وجهات نظر

إيران.. تقطف ربيع ثورتها في زمن الخريف العربي

محمد نادر العمري


الاعلام تايم - المصدر: موقع محاور الإخباري

 

تسدل الجمهورية اﻹسلامية في إيران الستار عن الذكرى السابعة والثلاثين من ربيع ثورتها اﻹسلامية، هذه الثورة التي شكَّلت، وباعتراف معظم السياسين وأساتذة العلاقات الدولية، زلزالاً جيواستراتيجي في معالم النظام اﻹقليمي وتركيبته السياسية وطبيعة تحالفاته منذ عام 1979، تزامنت مع مرحلة مفصلية من مراحل الصراع العربي_الصهيوني بعد إخراج مصر من حلبة هذا الصراع بموجب اتفاق كامب ديفيد، وما أحدثته هذه الثورة من تغيرات جذرية بنيوية سياسياً وفكرياً ودينياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً في النظام الداخلي اﻹيراني.

 

لكن ما يميز احتفال (يوم الله)، وهو المصطلح المحبب لدى اﻹيرانيين هذا العام، ليس فقط ثبات المواقف والمبادئ التي تبنتها الثورة ولم تتغير طول السنوات الطويلة، ولا لترسيخها للنظام الجمهوري وإنجازها لانتخابات قارب عددها ستة وثلاثين، ما بين رئاسية وبرلمانية وبلدية خلال العقود الثلاثة والنصف اﻷخيرة في إطار خارطتها الجغرافية المجاورة لدول ذات اﻷنظمة العائلية النفطية المالكة، ولا باستمرارها بدعم القضايا المحقة للشعوب اﻹسلامية وغير اﻹسلامية في تقرير مصيرها (حق الشعب الفلسطيني، والكفاح ضد العنصرية في جنوب إفريقيا سابقاً)، ولا بوفائها تجاه حلفائها وأصدقائها واستراتيجية علاقاتها وتحالفاتها مع أقطاب ودول ناشئة مناوئة للرأسمالية ومطالبة بضرورة تغير النظام الدولي الحالي، ولا في صمودها ضدَّ كل التأثيرات والضغوط الغربية، ولا لقدرتها بالحفاظ على استقرارها وسيادتها وتحصين قرارها الداخلي وتخلصها من علاقة التبعية للغرب والخروج من العباءة اﻷمريكية، ولا لاستمرارها في الوقوف إلى جانب حركات المقاومة كحماس وحزب الله الذي يعتبر إحدى ثمار التحالف المصيري (السوري_اﻹيراني) في مواجهة المشروع الصهيوني، ولا حتى في سياستها المعادية بجهارة لوجود الكيان الصهيوني ورفضها لسياسة اﻹملاءات فقط، ما يميزها هذا العام هو الترجمة الفعلية والإقرار الدولي لقول اﻹمام الخميني “إن العالم بحاجة إيران”، التي أسست لتحقيق ذلك من خلال بناء الإنسان اﻹيراني، وها هي تحصد اليوم ثمار ذلك من خلال هرولة دول العالم إليها.

 

حيث أضحت إيران اليوم وجهة للحجاج الدبلوماسيين من كافة عواصم الدول، وساحة مغرية بكل ميزات الجاذبية لمصالح الدول الغربية التي بدأت تتسابق فيما بينها لتوقيع الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والارتقاء بالعلاقات مع القيادة اﻹيرانية والإقرار بما أثمره التفاف شعبها وتمسكه بثورته، هذه الدول هي ذاتها قبل شهرين فقط كانت تعتبر إيران أكثر دول العالم شراً وإرهاباً ولم تترك وسيلة وحيلة وأسلوب إلا واستخدمته ﻹسقاط هذه الثورة ومن يقودها ﻹعادة نظام الشاه، حيث أوكلت للعراق خوض حرباً بالوكالة نيابة عنها لمدة 8 أعوام كلفت اقتصاد إيران خسائر تجاوزت ألف مليار دولار، وألحقتها بحروب ناعمة وحصار وعقوبات اقتصادية ومقاطعة سياسية مؤلمة وإحاطتها بقواعد وأساطير عسكرية بتواطئ إقليمي ودولي وبمظلة أممية.

 

37 عاماً من الصبر والحصار والعمل الدؤوب كانت كافية لتنتقل به إيران من الدول المتخلفة والتابعة لمصاف الدول المتقدمة، كانت كافية لتتحول من أداة وظيفية للاعب إقليمي ودولي لا يستهان بوزنه وقدرته، كانت كافية لتفرض نفسها وبقوة في المسرح الدولي بإنجازاتها النووية والفضائية والتكنولوجية والعسكرية. وكل سياسات التخويف والتهديد والوعيد الذي مارسته معظم دول المجتمع الدولي تجاه إيران، لم يحول ذلك دون وصولها لما كانت تطمح إليه عندما غرست بذور ثورتها، وامتلاكها لبرنامج نووي سلمي ودخولها نادي الكبار من أوسع أبوابه وبإقرار دولي مرغم عليه، لم يكن فقط الثمرة الوحيدة لتضحيات وصمود ثورة الشعب اﻹيراني، بل أرست قاعدة بنيوية تحتية علمية وفكرية وتكنولوجية بفضل سواعد أبنائها وعقول مواطنيها، حيث اعتبرها المجلس الوطني الأمريكي للمعلومات إحدى دول العشرة عالمياً بالتقدم العلمي والتقني، وحصلت على المرتبة الثالثة عشر من حيث الانتاج العلمي دولياً حسب منظمة (أي أس أي)، ونمو التطور العلمي بها فاق المعدل العالمي ثلاث عشرة مرة، وحققت قفزات سريعة ونوعية في تقنية النانو تربعت على عرش صدارته إقليمياً والسابعة عالمياً خلال 12 عام فقط من البدء بإنتاج هذه التقنية ونشرت ما يقارب من 4 آلاف بحث ومقال علمي بهذا الخصوص.

