودي وبعد مرور عام من قيادة التحالف والعدوان على اليمن، لا يمكنه الحديث عن أي انتصار وفق كتاب سعوديين وسياسيين غربيين، بل تكبد هذا الجيش في عدوانه على أفقر دول العالم خسائر تجاوزت 2000 من جنوده وتدمير وتعطيل أكثر من 450 دبابة وآلية بتكلفة تجاوزت 200 مليار دولار.
شكل الرد السوري وخاصة بعد توعد وزير الخارجية السوري بإعادة من يدخل سورية بصناديق خشبية، بناء على ما يملكه الجيش السوري من قوة ردع صاروخية ومصداقية حلفائه في إيران التي رأت بالتدخل السعودي في سورية بداية لانهيار المملكة والمفاجآت التي يخبئها حزب الله الحليف في القتال والدم والمصير.
المنطقة تنتظر ما سيعرض على مسرحها من فصول وسلوك وقرارات، إما تجنبها خطر نار جهنم التي ستلتهم كل ما فيها وربما قد تبعثر شرارتها إلى أبعد بكثر، أو قد تعزف أنشودة التسويات التي لن تكون خياراً سهلاً لكل الفاعلين، أو قد يكون الخيار الأول تمهيداً لتسوية عائمة على الدماء، وما يبقى مؤكد بأن سورية وشعبها هما فقط أضحى ضحية المصالح وتوزيع النفوذ الدولي. |
||||||||
|