 

واستفادت إيران من التقدم العلمي والتكنولوجي لتربطه بشبكة عنكبوتية في المجالات الأخرى وتطويرها، مما دفع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بجيش الكيان الصهيوني-اللواء هرتسي هيلفي- للتحذير من التطور العلمي المتسارع للجمهورية اﻹسلامية اﻹيرانية، واصفاً هذا التطور بأنه الخطر اﻷكبر الذي يحدق بإسرائيل، وأضاف وفق معلومات سربتها (معاريف): “إن كنتم تسألوني؛ هل إن الحرب ستنشب خلال اﻷعوام العشرة القادمة مع إيران؟ فإن جوابي سيكون مفاجئة لكم.. فنحن نخوض حرباً مع إيران إلا أنها حرباً ليست عسكرية مباشرة، بل هي حرب تكنولوجية”.

 

إذاً العدو قبل الصديق يعترف بما حققته إيران وماقطفته من ثورتها.. فهي اقتحمت حرب النجوم دون أن تستأذن أحد، ومكنها تقدمها التكنولوجي من السيطرة تقنياً وفنياً على أكثر طائرات التجسس العسكرية اﻷمريكية تطوراً (RO170) دون أن تصاب بأي أذى بعد أن تم رصدها بمقدرات ذاتية، وقامت بتطويرها إلى جانب الجيل المتكامل من الطائرات التي تنتجها وبخاصة (قاهر 313)، ورفعت مستوى تطورها وإنتاجها العسكري جوياًوبرياً وبحرياً لتردع عنها كل عدوان، وهي تمهد ﻹرسال أول بشري للفضاء الخارجي عام 2020 بعد نجاحها في إرسال ثلاث أقمار صناعية للفضاء في 2009 وما تلا ذلك من إرسال كبسولات حملت سلاحف وحشرات برحلة ذهاب وعودة من الفضاء.

 

كما أن التوقعات في مولد ثورتها السابع والثلاثين يشير لنمو اقتصادها لأكثر من 5% من نمو الناتج المحلي بعد استكمال رفع العقوبات عنها، الذي سيمنحها 150 مليار دولار من أصولها المجمدة ورفع إنتاجها من النفط لحوالي مليون برميل، واقتصادها ثاني أكبر اقتصاد في الشرق اﻷوسط بعد السعودية وفق ما أعلنته (وكالة موديز للتصنيف الائتماني) وهو أكثر الاقتصاديات تنوعاً مقارنة بالدول الأخرى المصدرة للنفط في المنطقة.

 

إيران تقطف اليوم انضج ثمرات ثورتها في ظل خريف يعصف ويزرع ويحصد دماً تعيشه الكثير من الدول العربية؛ فالعراق يقسم على نار هادئة، والسوادن أصبح اثنين، وليبيا مباحة لكل اﻷطماع، وتونس في مشهد غامض سياسياً، ومصر مازالت مرتهنة للمال الخليجي، واليمن يعاني حقد جيرانه، وسورية سماءها مباحة لكل الطائرات وأرضها أصبحت خصبة لكل إرهابي العالم.. فعن أي ربيع عربي يتم الكلام؟!

 

ربيع يجعل من أموال النفط الخليجية وسيلة لمقتل وجرح ما يزيد عن 1.34 مليون شخص خلال السنوات اﻷربعة الماضية؟! ويؤدي لتدمير معظم البنى التحتية بهذه الدول التي وصلت خسائرها لأكثر من 833.7 مليار دولار وشردت ما يزيد عن 16 مليون مواطن، وجلبت كل مرتزقة اﻷرض.

 

ربيع بأدوات خارجية وشعارات خارجية وبتدخل خارجي، ربيع تتبناه أكثر دول العالم تخلفاً، رغم أن إحدى دولها تنتج أكثر من 10 مليون برميل نفط يومياً، وتتباهى برقص السيوف واختيار ملوك الجمال من الدواب والجمال والعنز في ثقافتها المهرجانية وتعدم رجال الفكر وتعتقل كل من يطالب بأبسط الحقوق وتحتمي بأسلحة من يتحكم بأمنها ويضمن حكمها.

 

فعن أي ربيع يتم الكلام؟!

 

ربيع دولة وقفت بوجه كل التهديدات عندما قررت إسقاط نظام الاستبداد وأذلت جنود أعظم دولة في العالم منذ أيام عندما احتجزتهم وأركعت عنفوان جبروتهم أمام أنظار العالم أم ربيع تتبناه ممالك وإمارات لا تعرفه سوى بالكلمات؟

 

كلمة حق في النهاية لابدَّ أن تقال؛ ما حققته الثورة الإيرانية بإمكاناتها المتواضعة وظروفها التي عانت منها هي حالة فريدة بتاريخ العالم السياسي الحديث، وهناك إدراك واقعي من قبل القيادة بالجمهورية اﻹسلامية في إيران، بأن حصاد المزيد من ثمار ثورتها والحفاظ على مكانتها الدولية يتطلب بالتوازي تحقيق المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالأشجار المثمرة إن لم تروى بشكل مستمر وتعرضت تربتها للتهوية تفقد صونها وخصوبتها ويسهل نخرها.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=31480